المنطوق والمفهوم، وهل مفهوم الموافقة يقع ناسخًا ومنسوخًا؟
مفهوم المنطوق والمفهوم:
ننتقل إلى مسألة جديدة تكلم عنها ابن قدامة -رحمه الله- في كتابه: (روضة الناظر)، وهي نسخ المنطوق والمفهوم، فبعد أن فرغ من الكلام عن نسخ القياس والنسخ به انتقل إلى ما يعرف بنسخ المنطوق والمفهوم، والمنطوق والمفهوم يتطلب منا أن نبين معناهما، حتى يكون ذلك مدخلًا لموضوعنا.
اللفظ يعني: اللفظ الوارد من الشارع إلا أن يدل على الحكم بمنطوقه وتعرف هذه الدلالة بدلالة المنطوق، وإما أن يدل على الحكم بمفهومه وتعرف هذه الدلالة بدلالة المفهوم.
ولك أن تسأل: ما هو المنطوق وما هو المفهوم؟ لأن الحكم على الأشياء فرع عن تصورها، كما هو مقرر عند أهل العلم.
فنقول: المنطوق هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق، يعني: اللفظ إذا دل على شيء بمجرد النطق به، هذا يسميه العلماء بالمنطوق، فالمنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق، يعني: النطق به، بمعنى: أن يكون حكم للمذكور وحال من أحواله، سواء ذكر ذلك الحكم ونطق به أو لا.
وبالمثال يتضح المقال: قول الله تعالى في شأن الوالدين: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } [الإسراء: 23]، هذا القول يدل بمنطوقه على تحريم التأفيف، فالذي دل عليه اللفظ في محل النطق هو تحريم التأفيف.
مثال آخر: وجوب الصلاة والزكاة الذي دل عليه قول الله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، فأنا لو سألتك: ما الذي تستفيده من منطوق قول الله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ}؟ تقول: أستفيد وجوب الصلاة ووجوب الزكاة، فما دل عليه اللفظ في محل النطق يسميه العلماء بالمنطوق.
مثال ثالث: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((في الغنم السائمة زكاة)) والسائمة: غير المعلوفة، فأنا أستفيد من منطوق هذا الحديث الشريف وجوب الزكاة في الغنم السائمة.
فالمنطوق إذن: هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وهناك منطوق وهناك دلالة منطوق.
فدلالة المنطوق: هي دلالة اللفظ على المعنى في محل النطق، ويسميها العلماء الدلالة اللفظية، ومثالها دلالة قول الله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] على تحريم التأفيف ودلالة قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ } على وجوب الصلاة والزكاة، ودلالة قوله صلى الله عليه وسلم: ((في الغنم السائمة زكاة)) على وجوب الزكاة في الغنم السائمة، فالمنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق، ودلالة المنطوق هي دلالة اللفظ على المعنى في محل النطق، هذا حاصل ما يُقال في تعريف المنطوق وفي تعريف دلالة المنطوق.
معنى المفهوم:
المفهوم: هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق.
مثال توضيحي: قول الله تعالى: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، أي: للوالدين؛ فإن ما دلت عليه الآية في محل النطق هو تحريم التأفيف.
فإذا سألتك: وما الذي دلت عليه الآية في محل السكوت؟ يعني: لا في محل النطق، تقول: الآية في محل السكوت يُفهم منها: تحريم الضرب والشتم والسب ونحو ذلك من أنواع الإيذاء؛ فما دل عليه اللفظ -لا في محل النطق- هو المسمى بالمفهوم.
فقول الله تعالى: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23]، منطوق الآية يدل على تحريم التأفيف، ومفهوم الآية يدل على تحريم الضرب، ومثال المفهوم في كلام الناس، يعني فيما يقع بين الناس، أن يقول شخص لآخر في محل الخصومة -بينهما خصومة- فيقول واحد لآخر: أنا لست بغبي.
فقد أفاد هذا الكلام في محل النطق أن المتكلم ليس متصفًا بصفة الغباء، ولكن هذا الكلام أفاد لا في محل النطق -يعني: في محل السكوت- أن المخاطب غبي، ولذلك من قيل له هذا القول يغضب؛ لأنه يفهم من ذلك أنه يُرمَى بالغباء، ولذلك لو قال الشخص لآخر: أنا لست بزانٍ أو أمي ليست بزانية في معرض الخصومة، فإنه يُقام عليه حد القذف عند بعض العلماء؛ لأنه يفهم من ذلك الرمي بالزنا، في معرض الخصومة، هذا حاصل معنى المفهوم.
