النزول بالحديبية، ومجيء رسل قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورسل المسلمين إلى قريش، وموقفها منهم، وشيوع نبأ مقتل عثمان، وبيعة الرضوان، ووقوع الصلح، وموقف المسلمين منه
نزل النبي صلى الله عليه وسلموالمسلمون الحديبيةَ لأمر الله عز وجل الذي أراد، وهاهم ما وجدوا عوزًا في ماء، فقد سقاهم الله وأسقاهم من فضله، وببركة الله، وبركة نبيه صلى الله عليه وسلم وإن المسلمين في مقامهم هذا أهداهم عمرو بن سالم وبسر بن سفيان الخزاعيان غنمًا وجزورًا، فَرَّقها النبي صلى الله عليه وسلم في الناس، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان.
وبعثت قريش أكثر من رسول إلى النبي ليستطلعوا منه حقيقة خروجه صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه لم يأتِ يريد حربًا، وإنما جاء زائرًا للبيت، ومُعظمًا لحرمته، وفي كل مرة كان رسول قريش يرجع إليهم ويخبرهم بحسن نوايا المسلمين وأنهم ما جائوا إلا زائرين للبيت.
رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش وموقفها منهم، وشيوع نبأ مقتل عثمان بمكة، وبيعة الرضوان، ووقوع الصلح:
دعا النبي صلى الله عليه وسلم خراشة بن أمية الخزاعي، فبعثه إلى قريش يخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وحمله على بعير له يقال له: الثعلب. وهذا فيه دَلالة أنه بعير سباق حتى ينجو به إذا ناله أذًى منها، فخرج خراش حتى وصل مكة، ولما رأوه قاموا به، فعقروا البعير وأرادوا قتله، ولكن الأحابيش منعتهم، فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد قامت قريش قبل هذا ببعث فريق منهم يطوفون بعسكر النبي صلى الله عليه وسلم يرمون بالحجارة والنبل ليصيبوا لهم من أصحابه أحدًا، ولكن المسلمين أمسكوا بهم، وأتَوْا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه صلى الله عليه وسلم عفا عنهم.
وهنا نرى فعل النبي صلى الله عليه وسلم حتى بمن اعتدَى منهم، فشتان شتان بين فعل هؤلاء الكفار، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وأراد النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن يبعث رجلًا له شأنه من أصحابه، فدعا صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم يأتِ لحرب، وإنما جاء زائرًا للبيت مُعظمًا لحرمته، فخرج عثمان حتى وصل مكةَ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص وهو ذو قرابة منه، فأجاره حتى دخل مكة، وحمله بين يديه.
ولما جاء عثمان أبا سفيان وعظماءَ مكةَ، وبلغهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا له: إن شئتَ أن تطوف بالبيت فَطُفْ، ولكن عثمان أبَى، وقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكث عثمان في مكة أيامًا حتى شاع بين المسلمين أنه قد قُتِلَ. وهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لئن كان عثمان قد قتل، فوالله لا نبرح حتى نناجز القوم)).
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة -بيعة الرضوان- وكانت تحت الشجرة، وهنا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخبر غير صادق وإنما أشيع هكذا، وأن عثمان حي.
ثم إن قريشًا بعد هذا أرسلت سهيل بن عمرو في جماعة، وقالوا: ائت محمدًا فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة، فأتاه سهيل، ولما رآه النبي صلى الله عليه وسلم مقبلًا قال: ((قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل))، فلما انتهى سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتفاوض في الكلام وفيما جاء به، جرى الصلح بعد مفاوضات في أمور تألم لها كثير من المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وافق على أمور كثيرة، كان فيها استفزاز لمشاعر المسلمين حتى يعلم أهل مكة أنه جاء يريد الخيرَ والصلحَ، وكان في هذا رغبة منه صلى الله عليه وسلم أن يبقي على قريش؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب ذلك، ولكنها كانت لا تحب الخير لنفسها ولا لغيرها.
هنا جاء عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أَوَلسنا بالمسلمين؟، قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟، قال: بلى، قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: ياعمر الزم غرزه –أي: الزم أمر النبي صلى الله عليه وسلم- فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله، ثم أتى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال مثلما قال: يا رسول الله، ألست برسول الله؟، قال: ((بلى))، قال: أولسنا بالمسلمين؟، قال: ((بلى))، قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني الله))، قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأعتق مِن الذي صنعتُ يومئذٍِ؛ مخافةَ كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيرًا.