المصالح العامة للمجتمع الإسلامي
أولًا: بخصوص المصالح العامة، والحاجات الضرورية للمجتمع الإسلامي، فلا يخلو مجتمع من المجتمعات من حاجات ضرورية تحتاج إلى إشباع، وإلاّ اختلّ نظام الحياة؛ وعلى هذا فيجب على الدولة الإسلامية -في أي زمان ومكان-ألاّ تتجاهل هذه الحاجات وتقف بمعزل عنها، وإنما يجب عليها إشباعها لتحقّق للمجتمع الحياة السعيدة.
وهذه الحاجات الضرورية تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخَر، بحسب عقيدته، ونظام الحياة الذي يتحاكم إليه؛ فالدول الحديثة مثلًا تعتبر الحاجات الضرورية للمجتمع قاصرة على إقرار الأمن الداخلي والدفاع عن حدود البلاد؛ أمّا الحاجات الضرورية للمجتمع الإسلامي فلا تقتصر على الأمن الداخلي والدفاع عن حدود البلاد، بل تمتد إلى حماية الدِّين وتطبيقه في واقع الناس كافة. كما تمتد أيضًا إلى تحقيق الضمان الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم.
وقد تعرّض الفقهاء لهذه الحاجات والمصالح العامة بشيء من التفصيل في كتب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية، وهذه الحاجات هي حفظ الدِّين على أصوله المستقرة.
قال الماوردي وأبو يعلى: إنّ السياسة الشرعية عالجت هذه الحاجات الضرورية على النحو الآتي:
- حفْظ الدين على أصوله المستقرّة، وما أجمع عليه سلَف الأمّة؛ فإن نجَم مبتدعٌ -أي: طلع، أو ظهر – ذو شبهة -أي: ميل عن القصد أو الطريق- يُوضَّح له الحُجة، ويُبيَّن له الصواب؛ تلك هي إذًا مهمّة وليّ الأمر أو الإمام أو الحاكم. وأخَذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروسًا من خلَل والأمّة ممنوعة من زلل.
ويتمثّل هذا في إنشاء الأقسام والمعاهد والكليات الشرعية التي تقوم بتدريس الدين والعلوم المساعدة له؛ كاللغة، والحساب، وعلم النفس، والتربية، وغير ذلك… كما يتمثّل في تشجيع الجمعيات والأجهزة التي تقوم بنشر الدعوة الإسلامية. كما يتمثّل في محاربة البدع ونشر المجلات والكتب الضالة والمضللة وما في حكمها، ممّا تساهم في إفساد الجيل وتضليله؛ ولا سيما شباب الأمة.
- تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطْع الخصام بين المتنازعين، ويتمثّل هذا في القضاء وديوان المظالم.
- حماية البيضة، والذب عن الحريم، أي: الدفاع عن البلاد، ليتصرف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال. ويتمثل هذا في دوائر الأمن والشرطة.
- إقامة الحدود، كحدّ شرب الخمر، وحدّ الزنا، وحد القذف، وحد قطع الطريق أو الحرابة، لتُصان محارم الله عن الانتهاك، وكذلك حقوق العباد من الاعتداء عليها، أو كما يقول الماوردي: “وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك”، ويتمثل هذا في الأمن الجنائي والقضاء الجنائي.
- تحصين الثغور بالعدّة المانعة والقوة الدافعة؛ حتى لا تظفر الأعداء بثغرة ينتهكون فيها محرمًا أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دمًا؛ ويتمثل هذا في وزارة الدفاع وما في معناها أو حُكمها.
- جهاد مَن عاند الإسلام بالدعوة؛ حتى يُسلم أو يدخل في الذمة، ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على الدِّين؛ ويتمثل هذا في الجيش والقوة اللازمة له.
- تحقيق الضمان الاجتماعي بسدّ حاجة المحتاجين إلى الطعام والكساء والدواء والمال، إذا لم يكن لهم مَن تجب عليهم نفقتهم؛ وهذا يكون بجباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصًّا أو اجتهادًا من غير حيْف ولا عسف.