Top
Image Alt

الماسونية: معنًى، وتاريخًا

  /  الماسونية: معنًى، وتاريخًا

الماسونية: معنًى، وتاريخًا

ننتقل الآن بالحديث إلى الجناح الآخَر من النشاط اليهودي العالمي في العالم، هذا الجناح هو: ما يسمّى بالماسونية العالمية؛ لأن الماسونية والصهيونية هما وجهان لعُملة واحدة هي: اليهودية، هي: النشاط اليهودي العالمي، هي: موقف اليهود من العالَم ككلّ من الآخَر، من حركات التمرد العالمية التي دبّرتْها الصهيونية والماسونية العالمية ضد الحكومات المناوئة والمعارضة للفكر اليهودي والفكر الصهيوني والماسونية العالمية. ولذلك سوف نجد أنّ حديثنا عن الماسونية يُشبه إلى حد كبير ما سبق أن قلناه عن الحركة الصهيونية العالمية.

فإذا كانت الصهيونية حريصة على أن يكون نشاطها محاطًا بنوع من السرية والكتمان أحيانًا، والإعلان والإفصاح أحيانًا أخرى، فإننا نجد الماسونية العالمية كلّ نشاطها محوط بالسرية والكتمان الشديد، لدرجة أنّ جميع المؤرِّخين بلا استثناء قد ساوَرهم الشك في تاريخ هذا النشاط الماسوني؛ فلم نجد مؤرِّخًا يتّفق مع مؤرِّخ آخَر حول تحديد النشأة التاريخية للنشاط الماسوني العالمي، ولا لِمن يعتبر أوّل مَن مارس هذا النشاط أو نظّمه أو أعدّ له، وإنما هي كلها آراء تقريبية؛ لأن مِن شرط النشاط الماسوني نفسه هو الكتمان والسرية وعدم الإعلان، حتى إننا نجد الماسونيِّين الملتحقين بالمحافل الماسونية أنفسهم لا يطّلعون على أسرار الماسونية إلا بعد أن يجتازوا مراحل عدّة، وينتقلوا من مرحلة إلى مرحلة حتى يسمح لهم بالإفصاح عن بعض الأسرار التي تتعامل بها الماسونية. ومن هنا نجد أنّ الكتمان والسرية والتخوّف يمثِّل الغلاف الجوي لهذا النشاط الماسوني.

وإذا أردْنا أن نبدأ الطريق من أوّله، فلا بدّ مِن طَرْح سؤال: ما هي “الماسونية”؟ ما معنى كلمة “ماسونية” من حيث الدلالة اللغوية أوّلًا؟

نجد أنّ هذا المصطلح الماسوني ظهر في تاريخ الحركة الماسونية في القرن الثامن عشر، وبعضُهم يحدّد ظهوره في سنة 1717م بالتحديد، كما سوف نأتي على ذلك فيما بعد. أمّا نشاط الماسونية قبل ذلك، فكان يمارَس تحت مصطلح آخَر، اختارته اللجنة المؤسِّسة لهذا النشاط في أوّل مجلس لها أو في أول عهدها بممارسة هذا النشاط. اختارت أن يكون نشاطها تحت مسمّى: “القوة الخفيّة”. أمّا مصطلح “الماسونية” فهي كلمة فرنسية مركّبة من مقطعين: المقطع الأوّل هو: “ماسون”، بمعنى عامل البناء، ومنه أخذت الماسونية. أي: البنّاءون. وأضيفت إليها كلمة: الأحرار.

وهي -كما قلنا: اسم حديث أُطلِق نيابة أو بديلًا عن الاسم القديم الذي هو: “القوّة الخفية”. فمن حيث الدلالة اللغوية إذن نجد أنّ هذا اللفظ أصله فرنسي مركّب من مقطعيْن، هو: “فرنك” أو “فرنت”، التي تعني في اللغة الفرنسية: الحاذق أو الصادق أو الحرّ، و”ماسون” التي تعني: البَاني. وتصبح الدلالة اللغوية للكلمة بمقطعيْها “الماسون” هو: الباني الحرّ أو الباني الصادق. والجماعة “الماسونية” هم: البناءون الصادقون أو البناءون الأحرار.

