Top
Image Alt

الكلام على بعض أحاديث “الصحيحيْن”، وتوجيهه، والرَّدِّ عليه

  /  الكلام على بعض أحاديث “الصحيحيْن”، وتوجيهه، والرَّدِّ عليه

الكلام على بعض أحاديث “الصحيحيْن”، وتوجيهه، والرَّدِّ عليه

قال الإمام ابن الصلاح -رحمه الله- بعْد بيان مراتب الصحيح، وأنّ أعلاها: المُتّفَق عليه، وأنّ هذا القِسم جميعه مقطوع بصِحّته، ثم قال: ومن فوائدها: القول بأنّ ما انفرد به البخاري أو مسلم، مندرج في قبيل ما يُقطع بصحّته، لِتلقِّي الأمّة كلّ واحد مِن كتابَيْهما بالقبول، على الوجه الذي فصّلناه مِن حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلّم عليها بعض أهل النّقد مِن الحفّاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن، والله أعلم.

فقد استثنى -رحمه الله- تلك الأحرف اليسيرة مِن القطْع بصحّتها وإفادتها العلْم، لكنّه -رحمه الله- لا يرى ضعفَها، إنما يرى نزولها عن درجة أعلى الصحيح -أصحّ الصحيح- الذي يفيد القطْع بصحّته، والقطع بإفادته العلْم.

قال الإمام النووي -رحمه الله-: “قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث، أخَلاّ بشرطهما فيها، ونزلت عن درجة ما التزماه”.

وقد ألّف الإمام الحافظ: أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني في بيان ذلك: كتابه المسمَّى: (الاستدراكات والتّتيّع)، وذلك في مائتَيْ حديث ممّا في الكتابيْن”.

ولأبي مسعود الدمشقي أيضًا عليهما استدراك.

ولأبي عليّ الغساني الجياني في كتابه (تقييد المهمل)، في جزء: “العِلل”، فيه استدراك، أكثره على الرواة عنهما. وفيه ما يلزمهما؛ وقد أُجيب عن كلّ ذلك أو أكثره.

وقال -رحمه الله- في شرحه لـ(صحيح البخاري): “قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث، فطعن في بعضها؛ وذلك الطّعن مبنيّ على قواعد لبعض المحدِّثين ضعيفة جدًّا، مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم. فلا تغتر بذلك!”. انتهى كلامه.

وليس هذا من الإمام النووي -رحمه الله- تناقضًا في القبول، أو لاختلاف المقام، وأنه يدفع عن البخاري، ويقرّر على مسلم، كما فهِمه بعض الحفّاظ، وإنما قد يكون ذلك حسب الزمن، أو لاختلاف الاجتهاد؛ وذلك لأنه قرر -رحمه الله- في فتاويه أنّ جميع الأحاديث الموجودة في (الصحيحين) صحيحة؛ فلو كان -رحمه الله- يُقرِّر على مسلم، لما حَكم على الجميع بالصحة، فقال، جوابًا لسؤال: هل في (صحيح البخاري، ومسلم)، والمسانيد المشهورة، و(سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي)، غير صحيح، أو أحاديث باطلة، أو بعضها دون بعض؟ فأجاب : “أمّا البخاري ومسلم فأحاديثهما صحيحة. وأمّا باقي السنن المذكورة، وأكثر المسانيد، ففيها الصحيح والحسَن والضعيف والمنكر والباطل، والله أعلم”. انتهى كلامه.

بل نقل الإجماع -رحمه الله- على صِحّة أحاديث الكتابيْن، فقال في (تهذيب الأسماء واللغات): “… وأجمعت الأمّة على صحة هذيْن الكتابيْن، ووجوب العمل بأحاديثهما”.

وليس هذا قول الإمام النووي -رحمه الله- فحسب، بل هو رأي عامّة أهل السلف، ومذهب أهل الحديث قاطبة، كما نقله شيخ الإسلام: سراج الدين البلقيني -شيخ الحافظ ابن حجر- ونقله الإمام ابن تيمية، وغيرهما -رحمهم الله تعالى. وسيأتي…

قلّة الأحاديث المنتقَدة وعددها:

الأحاديث المنتقَدة قليلة ويسيرة، بالنّسبة لما في الكتابيْن؛ فقد قال ابن الصلاح -رحمه الله- في مَعرض حديثه عن إفادة ما رواه الشيخان العلْم اليقينيّ القطعيّ، فقال مستثنيًا: “سوى أحرف يسيرة تكلّم عليها بعض أهل النّقد مِن الحفّاظ، كالدارقطني وغيره؛ وهي معروفة عند أهل الشأن -والله أعلم-“.

وقد نظم الحافظ العراقيّ -رحمه الله- فقال:

وفي الصحيح بعضُ شيءٍ قد رُوِي

 
*مضعّف … …. ….

 

 وقال -رحمه الله- شارحًا قوله: “بعض شيء”: إشارة إلى تقليل ما ضُعّف من أحاديث (الصحيحيْن). ولما ذكر ابن الصلاح أنّ ما أسنداه مقطوع بصحّته قال: “سوى أحرف يسيرة تكلّم عليها بعض أهل النّقد، كالدارقطني وغيره؛ وهي معروفة عند أهل هذا الشأن”. انتهى.

