الكلام على الأطراف وفوائدها
الكلام على كتاب (إتحاف المهرة بأطراف الكتب العشرة) وكتاب (أطراف المسند المعتلي في أطراف المسند الحنبلي) كلاهما للإمام ابن حجر العسقلاني:
تعريف الأطراف:
الأطراف في اللغة: جمع طرف؛ قال الفيروزآبادي في (القاموس): الطرف محركة: الناحية، وطائفة من الشيء، والرجل الكريم، والأطراف الجمع، والمراد هنا المعنى الثاني.
الأطراف عند علماء المصطلح: هو أن يذكر أهل الأطراف حديث الصحابي مفردًا كأهل المسانيد إلا أنهم لا يذكرون من الحديث إلا طرفًا يعرف به، أي: جزءًا في مقدمته، مع الجمع لأسانيده إما على سبيل الاستيعاب أو على جهة التقيد بكتب مخصوصة.
أما أهل المسانيد فيذكرون الحديث كاملًا ويستقصون جميع حديث ذلك الصحابي سواء رواه من يحتج به أم لا، وقصدهم حصر جميع ما روي عنه من غير نظر إلى التبويب الفقهي؛ فهم يذكرون في أطراف الكتب الستة مثلًا طرق الشيخين وأهل السنن الأربع، وما اشتركوا فيه من الطرق، وما اختص به كل واحد منهم، وإذا اشترك أهل الكتب الستة في رواية حديث أو أو انفرد به بعضهم ذكر أهل الأطراف أين ذكر كل واحد منهم ذلك الحديث في كتابه؛ وإذا ذكره مفرقًا في موضعين أو أكثر ذكر أهل الأطراف كل واحد من الموضعين.
وليس قصدهم ذكر تمام متون الحديث وسردها؛ وإنما يذكرون الراوي أولًا وطرفًا من الحديث إلى أن يتميز عن غيره من الأحاديث، ثم يقولون: رواه فلان بسند كذا، وفلان بسند كذا، إلى أن يفرغ من ذكر من رواه من أهل الكتب الستة أو غيرهم.
نشأة فن الأطراف وتطور ذلك الفن:
كتابة الأطراف من عمل السلف؛ ذكر أبو خيثمة -المتوفى 234 هجرية- في كتاب (العلم) له قال: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم -وهو النخعي المتوفى سنة 96 هجرية- قال: لا بأس بكتابة الأطراف، وذكر ابن أبي خيثمة -المتوفى 279 هجرية- في تاريخه قال: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن ابن عون عن محمد بن سيرين -المتوفى سنة 110 هجرية- قال: كنت ألقى عبيدة وابن عمرو السلماني -المتوفى قبل سبعين وقيل: بعدها- بالأطراف.
وقال الحافظ الفسوي -المتوفى 277 هجرية- في كتابه (المعرفة والتاريخ): حدثنا أبو يوسف حدثني محمد حدثنا يزيد قال: كنت آتي شعبة من قبل أن يخرج إبراهيم فأجيء وهو نائم والذباب على وجهه؛ فأقيمه؛ فيحدثني من غير أن يكون عندي أطراف يحدثني من عنده، فلما كان بعد ذلك صرنا اثنين -أنا وابن عُلية- ثم صرنا ثلاثة -أنا وابن علية وأبو عوانة- ثم صرنا أربعة بعد ذلك -عبيد الله بن الحسن، وكنا أربعة حتى أخذنا ما عنده.
وقال: حدثنا أحمد حدثنا قريش عن ابن عون قال: جعل حماد يسأل إبراهيم وقال: ما هذا؟ قال: أصلحك الله؛ إنما هي أطراف.
ترتيب الأطراف:
رتب أئمة هذا الفن كتب الأطراف على الأسانيد دون المتون على طريقة الترتيب الهجائي؛ فيذكرون أسماء الصحابة مرتبة ومع كل صحابي يذكرون الرواة عنه من التابعين وأتباعهم مرتبة هجائيًّا؛ بحيث يسهل على من حفظ سند حديث الاهتداء إلى موضعه، ومن ثم معرفة من أخرجه من أصحاب الكتب التي التزم بها مؤلفو الأطراف، وقد يتكرر المتن الواحد تبعًا لتعدد أسانيده، وهذا أمر لا مندوحة عنه؛ لأن غاية كتب الأطراف جمع الأسانيد والطرق؛ فجاء تكرار المتن تبعًا.
