Top
Image Alt

“المعلقات”، وسبب تسميتها

  /  “المعلقات”، وسبب تسميتها

“المعلقات”، وسبب تسميتها

أهم مصادر الشعر الجاهلي تتمثل فيما يلي:

أولًا: المعلقات:

وتطلق كلمة “المعلقات” على مجموعةٍ من القصائد الجيدة التي اشتهرت بالبراعة والإتقان. والمشهور: أنها سبعٌ، وقد ذكروا أن الجاهليين أُعجبوا بهذه القصائد؛ ولفرط إعجابهم بها اختاروها وكتبوها بماء الذهب على قِطَعٍ من الجلد أو غيره، وعلقوها على أستار الكعبة، ذكر ذلك ابن رشيق القيرواني، وذكره ابن خلدون، وعبد القادر البغدادي.

وذهب بعض القدماء إلى أن هذا الأمر لا يصح، وأن الجاهليين لم يكتبوا هذه القصائد ولم يعلقوها على الكعبة، وإنما الذي اختار هذه القصائد هو حماد الراوية المتوفى سنة مائة وخمس وثمانين من الهجرة.

فبين القدماء إذًا اختلاف في سبب تسمية هذه القصائد بالمعلقات؛ منهم مَن يذكر أنها سميت بذلك لأن الجاهليين علقوها على أستار الكعبة، ومنهم مَن ينفي ذلك، ويكون سبب تسميتها بالمعلقات أنها لجودتها ونفاستها علقت بأذهان الرواة؛ فرووها ونبهوا على منزلتها.

أيًّا كان الأمر فالمعلقاتُ مجموعةٌ من القصائد الجيدة التي احتفظت بها الرواية عن الجاهليين، ودوِّنت في عصر التدوين، وعني بشرحها الشراح، ولا تزال إلى يومنا هذا محط أنظار الباحثين والدارسين.

وأصحاب المعلقات هم أشهر شعراء العصر الجاهلي، وإليك بيانًا بأسماء هؤلاء الشعراء، وتعريفًا بهم، وتعريفًا بمعلقاتهم:

امرؤ القيس:

واسمه حُنْدج بن الحارث بن عمرو بن حُجر آكل المرار. وامرؤ القيس لقبٌ له، ومن ألقابه أيضًا: الملك الضِّلِّيْلُ، وذو القروح، وآباؤه من كندة، وكانوا ملوكًا في الجاهلية، وأمه فاطمة أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة، تُوِّجَ أبوه ملكًا على بني أسد وغطفان، ثم انقلبوا عليه فقتلوه، وتنقسم حياة امرئ القيس إلى شطرين:

الأول: عاشه لاهيًا ماجنًا يشرب الخمر ويغازل النساء، ويخرج للصيد ويتغنى بالشعر، ولا يلوي على شيء، ولا يهتم بملك أبيه، وظل كذلك إلى أن أتاه خبر قتل أبيه فاستقبل شطرًا آخر من حياته إذ ترك اللهو والمجون، وانشغل بأخذ ثأر أبيه، والإعداد الحرب لمن قتلوه، واسترداد ملكه المسلوب، ولكنه قتل قبل أن يحقق شيئًا من ذلك.

ويذكر المؤرخون: أنه لما جاءه خبر قتل أخيه كان مشغولًا بالخمر، فقال: “اليوم خمر وغدًا أمر، لا صحو اليوم ولا سكر غدًا”. أما معلقته فتبدأ بقوله:

قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ

*بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ


وتشتمل المعلقة على عدة أغراض؛ إذ تبدأ بالوقوف على الأطلال، ثم تنتقل إلى الغزل، ووصف مغامرات الشاعر في تتبع النساء واللهو معهن، ويخاطب إحداهن في القصيدة فيقول:

أَفاطِمَ مَهلًا بَعضَ هَذا التَدَلُّلِ

*وَإِن كُنتِ قَد أَزمَعتِ صَرمي فَأَجمِلي


أَغَرَّكِ مِنّي أَنَّ حُبَّكِ قاتِلي

*وَأَنَّكِ مَهما تَأمُري القَلبَ يَفعَلِ

 وفي غزله وصف جمال النساء وصفًا تفصيليًّا بارعًا.

كما اشتملت المعلقة أيضًا على وصف الليل، وأبياته فيه مشهورة:

وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ

*عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي



فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ

*وَأَردَفَ أَعجازًا وَناءَ بِكَلكَلِ

أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي

*بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ

كما وصف فيها الفرس، ووصف رحلة صيد، ووصف البرق، ووصف السيل.

طرفة بن العبد:

واسمه عمرو بن العبد بن سفيان البكري، وطرفة لقبٌ غلب عليه؛ لقوله:

لا تعجلَا بالبكاءِ اليوم مُطَّرِفَا

*ولا أميريكما بالدارِ إذ وَقَفَا


نشأ طرفة في حسبٍ كريمٍ، وبيت عُرِفَ بالشعر، فخاله المتلمس شاعرٌ مشهور، وأخته الخرْنق شاعرة أيضًا. وقد قال طرفة الشعر وهو صغير. وكان ذا موهبة أصيلة نادرة. وهو من أفضل من وصف الناقة من شعراء الجاهلية، وكان لثقته في نفسه وجرأته في الشعر مدخل في قتله؛ فقد هجا الملك عمرو بن هند ملك الحيرة من المناذرة، فاحتال عليه الملك وقتله، وهو ابن بضع وعشرين سنة. ومطلع معلقته:

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

*تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ


وستكون لنا مع هذه المعلقة وقفة تفصيلية.

