Top
Image Alt

المُجيزون من الصحابة لكتابة الحديث، وأهمّ الصّحف والأجزاء في عصرهم

  /  المُجيزون من الصحابة لكتابة الحديث، وأهمّ الصّحف والأجزاء في عصرهم

المُجيزون من الصحابة لكتابة الحديث، وأهمّ الصّحف والأجزاء في عصرهم

منهم:

  1. أبو أمامة الباهلي صُدَيّ بن عجلان. سأل الحسَن بن جابر أبا أمامة  الباهلي عن كتاب العلْم، فقال: “لا بأس بذلك”، رواه الدارمي.
  2. أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت سلمى -زوج أبي رافع-: “رأيت ابن عباس معه ألواح يكتب عليها من أبي رافع شيئًا مِن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
  3. أبو هريرة. قال بشير بن نُهَيْك: كتبت عن أبي هريرة كتابًا، فلما أردت أنْ أفارقه قلت: يا أبا هريرة، إني كتبت عنك كتابًا، فأرويه عنك؟ قال: نعم، ارْوِهِ عنّي”.
  4. أنس بن مالك. قال ثمامة بن عبد الله: كان أنس يقول لِبَنيه: “يا بَنِيَّ، قيِّدوا العلْم بالكتاب”. وكان يقول: “كنّا لا نعدّ علْم مَن لم يكتب علْمَه علْمًا”.
  5. البراء بن عازب. قال وكيع: حدثنا أبي عن عبد الله بن حَنَش قال: “رأيتهم يكتبون على أكفِّهم بالقَصب عند البراء”.
  6. الحسن بن عليّ بن أبي طالب. قال محمد بن أبان: قال الحسن بن علي لِبَنيه وبَنِي أخيه: “تعلّموا! فإنكم صغار قوم اليوم تكونون كبارَهم غدًا، فمَن لم يحفظ منكم فلْيكْتب!”.
  7. رافع بن خديج. كانت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة عنده على أَدَم. قال: “إنّ مكة إنْ تَكن حرمًا فإنّ المدينة حرم حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مكتوب عندنا في أديم خولانيّ”.
  8. عائشة بنت أبي بكر. عن عروة بن الزبير، قال: قالت لي عائشة: “يا بُنيّ! إنه يبلغني أنك تكتب عني الحديث ثم تعود فتَكتبه. فقلت لها: أسمعه منكِ على شيء، ثم أعود فأسمعه على غيره. فقالت: هل تسمع في المعنى خلافًا؟ قلت: لا، قالت: لا بأس بذلك.
  9. ابن عباس. تقدّم في أثَر سلمى -زوج أبي رافع.
  10. ابن عمر. عن نافع: أنّ ابن عمر كانت له كُتب ينظر فيها -يعني: في العلْم-.

ومنهم عِتبان بن مالك الأنصاري، وعمرو بن حزم الأنصاري، وفاطمة بنت قيس، والمغيرة بن شعبة، ومعاوية بن أبي سفيان، والنعمان بن بشير، وعبد الله بن أبي أوفى.

بيان بأهمّ الصّحف والأجزاء المكتوبة في هذه الفترة:

لقد تمخّضت هذه الفترة المباركة عن كتابة صُحف وأجزاء ورسائل كثيرة، كَتَبها الصّحابة بأنفسهم، أو كُتبتْ عنهم بإملائهم، ممّا يدحض مزاعم المستشرقين وأتباعهم الذين يَرَوْن أنّ بداية تدوين السُّنّة كان في القرن الثاني الهجري.

وإليك بيان بأهمّ تلك الصّحف والأجزاء.

1. “الصّحيفة الصّادقة” لعبد الله بن عمرو بن العاص:

مِن أشهر الصّحف المعروفة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصحيفة الصّادقة” التي كَتبها جامِعُها عبد الله بن عمرو بن العاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذْنه. قال: “كنت أكتب كل شيء سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظَه، فنهَتْني قريش فقالوا: كيف تكتب كلّ شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله بشَر يتكلّم في الرضا والغضب؟ فأمسكتُ عن الكتاب، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اكتُبْ! فوالذي نفْسي بيَده، ما خرج منه إلاّ حق!))”.