وتظهر فائدة الأطراف عندما ينص المؤلف على لفظ بعض الرواة في متن الحديث أو زيادة بعضهم أو نقص آخرين أو نسبة راوٍ أو كنيته، وهذه فائدة جمة لما يتعلق بها من الأحكام الحديثية أو الاجتهادية، أو يقول: رواه فلان مختصرًا وفلان مطولًا… وهكذا.
طريقة سرد الأحاديث في كتب الأطراف:
سنأخذ مثالًا من كتاب (إتحاف المهرة) الذي سنتناوله بالشرح والتفصيل، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في (إتحاف المهرة) من مسند أبي بن كعب: رواية أبي هريرة الدوسي عنه حديث: ((ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها؟ قلت: بلى…)) الحديث، في فضل فاتحة الكتاب، (مي) إشارة إلى (سنن الدارمي) في فضائل القرآن حدثنا محمد بن سعيد، (خز) هي إشارة لـ(صحيح ابن خزيمة) في كتاب الصلاة قال: حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب به، قال عبد الله: حدثني إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر حدثنا أبو أسامة به، حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن أبي أسامة نحوه، (كم) إشارة إلى (مستدرك الحاكم) قال: (كم) (مستدرك الحاكم) في القراءات، أي: أخرجه الحاكم في القراءات، وفي تفسير الفاتحة وفي فضل القرآن، حدثنا أبو العباس حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا أبو أسامة به.
وفي تفسير الحجر -أي سورة الحجر- حدثنا أبو العباس حدثنا أحمد بن عبد الحميد حدثنا أبو أسامة نحوه، وفيه -وفي تفسير الفاتحة- عن أبي بكر بن أبي نصر عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن مسلمة عن مالك فيما قرئ عليه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي سعيد مولى عامر بن قريظ عن أبي بن كعب نحوه، وفي فضائل القرآن عن محمد بن عبد الله الصفار حدثنا إسماعيل بن إسحاق… إلخ.
قلت: هو في (الموطأ) بصورة المرسل، قال فيه: عن العلاء عن أبي سعيد: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبيًّا…)) ورواه روح بن القاسم والدراوردي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم…)) أي الحديث كذلك، وكذا قال الثوري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن أبي بن كعب.
المصنفات في فن الأطراف:
1. (أطراف الصحيحين) للواسطي، المتوفى بعد سنة 400 هجرية، وهو الإمام الحافظ الناقد أبو علي، وقيل: أبو محمد خلف بن محمد بن علي بن حمدون الواسطي، قال الذهبي -الذي توفي 748 هجرية- عن الواسطي، قال: جوّد تصنيف أطراف الصحيحين وأفاد وهو أقل أوهامًا من أطراف أبي مسعود الدمشقي، وأطرافه تقع في أربعة مجلدات وتوجد في ثلاثة.
2. (أطراف الصحيحين) لأبي مسعود الدمشقي، قال الحافظ الذهبي: هو الحافظ المجوّد البارع أبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي، مصنف كتاب (أطراف الصحيحين) وأحد من برز في هذا الشأن، وقال الخطيب: وكان له عناية بـ(صحيحي البخاري ومسلم) وعمل على تعليقة أطراف الكتابين.
3. (أطراف الصحيحين) لأبي نعيم الأصبهاني الحداد: هو الإمام الحافظ المتقن الثقة أبو نعيم عبيد الله بن الشيخ أبي علي الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني الحداد، بلغ الإمامة بلا مدافعة، جمع ما لم يجمعه أحد من أقرانه من الكتب والسماعات الغزيرة، قال الذهبي: جمع (أطراف الصحيحين) وانتشرت عنه واستحسنها الفضلاء وانتقى عليه الشيوخ.
4. (أطراف الصحيحين) للحافظ ابن حجر -رحمهم الله تعالى جميعًا.
– أطراف (صحيح البخاري) فقط:
– يوجد (أطراف البخاري) للسندي -المتوفى في 1138 هجرية- وهو العلامة أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي السندي الأصل والمولد الحنفي، نزيل المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام.
– أطراف السنن الأربعة: منها: (الإشراف على معرفة الأطراف) لابن عساكر، وهو الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر الدمشقي الملقب بثقة الدين، وأحد أكابر حفاظ الحديث ومن عني به سماعًا وجمعًا وتصنيفًا واطلاعًا وحفظًا لأسانيده ومتونه، وإتقانًا لأسانيده وفنونه، صنف كتاب (الإشراف) ذكر فيه أنه جمع أطراف (سنن أبي داود) وجمع الترمذي والنسائي وأسانيدهما و(سنن ابن ماجه)، رتبها على حروف المعجم ثم اطلع على (أطراف السنة) للمقدسي، وقد أضاف إليها (سنن ابن ماجه) فاختبر وصبر، إلى أن ظهر له فيه أمارات النقص؛ فأضاف إلى كتابه أطراف (سنن ابن ماجه) خشية من نقصه عنه، وترك أطراف الصحيحين لتمام ما صنف فيها.
