Top
Image Alt

الموضوعات التقليدية

  /  الموضوعات التقليدية

الموضوعات التقليدية

لقد راج الشعر في العصر الأموي رواجًا عظيمًا، وازدهر ازدهارًا كبيرًا، وصار الشعر في العصر الأموي الوسيلة الأولى التي يعبر بها كل فريق وكل حزب عن وجهته وعن رأيه في الحكم، وكان كثير من خلفاء بني أمية شعراء، وجميعهم يحسن تذوق الشعر ونقده، وكانت مجالسهم عامرة بالشعراء والرواة والنقاد.

وتوافرت للشعر في هذا العصر عوامل شتى أكسبته مكانة ممتازة، من هذه العوامل:

العصبيات القبيلة: التي اشتد أوارها لعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية بعد أن أحياها الأمويون؛ ليشغلوا الناسَ بالمفاخرة والمنافرة، ويعيدوهم إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، ويشغلوهم بذلك عن شئون الحكم والاختلاف فيمن هو أحق به منهم. ومن ذلك استخدام الشعر وسيلة سياسية تتدافع بها الأحزاب، ويناضل كل حزب عن حقه في الخلافة والملك به.

ومن هذه العوامل أيضًا: ما أغدقه الخلفاء الأمويون على أبناء الصحابة وأحفادهم في المدينة ومكة؛ ليشغلوهم بذلك عن شئون السياسة والحكم؛ فنشأت هناك طائفة من الشباب الذي وجد في اللهو والمتعة ما يشغل وقته وفراغه، ووجد في الشعر ما يعبر به عن نفسه وحياته، وتعددت البيئات الشعرية في هذا العصر، من هذه البيئات: بيئة نجد، وبيئة الحجاز، وبيئة الشام، وبيئة العراق، وكان من الطبيعي أن يصحب كل هذا التطور تغير وتطور في الشعر من جهة مضمونه، ومن جهة شكله، ومن جهة أغراضه وموضوعاته، فقد ظهرت في الشعر معانٍ جديدة وأغراض جديدة، وتطورت الأغراض التي كانت موجودةً من قبل، فالموضوعات القديمة والتقليدية ظلت مجالًا واسعًا للشعر، ولكنها تطورت في العصر الأموي.

من هذه الأغراض والموضوعات الغزل، فالغزل غرضٌ قديمٌ في الشعر العربي، يرجع تاريخه إلى العصر الجاهلي، وقد بقي الغزل في العصر الأموي، لكنه تطور، وعُرِفَ فيه نمطٌ جديدٌ كان رائده هو عمر بن أبي ربيعة، كما عُرِفَتْ طائفة من شعراء الغزل بالعِفة، ويسمى غزلهم بالغزل العذري.

ومن الفنون القديمة كذلك المدح، وكان في الجاهلية يوجه إلى كِبار القوم والكِرام منهم، وكان بعض الشعراء يستغله للحصول على جوائز الكرام وأموالهم، فلما جاء الإسلام توجه المدح إلى الرسول صلى الله عليه  وسلم وآله وأصحابه وخلفائه، وتبدلت القيم، فأصبح الشعراء يمدحون بالعدل والصدق والوفاء، والالتزام بتعاليم الدين، وفي العصر الأموي تغيرت هذه المعاني، فبالإضافة إلى ما أضافه الإسلام من المعاني إلى هذا الشعر، رجع الشعراء إلى التكسب بالشعر، ومحاولة تحقيق مكاسب سياسية عن طريقه، وأصبحوا يمدحون بحسن التدبير والإخلاص للخليفة أو للحزب أو للدولة، كما أن الهجاء فن قديم في الشعر العربي، ولما جاء الإسلام هذَّبه وكفَّ ألسن الشعراء عن الوقوع في الأعراض، ولكنه في العصر الأموي وبفعل الظروف الطارئة وإحياء العصبيات القبلية، رجع الهجاء إلى سيرته الأولى، وربما كان أشدَّ فحشًا وإقذاعًا مما كان عليه في الجاهلية.

والفخر والحماسة غرضان قديمان، وظلت الفتوح والحروب التي نشأت بين الأحزاب المتقاتلة من أجل السلطة عوامل تغذي هذا الغرض القديم، وتمد شعراءَه بالمناسبات والمعاني والصور، وهذا الكلام يُقال أيضًا عن الرثاء والوصف، فكلاهما غرض قديم تطور في العصر الأموي.

ومن نماذج الرثاء في العصر الأموي: رثاء الفارعة لأخيها الوليد بن طريف، تقول:

أيا شجر الخابور مالك مورقًا

*كأنك لم تجزع على ابن طريف

فتًى لا يحب الزاد إلا مِن التقى

*ولا المال إلا من قنًا وسيوف

ولا الذخر إلا كل جرداء صلدم

*معاودة للكرتين صفوف

كأنك لم تشهد هناك ولم تقم

*مقامًا على الأعداء غير خفيف

ثم تقول عنه:

حليف الندى ما عاش يرضى به الندى

*فإن مات لا يرضى الندى بحليف

فقدناك فقدانَ الشباب وليتنا

*فديناك من فِتياننا بألوف

وما زال حتى أزهق الموت نفسه

*شجًا لعدو أو نجًا لضعيف

ثم قالت:

فإن يك أرداه يزيد بن مزيد

*فرب زحوف لفها بزحوف

عليه سلام الله وقفًا فإنني

*أرى الموت وقاعًا بكل شريف

error: النص محمي !!