المراد بقول العلماء: “هذا الحديث لا أصل له”
قال الحافظ السيوطي: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: معناه ليس له إسناد.
ملحوظة: بعد أن دوّنت المصنفات الحديثية صار الاعتماد على هذه المصنفات في أخذ الحديث، فمن جاء بحديث لا يوجد في هذه المصنفات مجتمعة لا يُقبل منه. قال ابن الصلاح: قال البيهقي: من جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه، ومن جاء بحديث معروف عندهم، فالذي يرويه لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره، والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلًا بحدثنا وأخبرنا، وتبقى هذه الكرامة التي خُصّت بها هذه الأمة شرفًا لنبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الصلاح معللًا كلام البيهقي: ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقعت بين الصحة والسقم قد دوّنت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث، ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم، وإن جاز أن يذهب على بعضهم؛ لضمان صاحب الشريعة حفظها.
حكم العمل بالحديث الضعيف: وليس معنى حكم العلماء على الحديث بالضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله، فهذا ما لا يستطيع أحد أن يجزم به، وهذا هو المنقول عن أئمة الحديث، وليس بينهم خلاف في ذلك، والله أعلم.
قال الشيخ ابن الصلاح: إذا قالوا في حديث إنه غير صحيح فليس ذلك قطعًا بأنه كذب في نفس الأمر؛ إذ قد يكون صدقًا في نفس الأمر، وإنما المراد به أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور، والله أعلم.
قال الحافظ السخاوي: إذا قالوا: هذا حديث ضعيف، فمعناه أنه فقد شرطًا أو أكثر من شروط القبول لجواز الضبط والإتقان، وكذا الصدق على غير الثقة. وإنما كان الأمر كذلك لاحتمال إصابة كثير الخطأ، فإن الراوي وإن كثر خطؤه، فإن فيما يرويه نسبة من الصواب، قلّت هذه النسبة أو كثرت، لذلك اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف.
وقبل أن نذكر مذاهب العلماء في العمل بالحديث الضعيف لا بد أن نذكر هذه الحقائق:
- أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة في مسائل العقيدة، فلا تروى الأحاديث الضعيفة للاحتجاج بها فيما يتعلق بأسماء الله تعالى وصفاته، وما يجب له وما يجوز عليه، وما يستحيل بالنسبة له سبحانه وتعالى، وغير ذلك من مسائل العقيدة المعروفة.
- أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن تروى الأحاديث الموضوعة لا في الترغيب ولا في الترهيب ولا في الفضائل، ولا في غير ذلك إلا على سبيل التنبيه على أنها موضوعة ليحذرها الناس.
- اختلف العلماء في الأحاديث الضعيفة التي لم تصل إلى درجة الوضع، هل يجوز أن تروى في المواعظ والقصص وفضائل الأعمال والترغيب والترهيب، وغير ذلك، مما لا يتعلق بمسائل العقيدة أو الأحكام الشرعية؟.
قال الإمام النووي: يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف، والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى والأحكام كالحلال والحرام، ومما لا تعلق له بالعقائد والأحكام.