Top
Image Alt

المقصود من العرايا

  /  المقصود من العرايا

المقصود من العرايا

والعرايا: مأخوذة من الفعل عَرِيَ يعرَى، تقول: عريت النخلة تعرى: إذا أُفرِدَت عن حكم غيرها من النخل، والاسم منها عرية، والجمع عرايا، وهي النخلة يعريها صاحبها رجلًا محتاجًا؛ فيجعل له ثمرها عامًا، فيعروها -أي: يأتيها- فكلمة عرية فعيلة، بمعنى: مفعولة، ودخلت الهاء عليها؛ لأنها ذُهِبَ بها مذهبَ الأسماء، يعني: عوملت معاملة الأسماء، مثل: النطيحة؛ فإذا جيء بها مع النخلة حذفت الهاء؛ يقال: نخلة عرِيٌّ، كما تقول: امرأة قتيل.

ومعنى العرية في الأصل: عطية ثمر النخل دون الرقبة، يعني: أن يعطي الإنسان شخصًا آخر ثمار النخلة التي يملكها، هو دون رقبة هذه النخلة، يعني: يمنحه ثمارَهَا لمدة سنة، مثلما كان العرب يفعلون بالمنيحة…

وكانت عند العرب عادات وأعراف طيبة، خصوصًا في أيام الجدب والقحط؛ يقوم أثرياؤهم وأغنياؤهم بمنح فقرائهم ما يعرف بالمنيحة، يعني: يعطيه ناقته أو شاته منيحة، يحلب لبنها طوال العام دون أن يملك الأصل.

كذلك هذه المنيحة بالنسبة للنخل تسمى عرية، فيهب أو يعطي شخصٌ شخصًا آخر نخلةً ليأخذ ثمارها طوال عام دون أن يملكه رقبتها، وكانت العرب تفعل ذلك في الجدب، تتطوع لذلك على من لا ثمر له، كما يتطوعون بالمنيحة.

عرف الإمام الشافعي العرية: بأنها بيع الرطب على النخل بتمر في الأرض يعني: شخص يريد أن يشتري الرطب، وهو على النخل ويدفع الثمن تمرًا، والتمر على الأرض، أو يشتري عنبًا في الشجر، ويدفع الثمن زبيبًا، وذلك فيما دون خمسة أوسق بشرط التقابل، أو التقابض في الحال.

وعرفها الحنابلة: بأنها بيع الرطب في رءوس النخل خرصًا، يعني: بالتخمين، وهذا بعد خبرة يكون دقيقًا إلى حد كبير، إذا باع شخص الرطب في رءوس النخل وهو لا يزال على النخل عن طريق التخمين بما له يابسًا، يعني: يدفع المقابل تمرًا على الأرض، علمًا بأنه دفع هذا التمر ثمنًا للخرص الذي خرصه، يعني: خمنه من الثمار الموجودة يابسة، كيلًا معلومًا لا جزافًا، -يعني كذا بكذا، كيلًا معلومًا لا جزافًا: والجزاف -بكسر الجيم- يعني: دون تقدير.

وقال مالك: العرية أن يعري الرجل الرجل النخلة، أي: يهب له ثمرها، ثم يتأذى بدخوله عليه، ويرخص الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمرٍ يابس، يعني: يأتي في أوقات خصوصًا في أوقات الجذاذ، فيكون الناس عادة مع أهليهم في الحوائط، والبساتين وبين النخيل، فيدخل الموهوب له ليأخذ رطب النخلة الموهوبة له.

ولكن يرخص -يعني: يجوز- الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمر يابس، بأن يدفع الواهب تمرًا يابسًا، مقابل الرطب الذي سبق أن وهبه لهذا الشخص. وهذا تفسير الإمام مالك لعملية العرية.

والإمام مالك، اشترط أن تكون هذه العملية متسببة عن ضرر، هذا الضرر يلحق المالك بدخول غيره إلى حائطه، أو لدفع الضرر عن الآخر -يعني الموهوب له- لأن صاحب النخل يدخل الحديقة، أو يدخل الحائط ليتفقد زرعه، واشترط مالك أن يكون التمر مؤجلًا، يعني: أن يدفعه بعد أن يتسلم الشخص الرطب.

وأما الإمام أبو حنيفة ففهم العرية فهمًا آخر، والإمام أبو حنيفة قصر العرية على الهبة فقط، يعني: أن المسألة ليست مسألة بيع؛ إنما مسألة هبة: وهي أن يعري الرجلُ الرجلَ ثمر نخلة من نخله، ولا يسلم له ذلك، ثم يريد أن يرجع في هذه الهبة؛ فرخص له أن يحتبس ذلك، ويعطيه بدلًا من هذا الرطب تمرًا، وحمله على ذلك، أن النبي صلى الله عليه  وسلم ورد عنه: ((النهي عن بيع التمر بالتمر))، فحمل ذلك على العموم -كما سيأتي.

error: النص محمي !!