Top
Image Alt

الوجه الثاني: ترجيح الحديث المثبِت للحكم على الحديث النافي له

  /  الوجه الثاني: ترجيح الحديث المثبِت للحكم على الحديث النافي له

الوجه الثاني: ترجيح الحديث المثبِت للحكم على الحديث النافي له

أولًا: حديث ابن عمر في إثبات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة.

وبالمثال يتضح المقال: روى الإمام مالك في (موطئه) والبخاري ومسلم في (صحيحيهما) من طريقه عن نافع.

عن عبد الله بن عمر ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وبلال بن رباح وعثمان بن طلحة الحجبي، فأغلقها عليه ومكث فيها قال عبد الله: فسألت بلالًا حين خرج ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: جعل عامودًا عن يمينه وعامودين عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة ثم صلى))، رواه مالك في (موطئه).

بهذا الإسناد واللفظ في كتاب الحج، باب الصلاة في البيت وقصر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة، الحديث الثالث والتسعون ومائة، الجزء الأول الصحيفة الثامنة والتسعون وثلاثمائة، والبخاري في (صحيحه) كتاب الصلاة باب الصلاة بين السوار في غير جماعة، الحديث الخامس وخمسمائة، الجزء الأول الصحيفة الثامنة والثمانون وستمائة إلى الصحيفة التاسعة والثمانين وستمائة.

ومسلم في (صحيحه) كتاب الحج باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيها، والدعاء في نواحيها كلها، الحديث الثامن والثمانون وثلاثمائة، الجزء الثاني الصحيفة السادسة والستون وتسعمائة.

ثانيًا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما في نفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة، أخرج الإمام مسلم في (صحيحه) من طريق عطاء بن أبي رباح المكي الفقيه.

عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وفيها ست سوار، فقام عند سارية فدعا ولم يصل))، رواه مسلم في (صحيحه)، كتاب الحج باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلها، الحديث السادس والتسعون وثلاثمائة، الجزء الثاني الصحيفة الثامنة والستون وتسعمائة.

ورواه البخاري في (صحيحه) من وجه آخر من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما مطولًا، وفي آخره: ((فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه))، رواه البخاري في (صحيحه) كتاب الحج، باب من كبر في نواحي الكعبة، الحديث الواحد بعد الستمائة وألف، الجزء الثالث الصحيفة السابعة والأربعون وخمسمائة.

وفي كتاب (المغازي) باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، الحديث الثامن والثمانون ومائتان وأربعة آلاف مطولًا الجزء السابع، الصحيفة التاسعة بعد الستمائة.

وجه ترجيح حديث ابن عمر رضي الله عنهما على حديث ابن عباس رضي الله عنهما: هذه واقعة واحدة وقعت في يوم فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة بلا خلاف، ولم تقع في حجة الوداع، وقد أثبت فيها ابن عمر رضي الله عنهما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة بين أعمدتها الستة، ونفي الصلاة داخل الكعبة ابن عباس رضي الله عنهما.

والراجح فيها حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأنه مثبت وغيره ناف ورواية المثبت تقدم على النافي؛ لأن مع المثبت زيادة علم ليست مع النافي، أضف إلى ذلك أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل الكعبة، وإنما روى النفي عن أسامة بن زيد مرة، ورواه عن أخيه الفضل بن العباس مرة أخرى.

وسبب نفي أسامة رضي الله عنه مع أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، يشرحه الإمام النووي في (شرحه على صحيح مسلم) بقوله: أما نفي أسامة فسببه أنهم لما دخلوا الكعبة أغلقوا الباب واشتغلوا بالدعاء، فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ثم اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت، والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى، وبلال قريب منه.

ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه بلال لقربه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله، وكانت صلاة خفيفة فلم يرها أسامة لإغلاق الباب مع بعده واشتغاله بالدعاء وجاز له نفيها عملًا بظنه، وأما بلال فحققها فأخبر بها، والله أعلم.

واختلف العلماء في الصلاة في الكعبة إذا صلى متوجهًا إلى جدار منها، أو إلى الباب وهو مردود، فقال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد والجمهور: تصح فيها صلاة النفل وصلاة الفرض.

وقال مالك: تصح فيها صلاة النفل المطلق، ولا يصح الفرض ولا الوتر ولا ركعة الفجر ولا ركعة الطواف. انتهى كلام الإمام النووي في (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، الجزء التاسع الصحيفة الثانية والثمانون إلى الصحيفة الثالثة والثمانين، وانظر أيضًا (فتح الباري بشرح البخاري)، الجزء الثالث الصحيفة السابعة والأربعون وخمسمائة إلى الصحيفة الثامنة والأربعين وخمسمائة. (الواضح في أصول الفقه) لابن عقيل الحنبلي، الجزء الخامس الصحيفة التسعون إلى الصحيفة الحادية والتسعين.

error: النص محمي !!