وقد يرِدُ على الذهن، ولا بدّ أن يرِد على الذهن: ما معنى كلمة: “البنّائين الأحرار”؟ هذا المعنى يصِل بنا مباشرة إلى الهدف أو العمق التاريخي لهذا المصطلح؛ لأن كلمة “البنّائين الأحرار” تُطلق على الجماعة الذين عُهد إليهم بناء أو إعادة بناء الهيكل السليماني، أو هيكل اليهود، أو الهيكل الذي يُقام في أرض فلسطين مكان هيكل سليمان عليه السلام فكأنّ العلاقة التاريخية بين كلمة “ماسونية” وكلمة “الهيكل” علاقة تاريخية قوية جدًّا؛ فاسم “البنّائين الأحرار” أو “الماسونية” أو “الباني الصادق” أو “الباني الحُر” هي ممتدة تاريخيًّا لتنطلق من فكرة إعادة بناء الهيكل أو بناء هيكل سليمان عليه السلام هذا من الناحية اللغوية، أو من ناحية اشتقاق الكلمة.

أمّا إذا أردنا الحديث عن الجذور التاريخية لهذه الحركة، فنجد أن جميع المؤرِّخين -كما قلنا- وقعوا في حيرة شديدة جدًّا، من حيث الحديث عن أوّل ظهور هذه الحركة التي كانت تسمّى فيما مضى بـ”القوّة الخفيّة”. من هو الذي أسَّسَها؟ ما هي الجمعية الأولى التي تولّت تنظيم “البنّائين الأحرار” أو “الماسونية” أو “القوّة الخفيّة”؟ حول البحث عن هذه القضية نجد كثيرًا من الآراء لا تتعارض لكن ربّما تتكامل، ولا نجد بعضها ينفي البعض الآخَر؛ وإنما نجد أنّ كل باحث قد وضَع يده على ما تحت يده من مراجع ومصادر تاريخية فمال إليها وأيّدها. وكلّ هذه المصادر أو هذه المراجع تختلف حول النشأة والفترة التاريخية لهذه النشأة، وحول مَن هو المؤسِّس؟ وما هي الجمعية التي أسَّست هذا التنظيم؟ لكنها مع هذا الاختلاف الكبير تتَّفق فيما بينها على: أنها نشاط يهودي، بدأ على أيدٍ يهودية وجمعيات يهودية ومنظّمات يهودية، بقصد إعادة بناء الهيكل أو بناء هيكل سليمان عليه السلام لذلك ليس من اليسير أن يعثر أيّ باحث على منطلقات تاريخية محدّدة تتّصل بتأسيس هذه المنظّمة، أو من هو أوّل من أسّسها، أو التاريخ المحدّد لهذه القضية.

ولذلك سوف نتغاضى عن الآراء المشتَّتة والكثيرة التي دارت حول تأسيس ونشأة الحركة الماسونية، وسوف نكتفي بمصدر واحد ربما نميل إلى الوثوق به عن غيره من المواثيق أو المصادر الأخرى، لِما يكتنفه من بعض التوثيقات التاريخية التي تؤكِّد إلى حد كبير صحّة ما جاء فيه. هذا المرجع هو: ذلك الكتاب الذي ترجمه عن الفرنسية أحد المشتغلين بالبحث عن تاريخ الماسونية، وهو يسمى: عوض الخوري. هذا الرجل وضع كتابًا أسماه: (تبديد الظلام)، أو ترجم أحيانًا باسم: (أصل الماسونية)، وإن كان مترجمًا عن لغة فرنسية تحمل هذا العنوان: (القوة الخفية). فكأنّ عوض الخوري ترجم الكتاب عن العنوان القديم أو عن المصطلح القديم الذي كانت تعمل تحته التنظيمات الماسونية وهو: “القوة الخفية”، ترجمه من اللغة الفرنسية تحت عنوان: (تبديد الظلام) أو (أصل الماسونية).