ويؤيِّده: ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه: “ما كان أحدٌ أعلَمَ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منّي، إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب بيده ويَعِيه بقلبه، وكنتُ أعيه بقلبي ولا أكتب بيدي. واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب عنه، فأذِن له”.

وكان يقول: “كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ما يقول”.

وهذا الحديث دالّ على أنّ الصحابة كتبوا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثه.

وأخرج ابن سعد، عن مجاهد، قال: “رأيت عند عبد الله بن عمرو صحيفةً، فسألت عنها، فقال: هذه “الصادقة”، فيها ما سمعتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بيْني وبيْنه أحَد”.

وقد صرّح عبد الله بن عمرو بكتابة هذه الصّحيفة بنفْسه، وكان يُعظم أمْر هذه الصحيفة؛ فإنه كان يقول: “ما يرغّبني في الحياة إلاّ خصلتان: “الصّادقة” و”الوهطة”. فأمّا الصّادقة: فصحيفة كتبتُها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّا الوهطة: فأرض تصدّق بها عمرو بن العاص، كان يقوم عليها”.

ولهذه الصحيفة أهمية علْمية وقيمة تاريخية كبرى؛ لأنها تُثبت كتابة الحديث النبوي بيْن يديْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإذْنه. وقد اشتملت على ألْف حديث، كما يقول ابن الأثير. وإذا لم تصل إلينا هذه الصحيفة كما كتَبها عبد الله بن عمرو بخطِّه، فقد وصل إلينا مُحتواها؛ لأنها محفوظة في (مسند الإمام أحمد بن حنبل) -رحمه الله.

وفي الحقيقة، إنّ هذه الصحيفة كانت نتيجةً لفتوى النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وإرشاده الحكيم له، وإنّه مِن المُمكن أنْ يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خصّ بهذا عبد الله بن عمرو بن العاص؛ لأنه كان قارئًا لِلكتب المتقدِّمة، ويكتب  بالسريانيّة والعربيّة، وكان كاتبًا مُجيدًا لا يُخشى عليه الغلطُ. ويُخيّل إلينا أنه لا بدّ أن يكون عبد الله بن عمرو قد أخذ في كتابة الأحاديث بعْد هذه الفتوى الصريحة من الرسول الكريم، وتلك الصحيفة الصّادقة هي ثمرة هذه الفتوى.

وأكبر الظن أنّ عمرو بن شعيب -وهو حفيد عبد الله بن عمرو- إنما كان يروي فيما بَعد مِن هذه الصحيفة، قارئًا أو حافظًا مِن أصلها. وجدير بالذِّكر أنه متى قيل: صحيفة عمرو  بن شعيب، فهي في الحقيقة “الصحيفة الصادقة” لعبد الله بن عمرو بن العاص، رواها عنه حفيده ابن شعيب.

وقد أُتيح للتّابعي الجليل مجاهد بن جبر: أنْ رأى هذه الصحيفة عند صاحبها عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وكان لشدّة حِرْصه على هذه الصحيفة لا يكاد يَسمح لأعزِّ الناس عليه بِتناولها. ورؤية مجاهد لها لم تكن إلاّ عَرَضًا؛ فإنه قال: “هذه “الصّادقة”، هذه ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبيْنه أحَد، إذا سلِمت لي، وكتاب الله تبارك وتعالى، والوهط، فما أبالي ما كانت عليه الدنيا”.

2. “الصّحيفة الصّحيحة”:

كان أبو هريرة حافِظ الصحابة في عصره، ومُكثرَهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذهب إليه كثير من الصحابة ليسمعوا الحديث منه. وكانوا يتواعدون لينطلقوا إليه، فيسمعوا حديثه عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك: ما رواه مكحول، قال: “تواعد الناس ليلة من الليالي إلى قبّة مِن قباب معاوية، فاجتمعوا فيها. فقام أبو هريرة، فحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح”. وقد اتّخذ أبو هريرة موعدًا مقررًا للتحديث بين الناس، فيقوم كلّ خميس فيحدِّثهم.