قال أهل العلم: المفهوم نوعان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.
أ. فإذا ما سألت: ما هو مفهوم الموافقة؟
أقول: هو أن يكون حكم المسكوت عنه موافقًا لحكم المنطوق، هذا يسميه العلماء: مفهوم موافقة، يعني: حكم المسكوت عنه يكون موافقًا لحكم المنطوق.
مثال: قول الله تعالى في شأن الوالدين: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، أنت الآن جدير أن تقول: أن منطوق هذه الآية يدل على حرمة التأفيف ومفهوم هذه الآية يدل على تحريم الضرب والشتم والسب ونحو ذلك، فالحكم المستفاد من المنطوق ما هو التحريم، والحكم المستفاد من المفهوم ما هو التحريم أيضًا، لذلك يسميه العلماء بمفهوم الموافقة، فمفهوم الموافقة هو أن يكون حكم المسكوت عنه موافقًا لحكم المنطوق.
مثال آخر: قول الله تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7-8] فمنطوق هذه الآية يدل -في محل النطق- على أن الله تعالى يجازي على الذرة في جانب الخير وفي جانب الشر، والآية تدل –بالمفهوم- على أن الله تعالى يجازي على ما هو فوق الذرة في جانب الخير أو الشر أيضًا؛ لأن الله تعالى إذا جازى على مثقال الذرة في الخير فإنه يجازي على ما هو أكبر منها، وإذا جازى على مثقال الذرة في الشر فإنه يجازي على ما هو أكبر منها كذلك.
ومن ذلك أيضًا قول الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}
[آل عمران: 75] فإن منطوق هذه الآية يدل على تأدية القنطار، فلو استأمنت واحدًا من أهل الكتاب على قنطار فإنه يرد إليك هذا القنطار، والمفهوم: لو استأمنته على أقل من القنطار يؤديه؛ لأنه يؤدي القنطار فهو يؤدي ما هو أقل منه من باب أولى، هذا يسميه العلماء: مفهوم الموافقة.
ب. النوع الثاني من أنواع المفهوم: “مفهوم المخالفة”: ومفهوم المخالفة معناه: أن يكون المسكوت عنه مخالفًا للمنطوق في الحكم، حتى أنت تستطيع أن تفهم ذلك من التسمية: “مفهوم مخالفة”، وعليه فيثبت للمسكوت نقيض حكم المنطوق، وبعض أهل العلم يسمى مفهوم المخالفة: “دليل الخطاب”.
مثال: تأمل معي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((في الغنم السائمة زكاة)) معنى الغنم السائمة: الغنم غير المعلوفة، التي لا ينفق صاحبها عليها في العلف، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الغنم السائمة -غير المعلوفة- زكاة، فإذا بلغت النصاب تزكى.
فالحديث بمنطوقه دل على وجوب الزكاة، في الغنم السائمة، وبالمفهوم المخالف يدل على عدم وجوب الزكاة في المعلوفة، هذا يسميه العلماء: مفهوم المخالفة.
إذًا، اللفظ إما أن يدل على الحكم بمنطوقه وإما أن يدل على الحكم بمفهومه، والمفهوم قد يكون مفهوم موافقة وقد يكون مفهوم مخالفة.
إذا تقرر هذا الكلام فلنعد إلى مسألتنا التي ذكرها ابن قدامة في (روضته)، وهي مسألة نسخ المنطوق والمفهوم الموافق.
هل يجوز نسخ المنطوق والمفهوم الموافق أو لا يجوز؟
الحق: أن ابن قدامة -رحمه الله- ذكر هذه المسألة وجعلها في فصل وجعل في الفصل أربعة مسائل سنتناول كل واحدة منها على حدة.
وابن قدامة يسمي مفهوم الموافقة: “التنبيه”، فإذا ما قرأتم نسخ حكم التنبيه فالمراد مفهوم الموافقة.
وابن قدامة تكلم عن أربعة مسائل:
المسألة الأولى: هل يكون التنبيه -وهو مفهوم الموافقة، كما بينت لكم الآن- ناسخًا ومنسوخًا؟ هذه مسألة.
المسألة الثانية: إذا نسخ الحكم في المنطوق -يعني: نسخنا حكم المنطوق- فهل يكون ذلك نسخًا للمفهوم؟ يعني: مفهوم الموافقة هذه مسألة ثانية.
