Top
Image Alt

المراد بقولهم: “على شرطهما”

  /  المراد بقولهم: “على شرطهما”

المراد بقولهم: “على شرطهما”

قال النَّوويُّ:

إنَّ المراد بقولهم: “على شرطهما” -كأن يقول الحاكم مثلًا: “هذا الحديث على شرطهما ولم يُخرِّجاه”-: أن يكون رجالُ إسناده في “كتابيْهما”؛ لأنَّه ليس لهما شرطٌ في “كتابيْهما” ولا في غيرهما.

يعني: ليس يستبين شرطُهما في “كتابيْهما” ولا في غيرهما، إنَّما هو شيء مستنبَط؛ فأفضل أن يُقال: إن الحديث إذا كان رجالُ إسناده عند البخاريِّ ومسلم، قلنا: “على شرطهما”، وإذا كان عند البخاري فقط -يعني: أحد الرواة أو كلّ الرُّواة عند البخاري- فهو على شرط البخاري، أو عند مسلم، وأحدهم ليس عند البخاري، فنقول: “على شرط مسلم”.

ولكنَّ العراقي لم يوافق على ذلك:

قال العراقي:

وهذا الكلام -يعني: كلام النووي- قد أخذه من ابن الصلاح، حيث قال في (المستدرك): أودَعَه ما ليس في واحدٍ من الصَّحيحيْن ممَّا رآه على شرط الشَّيخيْن، وقد أخرج عن رواته في “كتابيْهما”.

قال العراقيُّ: وعلى هذا عملُ ابن دقيق العيد؛ فإنَّه ينقُل عن الحاكم تصحيحَه لحديثٍ على شرط البخاريِ مثلًا، ثم يعترضُ عليه بأنَّ فيه فلانًا ولم يُخرِّج له البخاريُّ. وكذا فعل الذهبي في  (مختصر المستدرك)، ففهموا منه:

– أنَّ ما هو على شرط الشَّيخيْن: أن يكون رجالُ الحديث أو رجالُ الإسناد، كلُّهم قد روى لهما البخاري ومسلم.

– وكذلك إذا كان على شرط البخاريِّ: أن يكون كلُّ رواة الإسناد قد روى لهم البخاريُّ.

– أو على شرط مسلم: أن يكون كلُّ رواة الإسناد قد روى لهم مسلم.

قال العراقي: وليس ذلك منهم بجيِّد؛ فإنَّ الحاكم صرَّح في خطبة (المستدرك) بخلاف ما فهموه عنه، فقال: “وأنا أستعين الله تعالى على إخراج أحاديث، رواتُها ثقات، قد احتجَّ بمثلها الشيخان أو أحدُهما”.

فقوله: “بمثلها” أي: بمثل رواتها لا بهم أنفسهم، ويحتمل أن يُراد بمثل تلك الأحاديث.

قال: وتحقيق المثليَّة: أن يكون بعضُ من لم يُخرَّج عنه في (الصَّحيح) مثلَ من خُرِّج عنه فيه، أو أعلى منه عند الشَّيخيْن.

وتُعرف المثليَّة عندهما، إمَّا بنصِّهما على أنَّ فلانًا مثلُ فلان أو أرفعُ منه، وقلَّما يوجد ذلك، وإمَّا بالألفاظ الدَّالَّة. يعني: تُعرف المثليَّة بالألفاظ الدَّالَّة على مراتب التَّعديل، كأن يقول في بعض من احتجَّا به: “ثقة” أو “ثبت” أو “صدوق” أو “لا بأس به” أو غير ذلك من ألفاظ التَّعديل، ثمَّ يوجد عنهما أنَّهما قالا ذلك أو أعلى منه، في بعض من لم يحتجَّا به في “كتابيْهما”؛ فيُستدلُّ بذلك على أنَّه عندهما في رتبة من احتجَّا به؛ لأنّ مراتب الرّواة معيارُ معرفتها ألفاظُ الجرح والتَّعديل.

وهذا كلام مُهمٌّ نفهم به الاختلافَ في أحاديثَ قال الحاكم: إنَّها على شرطهما، أو على شرط أحدهما، وفي رواة هذه الأحاديث من ليس عند البخاري أو ليس عند مسلم أو ليس عندهما.

قال العراقي:

ولكن هنا أمرٌ فيه غموضٌ لا بدَّ من الإشارة إليه، وذلك أنَّهم لا يكتفون في التَّصحيح بمجرد حال الراوي في العدالة والاتِّصال من غير نظر إلى غيره؛ بل ينظرون في حاله مع من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلَّتها، أو كونه من بلده ممارسًا لحديثه، أو غريبًا من بلد من أخذ عنه -أي: فلم يمارس حديثه-؛ وهذه أمور تظهر بتصفح كلامهم وعملهم في ذلك. انتهى كلامه.

وهذا أمر مهم؛ فالشَّيخان لا يعتبرانِ في الرَّاوي حالَهُ في العدالة والاتِّصال فقط، بل ينظرون إلى أمور أخرى.