يقدّم المترجِم في هذا الكتاب تاريخًا لنشأة الحركة الماسونية يختلف عن كثير من الآراء الأخرى، ويختلف عن الافتراضات التي تنقصها الموضوعية أحيانًا وتحتاج إلى دليل تاريخي، ويؤكِّد صحّة ما جاء فيها أحيانًا أخرى.

يعرض المترجم في هذا الكتاب ما يدلّ دلالة موثّقة على نسبة العمل الماسوني ومنظماته إلى اليهودية العالمية، ودوْرها في مَسخ وتشويه التاريخ الإنساني كلّه، ومحاربة الأديان عمومًا ابتداءً من محاربتها لليسوعية أو المسيحية بعد ميلاد المسيح بنصف قرن تقريبًا؛ ولذلك سوف نجِد أن في هذه الوثيقة من أسباب تأسيس هذا التنظيم أو التفكير في تنظيم يسمّى: “القوّة الخفية” هو: القضاء على ما أسموه باليسوعيِّين، أو القضاء على المسيحية، أو على السيد المسيح وأتباع المسيح.

وتطوّرت هذه الفكرة من محاربتها للمسيحية إلى محاربة الأديان عمومًا.

ملخّص ما جاء في هذا الكتاب: أنّ المترجِم يقول: “إنّ هذا الكتاب لا يرجع الفضل فيه إلى الجهد الجبار الذي بذلْته -وإن كان هذا الجهد كبيرًا ومضنيًا- وإنما يرجع الفضل فيه إلى رئيس جمهورية البرازيل وهو: الدكتور “برودنتي” الذي كان مفوّضًا إلى أسرار خاصة بالفكر الماسوني، وكتب عنهم كثيرًا. فهو الذي عرَّفني بهذا التاريخ، وعرّفني بهذا المخطوط الذي هو (القوة الخفية). كان هذا المخطوط مخطوطًا باللغة العبرية، وفي حوزة رجل يسمّى: “لوران بن جورج”. هذا الـ”لوران بن جورج” أحد أحفاد تسعة من الآباء الذين تسلسل نسبتهم من الأب الأول يُعتبر المؤسس الحقيقي للمنظمات الماسونية، حتى ينتهي إلى “لوران” هذا باعتباره الابن التاسع للمؤسِّس الأول للحركة الماسونية.

يقول: إن هذا الكتاب -الذي هو: (القوة الخفية)- كان باللغة العبرية، وانتقل من الأب الأوّل إلى ابنه إلى حفيده، إلى حفيده، إلى حفيده، حتى وصل إلى “لوران” هذا، وكان باللغة العبرية كما قلت.

ويحكي لنا عوض الخوري ناقلًا عن “لوران” هذا: البداية التاريخية للنشاط الماسوني العالمي، يقول على لسان “لوران بن جورج” هذا: “أنا “لوران” بن “جورج”، بن “صموئيل” بن “جوناس”، بن “صموئيل لوران”، الروسي الأصل، آخِر حفيد أحفاد أحد أصحاب هذا التاريخ”. هذا يُطلعنا على أنّ الأصل العرقي لهذا التاريخ روسي. يقول “لوران”: “ورثت عن أبي وأجدادي نسخة خطية، تأليف أجدادنا في اللغة العبرانية، ومترجمة من أحدهم إلى اللغة الروسية، ثم ترجَمها آخر منهم إلى الإنجليزية. ثم إن جدّنا “جوناس” أدخل عليها بعض حقائق، وأضاف ما وجبت إضافته؛ بحيث أصبح هذا التاريخ مؤلفًا منه ومن أجداده. وكان يعرفه بعد أن رتّبه بنوع ما، وقسّمه إلى قسميْن، وأراد أن يطبعه وينشره، ولكن حالت دون تحقيق رغبته موانع، منها صحية، ومنها مالية، ومنها سياسية. ثم مات متحسرًا لعدم استطاعته تحقيق تلك الأماني؛ لأنه هو وزوجته “جانيت” هما اللّذان ابتكرا فكرة نشر هذا التاريخ ليعرفه العالم، لكنهما ما تمكّنا من إبرازها إلى العمل فأوصيا بطبعه ونشره. أوْصَيا ابنهما الذي هو جدِّي “صموئيل” الذي ورثه عنهما. وهذا جدّي “صموئيل” هو ابن “جوناس” بن “صموائيل لوران”. وها هو ذا يخاطب ابنه والدي “جورج””.