المسألة الثالثة: هل نسخ حكم المنطوق هو نسخ للحكم الثابت بعلة ذلك الحكم المنطوق به؟ أو بعبارة أخرى: هل نسخ حكم الأصل يكون نسخًا لحكم الفرع؟
المسألة الرابعة والأخيرة: نسخ حكم المنطوق به؛ هل هو نسخ للحكم الثابت بدليل الخطاب؟ ودليل الخطاب -كما بينت لكم منذ لحظات- هو مفهوم المخالفة.
إذًا: هذا الفصل اشتمل على أربع مسائل، وابن قدامة يقول في هذا الفصل: “فصل والتنبيه ينسخ ويُنسخ به؛ لأنه يفهم من اللفظ؛ فهو كالمنطوق وأوضح منه، وسيأتي شرح هذا الكلام، ومنع منه بعض الشافعية، وقالوا: هو قياس جلي، وأنت الآن تعرف معنى القياس الجلي، وليس بصحيح يعني تسمية مفهوم الموافقة بالقياس الجلي ليس بصحيح، وإنما هو مفهوم الخطاب، ولأنه يجري مجرى النطق في الدلالة، فلا يضر تسميته قياسًا، إلى هنا المسألة الأولى في كلام ابن قدامة.
ثم قال: وإذا نسخ الحكم في المنطوق بطل الحكم في المفهوم، هذه المسألة الثانية، ثم قال: وفيما يثبت بعلته أو بدليل خطابه وأنكر ذلك بعض الحنفية لأنه نسخ بالقياس قال: وليس بصحيح رد من ابن قدامة؛ لأن هذه فروع تابعة لأصل، فإذا سقط حكم الأصل سقط حكم الفرع، ولنتناول كل مسألة على حدة.
فنقول: هل التنبيه -أو مفهوم الموافقة- يقع ناسخًا ومنسوخًا؟
بعبارة أخرى: هل يجوز نسخ مفهوم الموافقة والنسخ به أو لا يجوز؟ تمامًا كما قلنا: هل يجوز نسخ القياس والنسخ به أو لا؟ وهل يجوز نسخ الإجماع والنسخ به أو لا؟ فمسألتنا: هل يجوز نسخ مفهوم الموافقة والنسخ به أو لا؟
خلاف على مذهبين:
المذهب الأول: أن مفهوم الموافقة -أو التنبيه كما اختار ابن قدامة في التسمية- يقع ناسخًا ومنسوخًا، يعني: يجوز نسخ التنبيه والنسخ به، ذهب إلى ذلك ابن قدامة -رحمه الله-، وهو مذهب جمهور العلماء، وهو مذهب الأئمة الأربعة أيضًا.
وقال بعض الأصوليين: إن كون التنبيه يقع ناسخًا ومنسوخًا متفقًا عليه، وممن نقل هذا الاتفاق الآمدي في (الإحكام) والقرافي في (شرح تنقيح الفصول).
لهذا المذهب دليلان:
الدليل الأول: على أن مفهوم الموافقة ينسخ وينسخ به، أنه -يعني التنبيه- يفهم من اللفظ فهو كالنص المنطوق به، وكما يجوز نسخ النص والنسخ به -كما قررنا قبل ذلك- كذلك يجوز نسخ التنبيه، أعني: مفهوم الموافقة والنسخ به، ولا فرق.
فكأن أصحاب المذهب الأول يرون: أن مفهوم الموافقة كالنص تمامًا بتمام؛ لأنه مستفاد من النص، وإذا كان مفهوم الموافقة كالنص فيجوز نسخه والنسخ به؛ لأن النص يجوز نسخه والنسخ به كما قررنا قبل ذلك.
بل قالوا: قد يكون المفهوم الموافق أقوى من المنطوق به، كقوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ} [الإسراء: 23]، فإن هذا النص دل بمنطوقه على تحريم التأفيف، ودل بمفهومه الموافق على تحريم الضرب والشتم، بمعنى: أنه إذا حرم مجرد التأفيف، فمن باب أولى أن يحرم الضرب والشتم، هذا هو الدليل الأول الذي ذكره ابن قدامة على صحة وجواز نسخ التنبيه والنسخ به.
الدليل الثاني: وهو أن ما ثبت باللفظ –يعني: الحكم الذي يثبت باللفظ- وفهم من اللفظ ليس من شرطه أن توجد صيغة اللفظ فيه، فلو قلت لك مثلًا: أكرم العوام لأنهم مسلمون؛ يجوز لك من باب أولى أن تكرم العلماء بهذا اللفظ، فاللفظ الذي قلته أنا: “أكرم العوام لأنهم مسلمون”، فمن هذا اللفظ أنت تكرم العلماء؛ لأنهم مسلمون وإن لم يتناولهم اللفظ من طريق الصيغة، لكن من طريق العلة والتنبيه، فكذلك ها هنا يجوز نسخ التنبيه والنسخ به؛ لأنه إما في قوة النص وإما لأن ما ثبت باللفظ وفهم منه ليس من شرطه أن توجد صيغة اللفظ فيه، هذا المذهب الأول بأدلته.
