Top
Image Alt

الكلام عن سكان المدينة قبل الهجرة، و حاجة الناس إلى الأمان

  /  الكلام عن سكان المدينة قبل الهجرة، و حاجة الناس إلى الأمان

الكلام عن سكان المدينة قبل الهجرة، و حاجة الناس إلى الأمان

أ. سكان المدينة قبل الهجرة:

كانت عناصر السكان أربعة، هم: القضاعيون، الخزرج، الأوس، ثم اليهود، هذه العناصر الأربعة هي التي كانت تعمّر سهل المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه  وسلم إليه.

أما القضاعيون: فهم قاعدة المجتمع في المدينة، يعملون لدى القبائل الأخرى، وكانوا حاقدين على اليهود، وعلى الأوس والخزرج جميعًا، بسبب استغلالهم لهم، وعجزالقضاعيين عن إقامة كيان قبلي مستقلّ لهم، يستطيع الثبات في وجه الطوائف الثلاث السائدة.

أما قبيلتا الأوس والخزرج: فقد استقرتا في يثرب مجاورتين لليهود؛ حيث سكنتْ الأوس في منطقة العوالي، بجوار قريظة وبني النضير، وسكنت الخزرج سافلة المدينة بجوار بني قينقاع، وكانت ديار الأوس أخصب، الشيء الذي ترتب عليه الصراع بين الطرفين، وكانت القبيلتان تعيشان حياة الضنك، يعملون في أراضي اليهود.

وبمرور الأيام تمكن عرب الأوس والخزرج من تكوين الثروات وتنمية نشاطهم الاقتصادي، وبدأ الصراع والقتال مع اليهود، وانتهى لصالح اليهود، فاستنجد الأوس والخزرج بإخوانهم غساسنة الشام، فمالت الكفّة لصالح العرب، وغُلب اليهود وذُلّوا. وأصبحت السيادة للأوس والخزرج بيثرب، وبقيت بأيدهم حتى جاء الإسلام.

أما اليهود: فكانوا موزّعين في ثلاث مجموعات قبلية رئيسية هي: بنو قريظة، وبنو قينقاع، وبنو النضير، وكانت هناك مجموعات يهودية صغيرة أخرى تعيش في حلف فروع من الأوس أو الخزرج، فيقال: يهود بني عوف، ويهود بني ساعدة، وغير ذلك، وقد أورد المؤرخون أسماء الكثير من فروع اليهود الصغيرة هذه، ذُكر عدد منها في الوثيقة، أو الدستور الذي كتبه الرسول صلى الله عليه  وسلم بين أهل المدينة.

ب. حاجة الناس إلى الأمان:

احتاجت تلك المجتمعات إلى الأمان، والذي يتمثل في صورة نظام عادل يتراضى عليه الناس، ويطمئنون إليه، يقوم عليه شخص أو أكثر من ذوي الحكمة، والعدالة، والشخصية القوية، فيكون هذه الشخص أو هؤلاء الأشخاص ضمانًا لتنفيذ ذلك النظام، ومن الممكن أيضًا أن يتمثل الأمان في صورة شخص قوي، ذي فضيلة وقوة، يفرض نفسه على الناس، ويخضع الناس له، فيتولى الحكم فيهم، ويقيم النظام، وينشر الأمان المطلوب.

ولقد كان الأوس والخزرج يحتاجون دون وعي منهم إلى ذلك الأمان والطريق إليه، أما اليهود فكانوا في انتظار المسيح الذي يرون -في مذهبهم الديني- أنه قادم يومًا من الأيام؛ لينصرهم على العالمين، وكانوا يؤكّدون لغيرهم أن ذلك المسيح المُخَلِّص قادم لا محالة، وكانت لهم فيه شروط معقدة، يزعم أحبارهم أنهم يعرفونها، وعندما ظهر السيد المسيح -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- في فلسطين أنكروه وكذبوه؛ لأنه في رأيهم لم يستوفِ الشروط التي يعرفونها، وكان اليهود في المدينة يؤكّدون لغيرهم أن هذا المسيح إذا ظهر فسيتعزون به على غيرهم، ويبلغون به السيادة، وكان ذلك يثير مخاوف الأوس والخزرج وغيرهم من سكان سهل المدينة.

وعندما كانت الشدّة قد بلغت بمحمد صلى الله عليه  وسلم مبلغها في مكة، بعد موت أبي طالب، والسيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله  عنها، اضطر صلى الله عليه  وسلم إلى الخروج إلى الطائف، يبحث فيها عن الاستجابة التي لم يجدها من أهل مكة.

ووسط هذه الظروف، كان الأوس والخزرج قد التقيا في معركة دامية عند بُعاث، انتصر فيها الأوس انتصارًا كبيرًا، فزادت مخاوف الخزرج، فبعثوا في العام التالي رسلًا إلى مكة يلتمسون المحالفة والمساعدة من أهلها، وما إن سمع محمد صلى الله عليه  وسلم بنبأ قدوم هذا الوفد حتى قصد إليه؛ ليعرض عليه الإسلام،ولكنه لم يجد عندهم قبولًا.

وهذه المحاولة هي نقطة البداية في اتصال النبي صلى الله عليه  وسلم بالمدينة، ذلك الاتصال الذي أدى إلى الهجرة، ثم قيام الجماعة الإسلامية الأولى في المدينة، فقد استطاع صلى الله عليه  وسلم بعد عام من اتصاله بوفد الخزرج، أن يتصل بوفد من الأوس فلقي عندهم قبولًا، ووعدوه بأن يبلغوا قومهم، وينشروا الدعوة بينهم، ويلقوه في بحر عام؛ ليعقدوا معه اتفاقًا ثابتًا، فأرسل معهم مندوبًا من طرفه، هو مصعب بن عمير رحمه الله لكي يعمل على نشر الإسلام بينهم، ويدرس أحوال الناس في المدينة عن قرب.

ما أساس هذا الاتفاق؟

كان أساس الاتفاق هو دخول أهل المدينة في الإسلام، وتعهدهم بحماية الدين والرسول المبشر به، وهذا صحيح، لكن هذه كانت مطالب محمد صلى الله عليه  وسلم، فماذا كانت مطالب أهل المدينة؟

كانوا يرجون الأمان؛ إذ توسم فيه الفريقان -الأوس والخزرج- القدرة على أن يكون صلى الله عليه  وسلم واسطة الخير والتفاهم بينهما، وأحسَّوا في أثناء الحديث معه صلى الله عليه  وسلم أنه الرجل المرتجى، القادر على التأليف بين قلوبهم، وجمع كلمتهم على مبادئ الدين السامي الذي شرحه لهم، وأدركوا منذ الوهلة الأولى، أن هذا الدين في الحقيقة رسالة سماوية، تشبه تلك التي كان اليهود يتحدثون عنها، ويهددون بها غيرهم.

واقتنع أهل المدينة بصدقه صلى الله عليه  وسلم فيما أبلغهم به من نبوته، فمالوا إلى الدخول في دعوته وتأييده، ومثلت رئاسة محمد صلى الله عليه  وسلم لأهل المدينة حلًّا لمشكلاتهم الكبرى، وهي الأمان المتمثل في الاجتماع على الإسلام الذي بشرهم به الرسول صلى الله عليه  وسلم.

error: النص محمي !!