ثم يحكي لنا على لسانه خطاب “لوران” هذا الجد إلى “جورج” أبي “لوران” الحفيد الذي هو رقم 9. ويحكي قصة هذا التنظيم، وأصله، وعدد الأشخاص الذين اشتركوا فيه، إلى أن يقول: بأن “جانيت” التي هي زوجة جدّه الأخير تقول: “اعلم يا بنيّ: أن هذا التاريخ سيكون له أيضًا شأنٌ عظيم عند المرأة؛ ولذلك أنا أوجِّه كلمة إلى المرأة. أيتها المرأة، بما أنَّ لك أعظم التأثير وأعلى النفوذ في الكون كما يشهد التاريخ بذلك منذ أبينا آدم الذي كان سقوطه بالمخالفة بواسطة المرأة، وكما تشهد أقوال العلماء والفلاسفة والرجال العظماء؛ فمِن قولهم: إن المرأة تهز السرير بيمينها وتهزّ العالم بيسارها. ومن قولهم: ما تريده المرأة يريده الله إن كان خيرًا، ويريده الشيطان إن كان شرًّا. ومن قولهم: كم أحبّت النساءُ يسوعَ؛ لأنهن عرفْن جِدَّه، وفهِمْن عطفه الإلهي، ثم ضعفهنّ. ومن قولهم: إنَّ العالم قد هلك على يد المرأة، والله يحبُّ أن يكون الخلاص للعالم على يد المرأة …”.

ثم تسترسل إلى أن تقول: “كما كنتُ أنا المؤثِّرة العظيمة على صاحبة بعلي “جوناس” بعد أن تنصّر وتزوّجني، وكنت مبتكرة للفكرة الأولى لطبعة هذه الوثيقة ونشرها، فعليكنّ أنتنّ أن تُنفِّذن بالقول والفعل، وتستعملن كل ما لديكنّ من الوسائل في سبيل إقناع الرجال: أن الماسونية يهوديّة بحتة، هي التي زعزعت أركان الكون، وهي التي دكّت عروش الملوك والسلاطين، وهي التي حطّمت التِّيجان، وهي التي أذلَّت وحقرت الأديان، وهي التي بدهائها اليهودي أسالت أنهُر دم الأبرياء. واعلمْن: أنّ كلّ عمل مُخِلّ بالأديان إنما مصدره منها؛ لأنها بمبالغتها في تفسير الكلمات الثلاث: حرية، مساواة، إخاء، قد أفلتت الأعنّة إلى البشر. وهي التي بثّت روح التّمرد في رءوس النساء غير الفاضلات”.

ثم تقول: إنَّنا نرى في سائر البلاد التي انتشرت فيها الماسونية، نرى مشاهد وأعمال قد لاشت الدين وأنهَتْه، وتعرّضت للشرف وقضَت عليه، وقضَت على الأدب والذوق. تلك هي بليّة عظيمة تُهدّد المجتمع الإنساني …” إلى آخر ما تقول هذه الزوجة -التي هي “جانيت”- باعتبارها أسهمت إلى حد كبير في طبع هذه الوثيقة.

