المنهج الواقعي
بعد ذلك يأتي الحديث عما يسمى بالمنهج الواقعي، وهذا المنهج الواقعي استخدم في نقد الأدب الواقعي، الذي دعا إليه الواقعيون، والذي تبنته الاشتراكية، ودعت من خلاله الأدباء إلى الالتزام بقضايا الطبقات الكادحة، وتسخير الأدب ليكون ذا رسالة نفعية، ويقوم الأدب من هذا المنظور على أساس التزامه بهذه القيمة النفعية.
فالواقعيون لا يلقون بالًا بالقيم الفنية في العمل الأدبي، ولا يلتفتون إلى الأمور النفسية المتعلقة بالدوافع والمثيرات وأثر الأدب في نفوس المتلقين، ولا بالأمراض النفسية أو العُقد التي يمكن أن يفسر الإبداع الأدبي على أساسها، لا شأن لهم بذلك، إنما كل جهدهم ينصب على مدى التزام الأدب الواقعي بقيم المجتمع بالطبقة التي يتحدث هذا الأدب عن قضاياها ومشكلاتها.
هذا النقد بهذا المنهج يصنف على أنه نقد أيديولوجي أي يحتكم إلى عقيدة معينة، هذه العقيدة قد تكون صحيحة، وقد تكون غير صحيحة، ولكن هؤلاء الاشتراكيون أو الماركسيون ينطلقون من عقيدتهم هذه في منهجهم هذا.
من النقد الأيديولوجي أيضًا، لكنه على النقيض من النقد الاشتراكي أو الماركسي ما يسمى في عصرنا الآن المنهج الإسلامي في الأدب ونقده، فكثير من الذين تبنوا هذا المنهج يقومون العمل الأدبي على أساس التزامه بالقيم الإسلامية، ويحاولون أن ينصرف كل التقويم إلى المعاني والأفكار التي يحتويها العمل الأدبي، ولا يلتفتون كثيرًا إلى الجوانب الفنية والجمالية في هذا العمل الأدبي أو ذاك.
ولكني وجدت النقاد الناضجين الذين ينتمون إلى هذا الاتجاه، ويؤصلون له، ويؤمنون به -من لا يغفل التنبيه على ضرورة القيم الجمالية في العمل الأدبي، ولا يعجبهم ولا يرضيهم أن يتحول العمل الأدبي تحت عباءة الإسلام إلى وعظ خالص.
قرأت ذلك للأستاذ سيد قطب -عليه رحمة الله- ولغيره من النقاد الناضجين، لكن كما قلت: هناك من يتحدث باسم هذا المنهج، فيسيء إليه لأنه يغفل القيمة الأدبية المتمثلة في التعبير الفني والتصوير الفني، ورأيت بعضهم يشيد بقصائد يمكن للناقد المتذوق أن يخرجها من دائرة الشعر، لكنهم يشيدون بها في حماس شديد؛ لأنها تضمنت دعوة إلى خُلق إسلامي أو قيمة إسلامية على منهج الوعظ، وهذا بالتأكيد كما قلت: يسيء إلى هذا المنهج، ولا يضيف إليه.