وسبب الطّعن في هذه الأحاديث، أغلبه راجع إلى الطّعن في الرواة، والأسانيد. ولم يتعرّض الطاعنون في هذه الأحاديث إلى متون الأحاديث، إلاّ نادرًا، وسواء ذلك على الرواة عندهما أو عنهما.

وقد مرّ قبْل قليل قولُ الإمام النووي -رحمه الله-: قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث… أكثره على الرواة عنهما، وفيه ما يلزمهما؛ وقد أجيب عن كل ذلك أو أكثره…

وفي مقدّمة “فيض الباري” لجامعه: الشيخ محمد بدر العالم الميرتهي: ثم إنّ الدارقطني تتبّع على البخاري في أزيد من مائة موضع، ولم يستطع أنْ يتكلّم إلاّ في الأسانيد: بالوصْل والإرسال، غير موضع واحد. وهو: ((إذا جاء أحدُكم والإمام يخطب، فلْيصلِّ ركعتيْن، وليتجوَّزْ فيهما))، فإنه تكلم فيه ممّا يتعلّق بحال المتْن.

قلت: ويشهد له: ما قال الحافظ في مقدمة (الفتح)، عند الجواب -تفصيلًا- على هذه الانتقادات:

القسم السادس منها: ما اختُلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتْن، فهذا أكثره لا يترتّب عليه قدْح، لإمكان الجمْع في المختلف من ذلك، أو الترجيح.

قال: على أنّ الدارقطني وغيره مِن أئمّة النّقد لم يتعرّضوا لاستيفاء ذلك مِن الكتابيْن كما تعرّضوا لذلك في الإسناد. ثم ذكر عدّة أحاديث وقع فيها اختلاف في ألفاظها، وهذا الاختلاف لا يضرّ، كما هو الحال في ثمَن جمَل جابر، وفي وفاء دَيْن أبيه، ومقدار ذلك الدَّيْن.

وأمّا عدد هذه الأحاديث المنتقّدة فهي: مائتا حديث وعشرة أحاديث.

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: “فإنّ الأحاديث التي انتُقدت عليهما بلغت مائتيْ حديث وعشرة أحاديث، اختصّ البخاري منها بأقلّ من ثمانين، وباقي ذلك يختصّ بمسلم”.

وقال -بعد ذِكْره للفصل الذي ساق فيه الأحاديث التي انتقدها الحافظ الدارقطني وغيره مِن النُّقّاد على البخاري… وأوردها حديثًا حديثًا على حسب سياق الكتاب، وما حضره من الجواب عن ذلك-: هذا جميع ما تعقَّبه الحفّاظ النُّقّاد العارفون بعِلَل الأسانيد، المُطَّلعون على خفايا الطُّرق. وليست كلّها مِن أفراد البخاري، بل شاركه مسلم في كثير منها -كما تراه واضحًا ومرفوعًا عليه رقم مسلم، وهو صورة (م)- وعدّة ذلك: اثنان وثلاثون حديثًا- فأفراده منها: ثمانية وسبعون فقط.

فالأحاديث المنتقَدة مِن قِبَل الحفّاظ، كالدارقطني، وأبي مسعود الدمشقي، وأبي علي الغساني الجياني وغيرهم، هي: مائتا حديث وعشرة أحاديث فقط: اشتركا -أي: البخاري ومسلم- في اثنين وثلاثين، واختص البخاري وحده بثمانين إلاّ اثنيْن, ومسلم بمائة حديث. وقد جمعها بعضهم في بيْت شِعر فقال:

فدَعْد لِجُعفيّ، وقاف لِمسلم

 
*وبَلْ لهما فاحفَظْ -وُقيتَ مِن الرّدى

 

 فـ”دَعْد”: حسب الحساب بالجُمّل تساوي: (78)، و”قاف” تساوي (100)، و”بل” تساوي (32).

وقد أجيب عن هذه الاستدراكات والانتقادات مِن قِبَل الحفّاظ المعاصرين لهم أو المتأخّرين عنهم -والحمد لله.

بعض الحفّاظ الذين ألّفوا في الرَّدِّ على المتقدِّمين:

هذا؛ وقد ألَّف الحفّاظ الكُتب في الرّدِّ على الدارقطني وغيره، وفي الدفاع عن هذه الأحاديث المنتقَدة، مُبيِّنين صحة هذه الأحاديث، وضعْف تلك الطّعون المُوجَّهة، والجواب عنها حديثًا حديثًا.

ومن هؤلاء الحفّاظ:

  1. الحافظ زين الدِّين العراقيّ، في كتابه: (الأحاديث المخرجة في (الصحيحيْن) التي تُكُلِّم فيها بضعف وانقطاع).
  2. الحافظ وليّ الدِّين أبو زرعة العراقيّ، في كتابه: (البيان والتوضيح لمن خُرّج له في (الصحيح)، وقد مُسّ بضرْب من التّجريح).
  3. الحافظ رشيد الدِّين العطار المالكيّ.
  4. الحافظ ابن حجر العسقلانيّ في كتابه: (هدي السّاري)، وغيرهم…
error: النص محمي !!