وعلينا أن نعلم: أنّ النسخة الأولى كانت عبرية، ثم تُرجمت إلى الروسية والإنجليزية والفرنسية. والتي ترجمها عوض الخوري كانت من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. إذًا هذا هو الأصل التاريخي الذي صرّحت به أهم وثيقة بين أيدينا أو تحت أيدينا عن هذا التنظيم الماسوني العالمي.

أمّا تاريخ نشأته متى؟ وكيف بدأ؟ فإنّ معظم المراجع تختلف أيضًا في تحديد التاريخ المعيّن؛ لكن كثير من هذه المراجع يعود بها إلى تاريخ اليهود، وعلاقتهم بالسيد المسيح، وبالديانة المسيحية. كان يسمونها باليسوعية، أو منذ نزل المسيح على الأرض داعيًا إلى المحبة وإلى السلام، ورأوا أنه جاء ليقضي على عرشهم، ويقضي على دولتهم، ورأوا في مجيء المسيح إلى الأرض نهاية الملْك اليهودي؛ ومن هنا فكّروا في تأسيس جمعية للقضاء على هذا الدِّين الجديد.

ولذلك نجد أن بعض الماسونيين القدماء وهو: “حيرام أبيود” هذا الاسم يتردّد كثيرًا في المصادر الماسونية، باعتباره علَم أعلام الماسونية القدماء، وكان يعمل مستشارًا للملك “هيرودس أكريبا”، يكشف عن البداية العملية والممارسة الفعلية لعمل الماسونية المنظّم حين تمّ تأسيس الجمعية الماسونية. كان أول تأسيس في أورشليم القدس في يوم 24 حزيران، في سنة 43 بعد ميلاد المسيح عليه السلام هذا التاريخ اتّفقت حوله كثير من المصادر التي بين أيدينا: أنّ أوّل تنظيم للماسونية يرجع إلى هذا التاريخ. وسببه الأساسي هو: مواجهة الديانة المسيحية الجديدة التي ظنَّ الماسون أنها جاءت لتقضي على اليهودية؛ فكان لا بد من عمل تنظيم يسمّى: “القوة الخفية” للقضاء على هذه الديانة.

يقول “حيرام” هذا: “لما رأيت أنّ رجال الدّجال -والدجال هنا يعني به: السيد المسيح عليه السلام يسوع وأتباعهم يكثرون ويجتهدون بتضليل الشعب اليهودي بتعاليم كثيرة، مثلت أمام مولاي جلالة الملك “هيرودس أكريبا”، واقترحت عليه تأسيس جمعية سرية هدفها محاربة أولئك الضالين المُضلّين، على أنَّنا نبذل كلّ جهد ما عزّ وهان للقضاء عليه، ولأجل إحباط مساعيهم الفاسدة، وإبادتهم إذا أمكننا ذلك. فنِلْت في عيْن الملك، وقال لي: تكلّم يا “حيرام”! فقلت: مولاي الملِك، لقد تأكّد لجلالتكم وللملإ: أنّ ذلك الدجال يسوع استمال بأعماله وتعاليمه قلوب كثيرين من الشعب اليهودي -أي: شعبكم- وما يظهر من أن أتباعه يَنْمون ويزدادون يومًا بعد يوم.

فمنذ نشأته حتى موته ومنذ موته حتى الآن -حتى الآن يعني: سنة 43 ميلادية- لم نستطع سبيلًا إلى مقاومة أولئك الذين ينبغي أن نسمِّيهم أعداءنا، وملاشاة كل ما يبثّونه في قلوب الناس من التعاليم التي لا نعتبرها نحن إلا فاسدة ومُضِلّة، ومخالِفة لديننا”. وبدأ يتلو على الملِك “هيرودس” كلامًا كثيرًا؛ ليشجِّعه على تأسيس هذه الجمعية الخفية لمقاومة الدِّين الجديد؛ ولذلك نجد فيما بعد في تأسيس الجمعية الماسونية هذه: أن الملِك “هيرودس” أوْكَل إلى “حيرام” تأسيس الجمعية الأولى. وافتتحها الملك “هيرودس” بخطاب طويل صرّح فيه بأن مستشاره “حيرام” هذا أشار إليه بهذا التأسيس للجمعية أو الماسونية أو القوّة الخفية، ليواجه المسيحية الجديدة التي أرادت أن تقضي على عز اليهود وملْك اليهود.

