Top
Image Alt

المجهول وحكم روايته، ومجهول العين وحكم روايته

  /  المجهول وحكم روايته، ومجهول العين وحكم روايته

المجهول وحكم روايته، ومجهول العين وحكم روايته

القسم الأول: مجهول العين، القسم الثاني: مجهول الحال. القسم الثالث: المستور.

أولًا: مجهول العين:

تعريف مجهول العين اصطلاحًا: هو كل من لم يُشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ولا يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد، مع كونه مسمى؛ أي: ليس له في كتب السنة كلها إلا راوٍ واحد يروي عنه.

حكم رواية مجهول العين: اختلف العلماء في حكم رواية مجهول العين؛ فذهب جمهور العلماء إلى ردها؛ لأنه يشترط في الراوي التي تقبل روايته أن يكون عدلًا في دينه، ضابطًا لحفظه؛ ومجهول العين لا تعرف عدالته ولا ضبطه؛ فكما يحتمل أن يكون عدلًا ضابطًا، يحتمل أن يكون فاسقًا سيئ الحفظ.

وذهب بعض العلماء إلى قبول رواية مجهول العين مطلقًا، ما لم يظهر منه ما يفسق به، وذهب بعض العلماء إلى قبول رواية مجهول العين، إذا تفرد بالرواية عنه من لا يروي إلا عن ثقة؛ كالإمام مالك. وقد نقلنا هذه الأقوال ممحصة في كتابنا (الجرح والتعديل) وسوف أذكر خلاصة هذه الأقوال مرجحًا ما نراه راجحًا -وبالله التوفيق.

ثانيًا: مجهول الحال: تعريف مجهول الحال: هو من عُرفت عينه برواية اثنين عنه، مع كونه مجهول العدالة ظاهرًا وباطنًا، أي: لم يُعدل ولم يجرح.

مجهول الحال وحكم روايته:

حكم رواية مجهول الحال:

اختلف العلماء في حكم رواية مجهول الحال؛ لنفس السبب الذي اختلفوا من أجله في رواية مجهول العين؛ لأن مجهول الحال لا تعرف عدالته وضبطه، فرده جمهور العلماء، وقبله غيرهم مطلقًا، وقبله بعضهم مقيدًا بشروط، والذي أراه بعد تتبع أقوال أهل العلم، ومعرفة وجهة نظرهم وأدلتهم: أن القاعدة العامة أن الراوي إذا روى عنه اثنان ولم يوثق فهو مجهول الحال، ويتوقف في قبول حديثه إلا في الحالتين الآتيتين:

الحالة الأولى: إذا روى عن الراوي راويان، ولم يُوثق ولم يُجرح، غير أنه خرج له من اشترط ألا يخرج إلا الحديث الصحيح، كالإمامين الجليلين البخاري ومسلم إذا خرجا للراوي أحاديث، أو حديث في صحيحيهما أو خرجا واحد منهما لراوٍ من الرواة.

الحالة الثانية: إذا روى عن الراوي راويان، ولم يُوثَق ولم يُجَرح غير أن إمام من أئمة الحديث حكم على حديث هو في إسناده بالصحة. فهذا توثيق عملي لكل راوٍ من رواة إسناد هذا الحديث بما في ذلك مجهول الحال.

المستور وحكم روايته:

تعريف المستور: هو عدل الظاهر خفي الباطن، مع كونه معروف العين برواية عدلين عنه.

حكم رواية المستور: اختلف العلماء في حكم رواية المستور، وذلك الخلاف مبني على شرط قبول الراوي، أهو العلم بالعدالة، أو عدم العلم بالمفسق؟ فمن قال بالأول، أي: العلم بالعدالة، لم يقبل المستور، ويرد روايته، ومن قال بالثاني؛ أي: عدم العلم بالمفسر، قبل رواية المستور، واحتج بها.

فذهب الجمهور إلى رد رواية المستور، وذهب بعض العلماء إلى الاحتجاج برواية المستور، والذي نخلص إليه في حكم رواية المستور بعد استقراء أقوال أهل العلم يجب التوقف في رواية المستور إلى أن ينكشف أمره إلا إذا انضم إلى ذلك أمر خارجي، يرجع قبول خبره كما أسلفنا القول في حكم رواية مجهول الحال. ويرى الحافظ ابن حجر أن المستور ومجهول الحال شيء واحد، وهذا هو الصحيح.

أسباب الجهالة، وموقف العلماء من المجاهيل والمصر على غلطه، وما يحصل به الجرح، والرواية والشهادة:

حكم الاحتجاج بمن عُرفت عينه وعدالته وجُهل اسمه: من عُرفت عينه وعدالته، وجُهِل اسمه ونسبه احتج به، وقد وقع ذلك في الصحيحين وغيرهما، وهذا كثير كقولهم: ابن فلان، أو والد فلان، أو ولد فلان، أو عم فلان، وذلك لأن الجهل باسمه لا يخل بالعلم بعدالته؛ إذا روى عن رجلين وهما عدلان، وقال: أخبرني فلان -أو فلان على الشك- وهما عدلان كأن يقول: أخبرني سفيان بن عيينة، أو سفيان الثوري؛ أحتُجّ به؛ لأنه قد عينهما، وتحقق سماعُه لذلك الحديث من أحدهما، وكلاهما مقبول محتج بروايته، والاختلاف في تعيين ثقة من ثقتين لا يضر؛ فإن جهل عدالة أحدهما، أو قال: أخبرني فلان أو غيره، ولم يسمه، لم يحتج به؛ لاحتمال أن يكون المخبر هو المجهول.