المذهب الثاني: فيرى أصحاب هذا المذهب: أن التنبيه -يعني مفهوم الموافقة- لا ينسخ ولا ينسخ به، أي: لا يكون ناسخًا ولا منسوخًا، وهذا مذهب بعض الشافعية.
واستدل أصحاب هذا المذهب بقولهم: إن التنبيه -وهو مفهوم الموافقة- قياس جلي، والقياس -على ما قررنا- لا ينسخ ولا ينسخ به، قلنا لهم: زيدوا لنا الأمر بيانًا. فقالوا: بيان ذلك أن المنع من الضرب والشتم المفهوم من قول الله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] لم يثبت من جهة النطق؛ لأنه لم ينطق بالمنع من الضرب والشتم، ولم يسمع من ذلك صيغة الضرب أو الشتم، وإنما عرف ذلك من معنى النطق، ومعنى النطق هو نفس القياس، والقياس لا يكون ناسخًا ولا منسوخًا.
وقد أجاب الجمهور عن ذلك بجوابين:
الجواب الأول: أن كون مفهوم الموافقة قياسًا غير صحيح من وجوه؛ فجمهور العلماء الذين يرون: أن التنبيه ينسخ وينسخ به، قالوا لبعض الشافعية: إن كون مفهوم الموافقة قياسًا؛ هذا كلام غير صحيح وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن تحريم أنواع الأذى من ضرب وغيره بالنسبة للوالدين مفهوم بالخطاب، وهو التنبيه وذلك في لغة العرب، أي: أن تحريم الضرب وغيره من أنواع الأذى ثبت نطقًا لا قياسًا؛ فصح نسخه –يعني: كأن ضرب الوالدين مفهوم من النص وليس من القياس- هذا معنى الجواب الأول، والدليل أنه ثبت نطقًا أنهم قالوا: هذا مفهوم الخطاب وفحواه وتنبيهه، هذا الوجه الأول من الجواب.
الوجه الثاني: أن أصحاب الشافعي صرحوا بأنه قياس جلي، يجري مجرى النطق في الدلالة، وإنما اصطلحوا في تسميته قياسًا جليًّا ونحن سميناه بمفهوم الموافقة أو التنبيه أو معنى الخطاب أو فحوى الخطاب أو دلالة النص كما يقول الحنفية، وإذا اتفقا في المعنى فلا يضر الاختلاف في التسمية فليسموا بما شاءوا، فكأن الوجه الثاني من الجواب الأول: أن هذا خلاف في التسمية؛ لأن أصحاب الشافعي صرحوا بأن هذا قياس جلي، والقياس الجلي يجري مجرى النطق في الدلالة يعني: يصح نسخه؛ ويصح النسخ به.
والوجه الثالث: قالوا: إنه لو كان قياسًا –يعني: لو سلمنا لكم أن ما نقول عليه نحن مفهوم موافقة وأنتم تقولون عليه قياس- لو كان قياسًا لاختص بفهمه أهل العلم والنقل والاستدلال؛ لأن القياس يحتاج إلى نوع من الفهم وإلى نوع من العلم، وإلى نوع من التدبر، ولكن هذا يستوي في معرفته العالم والعامي، فكل واحد من العالم والعامي يعرف أنه إذا حرم مجرد التأفيف –يعني: للوالدين- فإنه من باب أولى أن يحرم الضرب والشتم وغيرهما من أنواع الأذى، هذا حاصل الجواب الأول، وهو من ثلاثة وجوه كما عرفتم الآن.
أما الجواب الثاني: على دليل بعض الشافعية على أنه لا يجوز نسخ مفهوم الموافقة ولا النسخ به.
الجواب الثاني: قالوا: على فرض أنه قياس -يعني سلمنا لكم يا معشر الشافعية أن مفهوم الموافقة قياس- فإن هذا لا يمنع أن ينسخ وينسخ به؛ حيث إننا بينا فيما سبق أن القياس إذا كانت علته منصوصًا عليها جاز نسخه والنسخ به، وهذا حاصل المسألة الأولى من المسائل الأربعة التي ضمنها ابن قدامة في فصل نسخ حكم التنبيه ونسخ حكم غيره به.