وأخذ يخاطب إخوانه بكثير من الأساليب التي تستحثّهم للانضمام لهذه الجمعية، إلى أن أنهى الاجتماع بتأسيس هذه الجمعية التي تُسمّى: “جمعية القوة الخفيّة”. وهي أول جمعية تأسَّست في هذا التَّاريخ، وإليها ترجع جميعُ التنظيمات الماسونية، وتنبثق عنها على امتداد التاريخ إلى الآن.

في آخِر هذه الجمعية يقول “حيرام”: “هل يحسن في رأي سيّدي ومولاي -الذي هو الملك “هيرودس”: أن يكون اسم الجمعية: “الاتحاد اليهودي الأخوي”؟ فأجابه الملِك: “كلا يا “حيرام”، لقد هيّأتُ لها اسمها أمس وهو: “القوّة الخفيّة”. أفلا تستحسنونه؟”. فأجابوه جميعًا مستحسِنين. وسجّل الاسم. وبدأ هذا الاسم يشُقُّ طريقه في التاريخ الإنساني إلى سنة 1717م؛ حيث تحوَّل الاسم من “القوّة الخفيّة” إلى “الماسونية العالمية”.

وبعد انتهاء هذه الجمعية الأولى، اتّفق الجميع على قَسَمٍ يكون بمثابة دستور للتنظيم اليهودي، ولكلِّ مَن يرغب في الانضمام إلى التنظيم اليهودي. وصيغة هذا القسم ما يلي: “أنا فلان بن فلان، أُقسِم بالله، وبالتوراة وبِشرفي، بأنّني حيث قد صرت عضوًا من التسعة الأعضاء المؤسِّسين لجمعية “القوّة الخفيّة”: أتعهّد ألا أخون إخواني أعضاءها بشيء يضرّ بشخصيتهم، ولا بكلّ ما يعود لمقرّرات الجمعية. أتعهّد أن أتبع مبادئها وأتمّم كل ما تقرّره باتفاقنا نحن التسعة المؤسِّسين بكلّ دقة وطاعة وضبط، وبكل غيرة وأمانة. أتعهّد أن أجتهد بتوفير عدد أعضائها. أتعهّد بمناهضة كلّ من يتبع تعاليم الدجال يسوع، ومحاربة رجاله حتى الموت. أتعهّد ألا أبوح بأي سرّ من الأسرار المحفوظة بيننا نحن التسعة لأيٍّ كان من الخارجين أو من أعضائها”. -لاحظ! يعني: لا يبوح بالسر، لا لمن هو خارج الجمعية، ولا لأحد من أعضاء الجمعية، كأنهم أيضًا فيما بينهم يُسرّون أسرارهم عن بعضهم البعض. “وإذا خُنت بيميني هذه، وثبتَتْ خيانتي بأنِّي بُحت بأي سِرّ أو بأيّة مادّة من موادّ قانونها الداخلي المحفوظ لنا ولخلفائنا، فيحقّ لهذه العهدة ولهذا العدد الثمانية رفقائي أن تُميتَني بأيّة طريقة كانت. -هذا هو الجزاء، جزاء من يبوح بالسر: أن يُميتوا من يبوح بالسر بأية طريقة كانت.

هذا القَسَمُ تلاه التسعة المنظِّمون أو المؤيِّدون أو أعضاء اللجنة التأسيسية للقوة الخفية، في هذا التاريخ المتقدم من تاريخ الماسونية؛ وبذلك يكون قد تأسّس أوّل محفل ماسوني في أورشليم من هؤلاء التسعة. وبدءوا من هذا التاريخ يمارسون نشاطهم الماسوني في العالم.

error: النص محمي !!