Top
Image Alt

المشاركة في الأعمال العسكرية والإدارية للبلاد غير الإسلامية

  /  المشاركة في الأعمال العسكرية والإدارية للبلاد غير الإسلامية

المشاركة في الأعمال العسكرية والإدارية للبلاد غير الإسلامية

نتبين هنا الحكم النهائي للمشاركة في الأعمال العسكرية، والإدارية للبلاد غير الإسلامية، وكذلك سنتعرض للعمل في الشئون الإدارية أو الأجهزة المساعدة لأجهزة أخرى في المجال المدني، أو بعيدًا عن الأعمال العسكرية وشئون القتال.

تعرضنا للحكم فيما مضى من عرض كل عنصر، وبيّنّا أنه يجوز في بعض الأحيان، ويكره في بعض الأحيان، ويستحب في بعض الأحيان، ويحرم في بعض الأحيان؛ فكلٌّ حسب الاطمئنان على عدم الفتنة في الدين، وعدم التفريط في أي أمر من أمور المسلمين، وعدم الشعور في وقت من الأوقات بأن الولاء للإسلام وللمسلمين قد اختل، وهكذا.

تعرضنا للحكم فيما مضى في العناصر السابقة من عرض كل عنصر، لكننا الآن نجمل ذلك ونبين تلك الأحكام فيما يلي؛ سواء منها ما يخص العمليات العسكرية، أو ما يخص الشئون الإدارية الملحقة بالعمليات العسكرية، أو ما يخص الشئون الإدارية المدنية البعيدة عن الجيش والأعمال العسكرية:

أولًا: إن مشاركة المسلم في جيش بلد غير مسلم، في القيام بأعمال عسكرية ضد المسلمين حرام؛ لأنه يتنافى مع الولاء والبراء، وهما من مسائل العقيدة ومقتضيات التوحيد.

ثانيًا: إنّ مشاركة المسلم في جيش بلد غير مسلم، في القيام بأعمال عسكرية ضد بلد غير مسلم حرام أيضًا؛ لأنه قتال في سبيل الطاغوت وتحت راية جاهلية، وقد قال الله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33]، أي: المسلم الذي يعمل في جيش غير مسلم، مطالب بينه وبين الله ما دام مسلمًا ألّا يريق دم غير مسلم، وألا يعتدي على أي إنسان مهما كان، { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } أي: مطلق النفس حتى الحيوانات.

لذلك فإن اشتراك المسلم في جيش بلد غير مسلم، سواء كان في حرب على الإسلام أو في حرب لبلد غير مسلم؛ فكلا الأمرين حرام؛ لأنه قتل، ولأنه يتنافي مع الولاء، ولأنه طاعة لغير المسلمين فأين البراء من ذلك؟ وأين الولاء للإسلام والمسلمين في الحرب عليهم؟ وأين حماية الأنفس التي حرم الله -تبارك وتعالى- قتلها؟

ثالثًا: إنّ مُشاركة المسلم في الأعمال الإدارية، أو الأجهزة المساعدة للجيش، وللأعمال العسكرية أيضًا حرام؛ لأن من قواعد الفقهاء، وقواعد الشريعة أن الوسائل إلى الحرام حرام، وأن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد؛ فإذا كانت مُشاركة المسلم في الأعمال العسكرية حرامًا في حرب المسلمين، وحرب غير المسلمين؛ فإن الحكم أيضًا في الأعمال الإدارية أو الأجهزة المساعدة لهذه العمليات العسكرية يأخذ نفس الحكم، وهو التحريم.

رابعًا: مشاركة المسلم في الأعمال الإدارية ونحوها في بلد غير مسلم، ولا يضر بالإسلام والمسلمين -جائزة بلا حرج؛ لما فيها من تحقيق الخير للمسلم.

إذًا: الجاليات الإسلامية التي تقيم في بلاد غير إسلامية، يمكنها أن تمارس جميع الأعمال غير العسكرية، وغير الإدارية المتصلة بالعسكرية، أي: سائر الأعمال الإدارية؛ المدارس، التعليم، الطب، المستشفيات، التمريض، الهندسة، الطرق، الزراعة، التجارة، فكل الأعمال المكتبية أو العملية أو المهنية، في غير الجيش أو في غير خدمة الجيش؛ فكل ذلك جائز بلا حرج، ولكنه يحتاج إلى شرطين:

الشرط الأول: ألّا يكون في هذا العمل ضرر؛ لأنه يمكن أن يكتب وثائق تدين الإسلام والمسلمين، أو يحضر اجتماعات فيها تخطيط لإلحاق الضرر الاقتصادي أو الاجتماعي، أو نشر كتب وثقافة تقضي على مبادئ الإسلام وقيم الإسلام.

وهكذا يبقى الشرط للاشتراك في الأعمال الإدارية لتلك البلاد غير الإسلامية: ألا يضر بالإسلام والمسلمين، هذا شرط.

الشرط الآخر: أن يكون ذلك المسلم الذي يشترك في هذه الأعمال الإدارية مطمئنًّا إلى الأمن على دينه، وعلى أولاده، وعلى التربية، وعلى إقامة الشعائر الإسلامية.

من هذا المنطلق نقول: لا يجوز للمسلم في تلك البلاد غير الإسلامية أن يعمل في مجال الخمور؛ لأنّ الخمر حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما يتصل بها: بائعها، وشاريها، وحاملها، والمحمولة إليه، أيضًا معتصرها. فهناك عشرة أساليب جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم الخمر.

وكذلك: أكل الخنزير أو تقديمه لغير المسلمين أو للمسلمين، والعمل في البنوك الربوية، فهذه كلها أمور إدارية لكن تحتاج إلى ضوابط.

خامسًا: إن مشاركة المسلم في بلد غير مسلم، في أي عمل يضر الإسلام والمسلمين حرام، وتتفاوت درجة التحريم إلى الكراهة؛ فكُلّما كان التأثير قويًّا كانت المشاركة حرامًا، وكلما ضعف الأثر كانت المشاركة مكروهة، وإذا تلاشى التأثير وتحقق الأمن والأمان كانت المشاركة مباحة، وهكذا.

فنحن أمام خمسة أحكام واضحة لمشاركة المسلم في بلاد غير إسلامية في الأعمال العسكرية، أو الأعمال الإدارية المتصلة بالأعمال العسكرية، أو الأعمال الأخرى غير المتصلة بالأعمال العسكرية، وفي كل الأحوال كل ما يضرّ الإسلام والمسلمين فالمشاركة فيه حرام، وكل ما يؤدي إلى الفتنة في الدين وفي المبادئ الإسلامية أيضًا يكون التجنس معه حرامًا.

أما الأعمال التي لا تضر الإسلام والمسلمين، أو لا تؤدي إلى ضرر شخصي؛ من حيث الدين والفتنة فيه، فهي أعمال مدنية وهي أعمال جائزة بلا حرج، وفيها مصلحة لذلك الشخص، وتحقيق لمنافع أخرى.

error: النص محمي !!