ومن الغريب قول ابن كثير -رحمه الله تعالى- في ترجمته من (البداية) في ذكر مؤلفاته: فله أطراف الكتب الستة.
أطراف الكتب الخمسة: منها: (اللوامع في الجمع بين الصحاح الجوامع)، للترقي: وهي البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والترقي هو أبو العباس أحمد بن ثابت بن محمد الترقي الأزدي الأصبهاني الحافظ.
أطراف الكتب الستة: (أطراف الكتب الستة) لابن طاهر المتوفى 507 هجرية، وهو الحافظ العالم المكثر الجوَّال أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الظاهري، ويعرف بابن القيسراني، قال ابن عساكر: توفي 571 هجرية، قال ابن عساكر: جمع ابن طاهر أطراف الصحيحين وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأخطأ في مواضع خطأً فاحشًا، وقال في (الإشراف): وهو -أي “أطراف ابن طاهر”-: الأطراف الستة، جمع فيه أطراف السنن وأضاف إليها أطراف الصحيحين وابن ماجه فزهدتُ فيما كنت جمعته، ثم إني سبرته واختبرته؛ فظهرت فيه أمارات النقص وألقيته مشتملًا على أوهام كثيرة، وترتيبه مختل؛ راعى الحروف تارة وطرحها أخرى، ومن ثم تلخصها الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي، ورتبها أحسن ترتيب، وله (أطراف الغرائب والأفراد) وهو كتابٌ رتب فيه مؤلفه كتاب (الأفراد) لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني.
الكتاب الثاني: (أطراف الستة) لقطب الدين القسطلاني، المتوفى 686 هجرية، وهو الإمام قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المصري، ولد بمصر وتفقه وأفتى، وكان ممن جمع العلم والعمل، ولي مشيخة دار الحديث الكاملية، وقد ذكر كتاب (أطراف الستة) الحافظ ابن حجر، المتوفى 852 هجرية، في مقدمة (إتحاف المهرة).
والكتاب الذي في (أطراف الستة) وهو الذي تناولناه سابقًا: هو كتاب (تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف) للحافظ المزي، وهو الإمام العلامة محدث الشام أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك القضاعي الكلبي الحلبي المزي صاحب التصانيف.
موضوعه يتناول أطراف الكتب الستة التي هي عمدة أهل الإسلام وعليها مدار الأحكام، وهي: (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم) و(سنن أبي داود) و(سنن الترمذي) و(سنن النسائي) و(سنن ابن ماجه)، وملحقات هذه الكتب التي ذكرتها، رتبه على نحو ترتيب أبي القاسم؛ فإنه أحسن الكل ترتيبًا، وأضاف إلى ذلك بعض ما وقع له من الزيادات التي أغفلوها أو أغفلها بعضهم، أو لم يقع لهم من الأحاديث ومن الكلام عليها، وأصلح ما عثر عليه في ذلك من وهم أو غلط.
ثم اختصرت هذه (الأطراف) في مختصرات كثيرة منها (الإشراف على الأطراف) ومنها (الإشراف على الجمع بين النكت الظراف) و(تحفة الأِشراف بمعرفة الأطراف) لابن فهد، وهو العلامة المحدث أبو الفضل تقي الدين محمد بن محمد الهاشمي، ويقع في ثلاث مجلدات. و(أطراف الأشراف بالأشراف على الأطراف) و(لم الأطراف وضم الأتراف) وهما للحافظ السيوطي، وهو جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن ثابت الخضيري السيوطي، وكتاب (ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث).
ثم هناك أطراف كتب أخرى منها: (أطراف الموطأ) للخطيب البغدادي، قال الذهبي: وعمل الخطيب (أطراف الموطأ)، وقال السيوطي في (تنوير الحوالك): ولأبي بكر بن ثابت الخطيب كتاب (أطراف الموطأ) ومثله في (أوجز المسالك)، و(أطراف الموطأ) لأحمد بن طاهر بن علي الأنصاري، وهو العلامة المحدث، و(أطراف الصحيحين) و(أطراف المسند المعتلي لأطراف المسند الحنبلي) أو (أطراف المسند) لابن حجر.