قال الحافظ ابن حجر -ولم يعجبه رأيُ شيخه العراقيِّ:

ما اعترض به شيخُنا على ابن دقيق العيد والذَّهبيِّ ليس بجيِّد؛ لأنّ الحاكم استعملَ لفظة “مثل” -يعني: في مقدمة (المستدرك)- في أعمَّ من الحقيقة والمجاز في الأسانيد والمتون. فاستعملها بالمعنى الحقيقيِّ، واستعملها بالمعنى المجازيِّ. فاستعمالُها بالمعنى الحقيقيِّ هو الَّذي رآه الذَّهبيُّ وابنُ دقيق العيد. والمجاز وهو الذي فهمه العراقيُّ.

قال ابن حجر: وقد دلَّ على ذلك صنيعُه، أنَّه استعملها في الحقيقة والمجاز، أو في أعمَّ من الحقيقة والمجاز؛ فإنَّه تارةً يقولُ: “على شرطهما”، وتارةً: “على شرط البخاري”، وتارة: “على شرط مسلم”، وتارةًً يقول: “صحيحُ الإسناد”، ولا يعزوه لأحدهما.

فلو قصد ما رآه العراقيُّ -وهو أنَّه قد يكون في الحديث رواةٌ ليسوا في “البخاريِّ” ولا في “مسلم”، وإنَّما هم مثل الرُّواة في “البخاري” أو “مسلم”- لم يقل قطُّ: “على شرط البخاري”؛ فإنَّ شرط مسلم دونه، فما كان على شرطه فهو على شرطهما لأنَّه حوى شرط مسلم وزاد.

يعني: إذا كان الحديث على شرط البخاري، بمعنى أنَّ الرُّواة الَّذين هم فيه مثل رواة البخاري حتى ولو لم يكونوا في رواة البخاري، فإنَّه لم يكن ليقولَ قطُّ: “على شرط البخاري”، وإنَّما يقول: “على شرط الشَّيخيْن”؛ لأنّ الرُّواة الَّذين هم على درجة رواة البخاري أو أقوى منهم،  هم على شرط البخاري، وهم على شرط مسلم؛ لأنّ شرط مسلم أقلُّ من شرط البخاري، فيدخل في شرط البخاري.

فلا يقول أبدًا: “على شرط البخاري”، وإنما يقول: على شرط الشَّيخيْن، لو كان الرواة الذين هم في الحديث في “البخاري” أو مثلَ ما في “البخاري”، إذا كان يقصد أنَّ “على شرط البخاري” معناه: أن يكون الرواة مثل ما عند رواة البخاري، حتى ولو لم يكونوا في (صحيح البخاري). فما كان على شرطه فهو على شرطهما، يعني: يدخل شرط مسلم في شرط البخاري؛ لأن البخاري حوى شرط مسلم وزاد عليه.

قال ابن حجر:

ووراءَ ذلك كلِّه: أن يرويَ بإسنادٍ ملفَّق من رجالهما، كسماكٍ عن عكرمةَ عن ابن عباس. فسماك من شرط مسلم فقط، وعكرمة انفرد به البخاري. والحقُّ أنَّ هذا ليس على شرط واحدٍ منهما. فلو لم يكن الحاكمُ يقصد الرُّواةَ، ما كان يستطيع أن يقول: “إنَّ هذا على شرط مسلم”، أو يقول: “إنَّ هذا على شرط البخاري”، فهو ليس على شرط واحدٍ منهما.

قال ابن حجر:

وأدقُّ من هذا، أن يروي عن أناس ثقات، ضُعِّفوا في أناس مخصوصين، من غير الَّذين ضُعِّفوا فيهم؛ فيجيء عنهم حديثٌ مِن طريق مَن ضُعِّفوا فيه برجال كلُّهم  في “الكتابيْن” أو في أحدهما، فنسبته أنَّه على شرط من خرَّج له غلط. كأن يُقالَ في “هُشيم عن الزُّهري”: كلٌّ من هُشيم والزُّهري أخرج له، فهو على شرطهما؛ فيُقال: بل ليس على شرط واحدٍ منهما؛ لأنَّهما إنَّما أخرجا لهشيم من غير حديث الزُّهريِّ؛ فإنه ضُعِّف فيه لأنَّه كان رحل إليه فأخذ عنه عشرين حديثًا، فلقيه صاحبٌ له وهو راجعٌ فسأله روايته، وكان ثَمَّ ريحٌ شديدة فذهبت بالأوراق من يد الرَّجل، فصار هُشيم يُحدِّث بما علق منها بذهنه، ولم يكن أتقن حفظها، فوهم في أشياء منها ضُعِّف في الزهري بسببها.

من أجل ذلك: إذا كان كلٌّ من هشيم والزُّهري قد أخرج له، فإنَّهما لم يخرجا تلك الأحاديث العشرين؛ لأنَّ هُشَيمًا كان يَهِمُ فيها عن الزُّهريِّ.

وكذا همَّام ضعيفٌ في ابن جُريج، مع أنَّ كلًّا منهما أخرجَ له، لكن لم يُخرجا له عن ابن جُرَيج شيئًا. فعلى من يعزُو إلى شرطهما أو شرط واحدٍ منهما، أن يسوق ذلك السَّنَد بنسق رواية من نسب إلى شرطه ولو في موضع من كتابه.

وكذا قال ابن الصلاح في (شرح مسلم):

من حكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في (صحيحه) بأنَّه من شرط (الصَّحيح)، فقد غفل وأخطأ؛ بل ذلك متوقِّف على النَّظر في كيفية رواية مسلم عنه، وعلى أيِّ وجهٍ اعتمدَ عليه هذا.

error: النص محمي !!