واكتتب أبو هريرة الأحاديث في آخِر حياته، فوُجدت عنده كتبٌ، وصحفٌ كثيرة، غير الصحيفة التي عُرفت بـ”الصحيفة الصحيحة” لهمام بن منبه. وكان أبو هريرة يحتفظ بهذه الكتب التي فيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الفضل بن حسن بن عمرو بن أميّة الضمري، عن أبيه، أنه قال: “تحدثت عند أبي هريرة بحديث فأنكَره، فقلتُ: إني سمعته منك. فقال: إن كنتَ سمعتَه مني فهو مكتوب عندي. فأخذ بيدي إلى بيْته فأرانا كتبًا كثيرةً مِن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجَد ذلك الحديث. فقال: قد أخبرتُك أني إنْ كنت حدّثتُك به فهو مكتوب عندي”.

وكان بشير بن نهيك قد قرأ عليه الكتاب الذي كتَبه عنه قبْل أن يفارقه، وكان يقول: “أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبتُه عنه، فقرأتُه عليه، فقلت هذا سمعته منك. قال: نعم”.

وكان عند سعيد المقبري صحيفة أبي هريرة، وكان يحدِّث عنها، فيحدِّث عن أبي هريرة، وعن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة، فاختلطتْ عليه، فجعلها كلّها عن أبي هريرة. ولما ذَكر ابن حبان في (الثقات) هذه القصّة قال: ليس هذا بوهَن يوهَن الإنسان به؛ لأن الصحيفة كلّها في نفسها صحيحة.

وقد كتب عبد العزيز بن مروان كتابًا جمَع فيه الأحاديث التي رواها أبو هريرة,  وإنه كتب حينما كان حاكمًا على مصر إلى التابعي كُثير بن مُرّة الحضرمي، راجيًا أنْ ينسخ أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي لمْ يَرْوها أبو هريرة, فإن الأحاديث المرويّة عن أبي هريرة كانت محفوظة عنده. وروى أبو صالح السّمان أحاديث أبي هريرة، فكتب الأعمش منها نحوًا مِن ألْف حديث. ويقول كاتب مروان الحكم: أنّ مروان دعا أبا هريرة وأقعده خلْف الستار، وجعل مروان يسأله، وجعلتُ أكتب عنه. حتى إذا كان رأس الحوْل، دعا به وأقعده مِن وراء الحجاب، فجعل يسأل عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر. وقال الإمام الشافعي -رحمه الله-: “كان أبو هريرة أحفظ مَن روى الحديثَ في دهْره”.

وروى عبد الله بن هبيرة، عن تميم الجيشاني، أنه قال: كتب إلى عبد الله بن هرمز، مولى مِن أهل المدينة، يذكر عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تبِع جنازة يحمل من علوها، وحثَا في قبرها، وقعَد حتى يؤذن له، آب بقيراطيْن مِن الأجر، كل قيراط مثْل أُحُد)).

وعلى كلّ، فقد كتب وجمَع غيرُ واحد من تلاميذ أبي هريرة أحاديث في كُتب لهم، ولعلّ أبا هريرة رضي الله عنه كلّف مَن يكتب له، لأنه كان ممّن يعرف القراءة دون الكتابة. وحديث أبي هريرة في “صحيح البخاري” الذي قال فيه: “لا أكتب”، فالمراد منه أنه كان لا يَكتب بيده، أمّا الصحف والكتب التي كانت عنده، فهي مِن خطّ غيره، وإنه يقرأ ولا يكتب. ويُمكن الجمْع بأنه لم يكتب في العهد النبوي، ثم كتَب بعده. ومن الواضح أنه لا يلزم مِن وجود الحديث مكتوبًا عنده أن يكون بخطِّه. وقد ثبت أنه لم يكن يكتب، فتعيّن أنّ المكتوب عنده مِن خطّ غيْره.

أمّا بالنسبة للصحيفة الصحيحة، فهي في الحقيقة صحيفة أبي هريرة لهمام، وهمام بن منبه كان أحد أعلام التابعين، فلقي أبا هريرة وكتب عنه كثيرًا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمَعه في صحيفة أو صُحف أطلق عليها اسم: “الصحيفة الصحيحة”. وقد نقلها الإمام أحمد بتمامها  في “مسنده”، كما نقل الإمام البخاري عددًا كثيرًا مِن أحاديثها في أبواب كثيرة.  ولهذه الصحيفة أهمّيّة كبرى في تاريخ كتابة الحديث وتدوينه؛ لأنها حُجّة قاطعة ودليل ساطع على أنّ الحديث كان قد كُتب  في عصْر مُبكّر. ووصلت إلينا هذه الصحيفة كاملة سالمة كما كتبها ودونها همام عن أبي هريرة. وعَثَر على هذه الصحيفة: الباحث المحقِّق: الدكتور محمد حميد الله في مخطوطتيْن متماثلتيْن في دمشق وبرلين، وزادنا ثقة بما جاء: أنها برمّتها ماثلة في (مسند الإمام أحمد) -رحمه الله-“.

