Top
Image Alt

الموضوع الثاني: حاجة الناس إلى التشريع الإلهي

  /  الموضوع الثاني: حاجة الناس إلى التشريع الإلهي

الموضوع الثاني: حاجة الناس إلى التشريع الإلهي

لقد خلَق الله عز وجل الإنسان، وأوجده على هذه المعمورة، واقتضت حِكمته أنْ يتناسل ويتكاثر؛ ليكون شعوبًا وقبائل. ومِن أجل ذلك احتاج الناس -ولا بدّ- إلى اختلاط بعضهم ببعض، وإلى تعامل بعضهم مع بعض بشتى أنواع المعاملات، سواء منها التعامل بين دولة ودولة، أو بين شَعب وشَعب، أو بيْن قبيلة وقبيلة، أو بين فرد وفرد. فيتعامل الإنسان مع أخيه بالبيع والشراء، ويتعامل معه بالزواج وما يتبعه من صداق ونفقات، أو ما قد يحدث من طلاق أو خلع. وقد يتعامل معه بالتعامل العدوانيّ، مِن قتْل أو جناية دونه، أو سرقة مال، أو غصْب، أو نهْب، أو قذْف، أو سباب، أو نحو ذلك مِن الأمور التي لا بد أن تنشأ إثر احتكاك الناس بعضهم ببعض.

كلّ هذه المعاملات فَرضت على البشر أنْ يكون لهم نظام واحد ينظّم لهم معاملاتهم هذه، يسيرون السَّيْر الذي يسنّه لهم، ويلتزمون قوانينه التي يقنّنها لتعاملاتهم؛ يُبيّن للراعي كيف يرعى أمّته ويسوسها خارجيًّا وداخليًّا، ويبيّن للرّعيّة كيف تتعامل مع الراعي، ويبيِّن للفرد كيف يتعامل مع أخيه. نظام يسود معه العدل، ويأخذ الحق للضعيف، وينتصف للمظلوم، ويأخذ على يد الظالم.

ولما كان الإنسان ناقصًا بطبعه، مفتقرًا إلى خالِقه، تدعوه شهواته وهواه إلى تقديم مصالحه ولو على حساب غيره من البشر، لأجْل هذا لم يَدَع الله عز وجل خلْقه هملًا؛ بل سنّ لهم كل ما يحتاجونه من نُظم وشرائع, فشرع لهم أوّلًا أحكام التعامل مع الخالق، وهو ما يُعرف بعلْم التوحيد والعقيدة. وسنّ لهم أنظمة العبادات، لتُحقِّق وتؤكِّد إزالة الفوارق البشرية -التي عجزت القوانين الوضعية أنْ تزيلها-. فالجميع يتوجَّهون إلى خالق واحد في صلاتهم ودعائهم وسائر عباداتهم.

ووضع لهم أنظمة المعاملات بشتَّى فروعها، ماليّة كانت، أو أُسرِيَّة، أو جنائية، أو أخلاقية، أو سلوكيّة. ونظّم لهم حياتهم بسائر مستوياتها؛ فعلّم الشعب كيف يتعامل مع وليِّ الأمر، وعلّم الإمام ما يجب عليه تجاه رعيته؛ بل لم يدَع صغيرة ولا كبيرة فيها مصلحة للعباد إلا أرشدهم إليها سبحانه وتعالى، رعايةً لعباده، وحفاظًا على إقامة مصالحهم الدينيّة والدنيوية، قال الله عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].

error: النص محمي !!