Top
Image Alt

الموازنة بين المعنيين السابقين والترجيح بين القولين

  /  الموازنة بين المعنيين السابقين والترجيح بين القولين

الموازنة بين المعنيين السابقين والترجيح بين القولين

أي: توسيع معنى في سبيل الله أو تضييق معنى في سبيل الله وقصره على الجهاد.

علمنا أن الشيخ القرضاوي ذكر أن الموسعين اعتمدوا على المعنى الأصلي لسبيل الله؛ أي المعنى اللغوي ليشمل كل المصالح، أما الجمهور -وهم المضيقون- فقد اعتمدوا على دليلين:

الدليل الأول: أن التوسيع ليس فيه تمليك وهو ركن الزكاة تؤخذ من أغنيائهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وترد على فقرائهم، نسلب ملكية هذا القدر الواجب وهو الزكاة من ملكية الأغنياء؛ لأنه حق لله تعالى وحق لهؤلاء الفقراء: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] ويملك هذا الجزء إلى الفقراء، وإذا قلنا: إن مصرف في سبيل الله يصرف في المصالح العامة لم يكن فيه تمليك للفقراء والتمليك ركن الزكاة.   

الدليل الثاني: أن المصالح العديدة التي عرفناها كبناء المساجد وبناء الجسور وبناء الطرق وبناء المدارس والمستشفيات وتكفين الموتى والمقابر وغير ذلك ليست من المصارف الثمانية في الآية الكريمة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} معنى ذكر هذه المصارف الثمانية بهذا الشكل أنه يفيد الحصر والقصر عليها ولا تجوز الزكاة لغيرها؛ إلا أن الشيخ القرضاوي ناقش أدلة الجمهور في اشتراط التمليك؛ لأنه ليس لازمًا، كما ناقشهم أيضًا في حصر المصارف في الثمانية المذكورة في الآية؛ لأن المصالح الأخرى داخلة في مصرف في سبيل الله فلم تخرج عن الثمانية إلا أنه عاد ورد على الموسعين بأدلةٍ أخرى لينتهي إلى معنى آخر بين الموسعين والمضيقين، وهذه الأدلة هي استعمال القرآن الكريم والسنة النبوية واللذين يؤكدان أن المراد بسبيل الله الجهاد فيكون معناها في مصارف الزكاة الجهاد.

وبهذا رجح الشيخ القرضاوي مذهب الجمهور المضيقين لمعنى في سبيل الله وقصره مثلهم على الجهاد، إلا أنه بارك الله فيه ليس معهم في حصر معنى الجهاد في المعنى العسكري الحربي وقتال الأعداء، وإنما أراد الجهاد بمعناه الواسع الذي يشمل الجهاد بالقلم واللسان والتربية والاجتماع والسياسة والاقتصاد؛ فالجهاد عنده هو نصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله في الأرض بأي أسلوب كان، فكل جهادٍ أريد به أن تكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله أيًّا كان نوعه، وأكد ذلك بقول الطبري وغيره من المفسرين.

وقد رجح الشيخ السيد سابق مذهب الموسعين وهو أولى؛ لأن توسيع مفهوم الجهاد يدخل فيه كل هذه المعاني فيعود الخلاف كما نرى خلافًا لفظيًّا بين المضيقين والموسعين، بمعنى أن الشيخ القرضاوي ما دام يوسع معنى الجهاد ليشمل كل إعلاءٍ لكلمة الله تعالى؛ سواء كان ذلك ببناء مدرسة أو ببناء مسجد أو ببناء مستشفى أو بعلاج مرضى أو ببناء طرق أو ببناء جسور أو غير ذلك مما فيه مصالح للمسلمين؛ لأن كل هذا يدخل في معنى الجهاد؛ لأنه نصرة لسبيل الله ولإعلاء كلمة الله؛ فما دام الأمر كذلك إذًا ليس هناك خلاف بين ما ذكره الشيخ القرضاوي وما ذكره جمهور الموسعين لمعنى “في سبيل الله”، فليقتصر المضيقون على الجهاد بمعناه العسكري الحربي ولنتوسع كما توسع الشيخ القرضاوي في معنى الجهاد في معنى “في سبيل الله” ليشمل كل هذه المصالح التي تعود على كل المسلمين وكل بلاد المسلمين بالخير والنفع العميم؛ فالخلاف لفظي كما ذكرنا.

error: النص محمي !!