3. صحيفة جابر بن عبد الله:

كان جابر بن عبد الله فقيهًا، وكان مفتي المدينة في زمانه، حمَل عن النبي صلى الله عليه وسلم علمًا كثيرًا نافعًا. وله منسك صغير، أخرجه مسلم في “صحيحه” مطوّلًا في كتاب الحج، وقد أكثر الناس الكلام على ما فيه من الفقه. وألّف فيه ابن المنذر جزءًا كبيرًا ذَكر فيه مائة ونيفّا وخمسين نوعًا، ولو استقصى لزاد على هذا العدد قريبًا منه.  وكتب جابر بن عبد الله صحيفة له، فيها جزء من الأحاديث.

وكان كثير مِن التابعين يذهبون إليه ويكتبون عنه الحديث، كما قدِم الليث إلى مكة وجاء إلى أبي الزبير، فأعطاه أبو الزبير كتابيْن مِن كتب جابر,  كما يحدث سعيد بن مريم، عن الليث، أنه قال: “قدمت مكة، فجئت أبا الزبير، فدفع إليّ كتابيْن فانقلبت بهما. ثم قلت في نفسي: لو عاودته فسألته، هل سمع هذا كلّه مِن جابر؟ فرجعت وسألته، فقال: منه ما سمعتُ، ومنه ما حُدِّثتُ عنه. فقلت له: أعلمْ لي على ما سمعتَ، فأعلم لي هذا الذي عندي”.

وكان التابعيّ الجليل: قتادة بن دعامة السّدوسي يُحدِّث عن صحيفة جابر. وكان قتادة أحفظَ الناس، وكان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه. وقال يومًا لسعيد بن أبي عروبة: “خذ المصحف”، وعرض عليه سورة “البقرة”، فلمْ يُخطئ فيها حرفًا واحدًا، فقال له سعيد: “أحكمت”، فقال قتادة: “نعم، لَأنَا بصحيفة جابر أحفظ منّي لسورة “البقرة”. وقال أحمد: “كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لم يسمع شيئًا إلا حفظه. وقُرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها”.

وفي رواية: إنّما يُحدِّث قتادة عن صحيفة سليمان اليشكري، وكان له كتاب عن جابر بن عبد الله. ويحتمل أنْ سليمان اليشكري قد نقل عن جابر صحيفته، وهو أحد تلاميذه. ورُوي أنّ سليمان جالَس جابرًا، وكتب عنه صحيفته. وروى أبو الزبير والشعبي وغيرهم، عن جابر، وهم قد سمعوا عنه، وأكثره مِن هذه الصحيفة.

وكانت لجابر حلقة في المسجد النبوي، يُملي فيها على طُلاّبه الحديث، فكتب منهم كثير مِن كبار التابعين، أمثال وهب بن منبه؛ فهو يروي أحاديث جابر مِن إملائه. وكان من جملة تلاميذه: أعلام من التابعين، أمثال: محمد بن علي، وأبو جعفر الباقر، وعبد الله بن محمد بن عقيل. وإنهم كانوا يجالسون جابرًا، ويسألونه عن سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صلاته، فيكتبون عنه ويتعلّمون. وقد كتب عن جابر بن عبد الله: أبو الزبير مسلم بن تدرس كثيرًا.

على كل حال، فصحيفة جابر كانت مشهورة بيْن التابعين، وكثر تلاميذه، وسمعوا منه، وكتبوا عنه هذه الصحيفة.

4. رسالة سمرة إلى بَنيه:

كان سمرة بن جندب  يُحبّ العلْم كثيرًا، فيحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جمَع أحاديث كثيرة في نسخة، ثم روى ابنه سليمان عنه هذه النسخة، كما روى الدارقطني في “سننه” أنّ سليمان نقل عن أبيه كتابًا فيه أحاديث كثيرة. ويحتمل أن تكون هذه النسخة هي الرسالة التي كتبها سمرة إلى بَنيه. وقال فيها محمد بن سيرين: “في رسالة سمرة إلى بَنيه علم كثير”. وقد نقل عنه الحسن البصري كتابه. وقال يحيى بن سعيد القطان في أحاديث سمرة بن جندب التي كان يرويها الحسن عنه: “سمعنا أنها من كتاب”. وكان الحسن البصري يعتمد على كُتب سمرة. وقال أبو داود، بعد أن ذكر حديث سليمان بن سمرة عن أبيه في الصلاة: “دلت هذه الصحيفة على أنّ الحسن سمع مِن سمرة”.

5. صُحف أنس بن مالك:

نشأ أنس بن مالك  في بيت النبوة، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم عشْر سنوات كاملة، ولازمه جلّ أوقاته، فشاهد ما لم يشاهده غيره، وسمع منه علمًا كثيرًا. وكان كلّما سمع من حديثه حفِظه ووعاه. وكان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعرضه عليه ويقرأه عنده. وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثمانين عامًا، فساعده ذلك على تلقِّي الكثير مِن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الكبار مِن أصحابه بعْده، كما أمكنه طولُ حياته مِن نشر الحديث بين الناس، فالتفّ حوله ناس كثيرون، وازدحم عليه طُلاّب العلْم مِن كلّ مكان.

ذكر الخطيب البغدادي، عن هبيرة بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك : أنه كان إذا حدّث فكثُر عليه الناس، جاء بمجالٍّ فألقاها، ثم قال: “هذه أحاديث سمعتُها وكتبْتُها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضْتُها عليه”.

وفي رواية: أنّ أنسًا قال: “هذه كتبتُها، ثم قرأتُها على رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

وفي رواية: أنه جاء بصِكاك فألقاها إليهم، وقال: “هذه أحاديث سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبتُها، وعرضتُها على رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

ولقد أصاب عتبان بن مالك  في بصَره شيءٌ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيأتي إليه، ويصلّي في منزله. ثم إنه أخبر بهذا الخبر وقال: “أصابني في بصَرى شيء، فبعثتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحبّ أن تأتيني، فتصلِّي في منزلي فأتّخذه مُصلًّى. قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومَن شاء الله مِن أصحابه، فدخل. وهو يصلّي في منزلي، وأصحابه يتحدّثون بينهم، ثم أسندوا عظم ذلك وكِبْره إلى مالك بن دخشم، قالوا: ودّوا أنه دعا عليه فهلك، وودّوا أنه أصابه شرّ.  فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، وقال: ((أليْس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟))، قالوا: إنه يقول ذلك وما في قلبه. قال: ((لا يَشهد أحدٌ أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، فيدخل النار أو تطعمه)). قال أنس: “فأعجبني هذا الحديث، فقلت لابني: اكْتُبْه! فكَتَبه”. وإن أنسًا كان يقول لِبَنيه: “يا بَنِيّ! قيِّدوا العلْم بالكتاب!”.

وإنه أمَر ابنيْه: النّصر وموسى بكتابة الحديث والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “كنّا لا نعُدّ علْم مَن لمْ يكًتبْ علْمَه علْمًا”.

6. صحف سعد بن عبادة:

كان عند سعد بن عبادة الأنصاري كتاب أو كُتب، فيها طائفة مِن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وروى ابنه مِن كُتب أبيه. وروى إسماعيل بن عمرو بن قيس بن عبادة، عن أبيه: أنهم وجدوا في كُتب عبد الله بن أبي أوفى كتابَ سعد بن عبادة: “أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد”؛ ولعلّ كثيرًا من الأحاديث التي رُويَت عن سعد مِن هذا الكتاب.

روى الإمام البخاري: أنّ هذه الصحيفة كانت نُسخة مِن صحيفة عبد الله بن أبي أوفى الذي كان يكتب الأحاديث بيَده، وكان الناس يقرءون عليه ما جمَعه بخطِّه، ثم إنّ أحفاده وأبناء أحفاده كانوا يروُون الحديث مِن هذه الصحيفة.

هذه بعض الصّحف التي كُتبت في عصْر الصحابة,  والله أعلم.

error: النص محمي !!