زهير بن أبي سُلمى:

هو زهير بن أبي سلمى بن ربيعة بن رياح المازني، ثم المُزَنِي، روى الشعر وهو صغير عن خاله أوس بن حجر، وكان زهيرٌ من بيت عريق في الشعر؛ فخاله أوس شاعر، وكان أبوه كذلك شاعرًا، وأختاه سلمى والخنساء شاعرتان، واتصل نسب الشعر في ولده فابناه كعب وبجير شاعران مشهوران، وحفيده عقبة بن كعب شاعر كذلك.

وعُرف زهير بأنه كان يعيد النظر في شعره كثيرًا، ويجوِّده، ولا يظهره للناس إلا بعد ما يثق في جودته وسلامته، ويمتاز زهير بأنه لا يتبع حوشيَّ الكلام، ولا يعقِّد في تعبيره، ولا يمدح الرجل إلى بما فيه، وعُرف زهير بإكثاره من شعر الحكمة.

ومعلقته تبدأ بقوله:

أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لم تَكلّمِ

*بِحَوْمَانَةِ الدّرَاجِ فالمُتَثَلَّمِ


وستكون لنا معها وقفة متأنية.

عنترة بن شداد:

أبوه عمرو بن شداد العبسي، كانت أمه أمة حبشية تسمى زبيبة وكان من عادة العرب أن يستعبدوا أبناءهم من الإماء، ولا يعترفون بنسبهم إلا إذا أثبتوا جدارتهم بالانتساب إليهم عن طريق شجاعتهم وإقدامهم في الحروب.

نشأ عنترة عبدًا يرعى الإبل والغنم ويحلبها، ويكون في خدمة قومه كما يكون العبيد؛ لكنه أراد أن ينتزع اعتراف قومه به فدرب نفسه على فنون الحرب، وأتقن فنون الفروسية، وأخذ نفسه بالتربية على الشجاعة والإقدام، ومعرفة الكر والفر، وكان متصفًا بكثير من العفة والنبل، وحدث أن أغار بعض قبائل العرب على بني عبس قبيلته؛ فدعاه أبوه إلى القتال قائلًا: “كُرَّ يا عنترة”، فرد عليه بقوله: “العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والسر” يعني: الخدمة. فقال أبوه: “كُر وأنت حر”. وكان هذا أولَ اعترافٍ له بالحرية.

أحب عنترة ابنة عمه عبلة، وأكثر شعره يدور حول الحرب وحول الحب.

ويروى أن الرسول صلى الله عليه  وسلم قال: “ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة”.

أما معلقته فمطلعها:

هلْ غادرَ الشُّعراءُ من متردِّمِ

* أَمْ هَل عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوهُّمِ


وفيها حديث عن شجاعته وإقدامه ووصف للحروب التي خاضها وحديثه كذلك عن عبلة محبوبته التي كان يحلم بها.

وستكون لنا مع هذه المعلقة وقفة متأنية.

عمرو بن كلثوم:

وهو شاعر فارس، اشتُهر بحادثة قتله الملك عمرو بن هند ملك الحيرة، وكان هذا الشاعر شديد الاعتزاز بنسبه ونفسه وشجاعته، ويروى في سبب قتله الملكَ عمرَو بنَ هندَ: أن الملك طلب من أمه أن تستضيف ليلى بنت المهلهل أم عمرو بن كلثوم، وأن تستخدمها في بعض شأنها، فلما حدث ذلك صاحت أم عمرو بن كلثوم: وا ذل الدهر، أو وا ذلاه. وكان ابنها جالسًَا مع الملك ينادمه فقام إليه واستل سيفه وقتله، وقال في إثر ذلك معلقته التي مطلعها:

أَلاَ هُبّي بِصَحْنِكِ فَاصبَحينا

* وَلاَ تُبقي خُمُورَ الأندَرِينَا


وفيها فخر متطاول، كقوله:

إذا بَلَغَ الفِطَامَ لَنا رَضيعٌ

*تَخِرُّ لَهُ الجَبابرُ ساجِدينَا


النابغة الذبياني:

وقد اشتهر النابغة بكثرة مدائحه للنعمان بن المنذر بن ماء السماء؛ فقد كان يفد عليه كثيرًا ويمدحه، وينال منه العطايا والهبات، وحَدَثَ أن وشى الوشاة بينه وبين النعمان بن المنذر فتغير عليه، فأخذ النابغة يرسل إليه بقصائده التي يعتذر له فيها، واشتهر بإجادة فنِّ الاعتذار.

أما معلقته فمطلعها:

يا دارَ مَيَّةَ بالعَلْيَاءِ فالسَّنَدِ

*أَقْوَتْ وطال عليها سالفُ الأمدِ


لبيد بن ربيعة:

هو لبيد بن ربيعة العامري الشاعر المعمِّر، امتد به أجله حتى أدرك الإسلام وأسلم وحسن إسلامه.

فهو شاعر مخضرم عاش شطرًا من حياته في الجاهلية وشطرًا في الإسلام > وإليه ينسب البيت الشهير:

أَلَاَ كُلُّ شيءٍ مَا خَلَا اللهُ بَاطِلُ

*وكُل نَعيمٍ لَا مَحَالةَ زَائِلُ


ومعلقته مطلعها:

عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها

*بِمنىً تَأَبّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا


 ومن الرواة من يضيف إلى هؤلاء السبعة: الحارث بن حلزة، فيجعل أصحاب المعلقات ثمانية. ومنهم من يضيف إليهم: الأعشى؛ فيصيرون تسعة، ومنهم من يضيف إليهم: عبيد بن الأبرص الأسدي، وهو شاعر جاهلي قديم، فيصيرون عشرة.

ولكن الأشهر أن أصحاب المعلقات سبع، وأن القصائد التي حظيت بهذا الاسم سبع قصائد.

error: النص محمي !!