Top
Image Alt

النسائي ومنهجه في كتابه (السنن)، ونماذج منه

  /  النسائي ومنهجه في كتابه (السنن)، ونماذج منه

النسائي ومنهجه في كتابه (السنن)، ونماذج منه

النسائي هو الإمام الحافظ الثبت, شيخ الإسلام, ناقد الحديث, أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب الخراساني النسائي صاحب السنن، ولد سنة خمس عشرة ومائتين، وسمع أئمة الحديث في عصره، وأثنى عليه العلماء ثناءً وافرًا، قال الحاكم: كلام النسائي على فقه الحديث كثير، ومن نظر في سننه تحير في حسن كلامه، وقال أبو علي النيسابوري: أخبرنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي، وقال الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره، وقال سعد بن علي الزنجاني: إن لأبي عبد الرحمن -أي: النسائي- شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم، قال الذهبي: صدق؛ فإنه ليَّن جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم.

قال الذهبي: ولم يكن أحد في رأس الثلاثمائة أحفظ من النسائي؛ هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ومن أبي داود ومن أبي عيسى الترمذي، وهو جارٍ في مضمار البخاري وأبي زرعة؛ إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي. وقال أبو عبد الله بن منده: الذين أخرجوا الصحيح, وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو عبد الرحمن النسائي.

وقال ابن حجر: قال ابن الصلاح: أطلق الخطيب والسلفي الصحة على كتاب النسائي، وقد أطلق عليه أيضًا الصحة أبو علي النيسابوري، وأبو أحمد بن عدي، وأبو الحسن الدارقطني، وابن منده، وعبد الغني بن سعيد، وأبو يعلى الخليلي، وغيرهم، وأطلق الحاكم اسم الصحة عليه وعلى كتاب أبي داود والترمذي.

وقال محمد بن سعد الباوردي: كان النسائي لا يقتصر في التخريج على المتفق على قبولهم؛ بل يخرج حديث من لم يجمع أئمة الحديث على تركه؛ حتى إنه يخرج للمجهولين حالًا وعينًا للاختلاف فيهم، وهو -كما قال العراقي- مذهب متسع.

قال ابن حجر: وما يروى عن النسائي أنه يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه, إنما أراد إجماعًا خاصًّا؛ وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط؛ فمن الأولى: شعبة وسفيان -وشعبة أشد منه- ومن الثانية: يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي -ويحيى أشد منه- ومن الثالثة: يحيى بن معين وأحمد -ويحيى أشد منه- ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري -وأبو حاتم أشد من البخاري- فقال النسائي: لا يُترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه؛ فإذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان مثلًا؛ فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد.

قال ابن حجر: وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن أن مذهب النسائي في الرجال متسع؛ ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه! بل تجنب النسائي إخراج أحاديث جماعة من رجال الصحيحين، ومن هنا قال سعد بن علي الزنجاني: إن لأبي عبد الرحمن شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم، قال ابن حجر: وفي الجملة؛ كتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثًا ضعيفًا ورجلًا مجروحًا، وقال البرقاني: هذه أسماء رجال تكلم فيهم النسائي ممن أخرج له الشيخان في صحيحيهما، سألت عنهم أبا الحسن الدارقطني، ودوَّن كلامه في ذلك. وقال أحمد بن محبوب الرملي: سمعت النسائي يقول: لما عزمت على جمع (السنن) استخرتُ الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء؛ فوقعت الخيرة على تركهم، فتنزلت في جملة من الحديث كنت أعلو فيها عنهم -أي: عمّن أخرج لهم.

وقال الحافظ أحمد بن نصر شيخ الدارقطني: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؛ كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة؛ فما حدّث منها بشيء؟! قال ابن حجر: وكان عنده عاليًا عن قتيبة عنه ولم يحدث به, لا في (السنن) ولا في غيرها، وقال النسائي: كتاب (السنن) كله صحيح وبعضه معلول، قال محمد بن معاوية الأحمر: إلا أنه لم يبين علته، والمنتخب منه المسمى بـ(المجتبى) صحيح كله، وقال ابن رشيد: كتاب النسائي أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفًا وأحسنها ترصيفًا, وكأن كتابه جامع بين طريقتي البخاري ومسلم مع حظ كبير من بيان العلل، قال: وفي الجملة؛ فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثًا ضعيفًا ورجلًا مجروحًا، ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي.

وبيَّن ابن رجب بعض كلام النسائي على الرجال, فقال: قال أحمد: كل من روى عنه مالك فهو ثقة، قال النسائي: لا نعلم مالكًا روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله؛ فإنه روى عنه حديثًا، وعن عمرو بن أبي عمرو -وهو أصلح من عاصم- وعن شريك بن أبي نمر -وهو أصلح من عمرو- قال: ولا نعلم مالكًا حدث عن أحد يترك حديثه, إلا عن عبد الكريم بن أبي أمية.

وقد صنف النسائي كتاب (السنن الكبرى) مشتملًا على الصحيح والمعلول، قالوا: لما صنف النسائي (السنن الكبرى) أهداها إلى أمير الرملة، فقال له: أكلُّ ما في هذا صحيح؟ قال: لا، قال: فجرد الصحيح منه، فصنف له (المجتبى)، وقيل: (المجتبى) لتلميذه ابن السني.

error: النص محمي !!