ما يحصل به الجرح:

قال الحافظ ابن حجر: الطعن يكون بعشرة أشياء بعضها أشد في القدح من بعض؛ خمسة منها تتعلق بالعدالة، وخمسة تتعلق بالضبط:

أولًا: الخمسة التي تتعلق بالعدالة هي:

أولًا: الكذب على رسول الله  صلى الله عليه وسلم .

ثانيًا: التهمة بالكذب عليه  صلى الله عليه وسلم .

ثالثًا: الفسق بالفعل أو القول الذي لا يبلغ حد الكفر.

رابعًا: الجهالة.

خامسًا: البدعة.

وتزاد سادسة: وهي عدم المروءة.

ثانيًا: الخمسة التي تتعلق بالضبط، وهي:

أولًا: سوء الحفظ.

ثانيًا: فحش الغلط.

ثالثًا: فحش الغفلة.

رابعًا: الوهن.

خامسًا: مخالفة الثقات.

وقد تزاد سادسة: وهي الاختلاط، وقد جعله ابن حجر من مشمولات سوء الحفظ.

ملحوظات:

  1. المراد بقولهم: فلان ثقة: أنه عدل في دينه تام الضبط لحفظه.
  2. المراد بقولهم: ثَبْت بسكون الباء الثابت القلب واللسان والكتاب. الحجة أما ثبتوا بفتح الباء؛ فما يثبت فيه المحدث مسموعة مع أسماء المشاركين له فيه؛ لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره؛ فما يقال فيه: ثَبْت بسكون الباء، مثل ما يقال فيه: ثِقَة. والمراد: أنه عدل في دينه تام الضبط لحفظه.
  3. إذا أطلق البخاري على الراوي أنه “منكر الحديث”؛ فهو ممن لا تحل الرواية عنه، وهذا لتقواه وورعه، أما إذا قال عن راوٍ: فيه نظر، أو سكتوا عنه؛ فالمراد أنهم تركوه.
  4. المراد بقولهم: “هذا حديث منكر”؛ ليس معنى هذه العبارة أن راوية غير ثقة، وإنما هو حكم على الحديث بالنكارة.
  5. المراد بقولهم: “له أحاديث مناكير”؛ هذه العبارة لا تقتضي نزول روايته، حتى تكثر المناكير فيها، وحينئذ يقال فيه: منكر الحديث؛ لأن منكر الحديث وصف في الراوي يستحق به ترك حديثه، أما قولهم: له أحاديث مناكير. فهذه العبارة لا تقتضي الديمومة، بمعنى أن الراوي الذي قيل فيه ذلك لا يروي المناكير دائمًا.
  6. المراد بقولهم: “إنه ليس مثل فلان”، أو “إن غيره أحب إلي منه”. هذه العبارات كلها ليست جارحة توجب إدخال من قيلت فيه في الضعفاء.
  7. المراد بقولهم: “مُقَارَب الحديث”. وردت مُقَارَب بفتح الراء ومُقَارِِب بكسر الراء، وقال بعضهم: إن الكسر من ألفاظ التعديل، والفتح من ألفاظ التجريح؛ لظنهم أن الشيء المقارب هو الرديء، ولكن الصحيح أن الروايتين من ألفاظ التعديل، ومن قال: إن الشيء المقارَب هو الرديء فليس ذلك في اللغة، بل هو من كلام العوام. فمقارِب الحديث: أي أن حديثه مقارب لحديث غيره، ومقارَب معناه أن حديثه يقارِبه حديث غيره، ومادة فاعل تقتضي المشاركة.
  8. معنى قولهم: إلى الصدق ما هو، أي: قريب من الصدق، ومعنى قولهم: إلى الضعف ما هو، أي قريب من الضعف. ومعنى قولهم: واه بمرة، أي: قولًا واحدًا لا تردد فيه، ومعنى قولهم: تعرف وتنكر، أي: يأتي مرة بالمناكير، ومرة بالمشاهير.

حكم من غلط في حديث؛ فبين له غلطه فأصر على روايته؟

ذهب عبد الله بن المبارك والإمام أحمد بن حنبل، والحميدي شيخ البخاري وغيرهم إلى أن مَنْ غلط في حديث وبُين له غلطه فلم يرجع عنه وأصر على روايته لذلك الحديث، سقطت روايته ولم يكتب عنه. قال ابن الصلاح: في هذا الكلام نظر، وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد، أو نحو ذلك.

قال العراقي: وقيد ذلك بعض المتأخرين؛ بأن يكون المُبَيِّن -بكسر الياء- عالمًا عند المُبَين له، وإلا فلا حرج إذًا.

error: النص محمي !!