Top
Image Alt

النفاق وظهوره في المدينة المنورة

  /  النفاق وظهوره في المدينة المنورة

النفاق وظهوره في المدينة المنورة

يذكر لنا الصالحي الشامي صاحب كتاب (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد) بعض طوائف المنافقين الذين انضافوا إلى اليهود، وبعض أمور دارت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه  وسلم، ويذكر لنا هذا المرجع الهام أن ابن إسحاق وجماعة من مؤرخي السيرة ذكروا أسماء المنافقين، وهو يقول: “أنا أذكر هنا بعض من نزل القرآن الكريم بكشف حاله، وقبل ذلك أقدم معنى النفاق. فالنفاق: اسم إسلامي، لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به”. والنفاق: هو فعل المنافق الذي يستر كفره، ويظهر إيمانه، كما يتستر الرجل بالنفق الذي هو السرب، فقيل هذا في اشتقاقه، وقيل: بل هو من قولهم: نافق اليربوع، إذا دخل في قصعائه، وخرج من نفقائه وبالعكس، فهو يرقق أقصى النافقاء -يعني إحدى حجراته- ويكتمها ويظهر غيرها، وله جحر فمن أيها قصد دخل وخرج من الأخرى، فكذلك المنافق يدخل في الإيمان من جهة، ويخرج من جهة أخرى، فعل هذا اليربوع، فاشتقت كلمة النفاق مع هذا الفعل، لكن هذا لا يعنينا كثيرًا، الذي يعنينا أن المنافق ظاهره إيمان، وباطنه كفر، ومحل النفاق القلب، فالنفاق كما يقول الشريف الجرجاني: إظهار الإيمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب.

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه  وسلم المدينة أسلم بشرٌ كثيرٌ ممن أراد الله عز وجل هدايتهم، وانضاف إلى اليهود أناسٌ من الأوس والخزرج مما كان أمر أمرًا في الجاهلية، فكانوا أهل نفاق، على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه، فتظاهروا بالإسلام، واتخذوه جنة من القتل، ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود؛ لتكذيبهم برسول الله صلى الله عليه  وسلم وجحودهم الإسلام.

وقد ذكر الله عز وجل أخبار المنافقين في سورة براءة وغيرها، وسيأتي حديث عن السور التي تحدثت عن النفاق وعن المنافقين، من بين هؤلاء المنافقين المشهورين هذا الرجل الذي يلقب بالجلاس بن سويد بن الصامت، يقول عنه ابن إسحاق: وكان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم في غزوة تبوك، وروى ابن إسحاق وغيره، قالوا: لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين؛ قال الجلاس: والله لئن كان هذا الرجل صادقًا على إخواننا الذين هم سادتنا وخيارنا لنحن شر من الحمير، فسمعها عمير بن سعد رضي الله  عنه وكان في حجر جلاس، خلف على أمه بعد أبيه، فقال له عمير: والله يا جلاس، إنك لأحب الناس إلي وأحسنه عندي يدًا، وأعزه علي أن يصيبه شيء يكرهه، ولئن قلت مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنك، ولئن صمت ليهلكن ديني، ولإحداهما أيسر علي من الأخرى، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم فذكر ما قال له جلاس، فأرسل رسول الله صلى الله عليه  وسلم إليه، فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه  وسلم: “لقد كذب عليّ عمير، وما قلت ما قال عمير”، فقال عمير: “بل والله قلته فتب إلى الله  سبحانه وتعالى، ولولا أن ينزل قرآنٌ فيجعلني معك ما قلتُه”، فجاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم فسكتوا، لا يتحرك أحد -وكذلك كانوا يفعلون، لا يتحركون إذا نزل الوحي- فرفع عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم فقال بعد “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” في سورة براءة: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير} [ [التوبة: 74]، عندئذ قال جلاس: “قد قلته، وقد عرض الله علي التوبة، فأنا أتوب”، فقبل ذلك منه، وكان همّ أن يلحق بالمشركين. وقال ابن سيرين: لما نزلت هذه الآية أخذ النبي صلى الله عليه  وسلم بأذن عمير: ((يا غلام، وفت أذنك وصدقك ربك)).

error: النص محمي !!