الوجوه والنظائر في القرآن الكريم
1. معنى الوجوه والنظائر:
قبل أن نتحدثَ عن أمثلة للوجوه والنظائر -كما سيأتي- نود أن نعرف أولًا ما المراد بالوجوه والنظائر.
الوجوه يقال للفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معانٍِ كلفظ الأمة. وقد ذكر الإمام السيوطي -رحمه الله تبارك وتعالى- في كتابه (الإتقان) أنه أفرد في هذا الفن كتابًا سماه (معترك الأقران في مشترك القرآن) كما صنف أيضًا مقاتل بن سليمان في هذا المبحث من مباحث علوم القرآن، ومِمَّن صنَّفَ فيه من المتأخرين الإمام ابن الجوزي، وابن الدامغاني، وأبو الحسين محمد بن عبد الصمد المصري، وابن فارس، وآخرون.
أما معنى كلمة النظائر: فالنظائر كالألفاظ المتواطئة، وقيل: النظائر في اللفظ، والوجوه في المعاني، وضُعِّفَ هذا؛ لأنه لو أريد هذا لكان الجمع في الألفاظ المشتركة، وهم يذكرون في تلك الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة؛ فيجعلون الوجوهَ نوعًا لأقسام، والنظائر نوعًا آخر، وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن الكريم؛ حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف إلى عشرين وجهًا وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك في كلام البشر، وهذا بلا شك لون من ألوان إعجاز القرآن الكريم، بل يبرز مكانةَ اللغة العربية بإطلاق، ويبين أنها لغةٌ حيةٌ كلماتها كثيرة؛ بحيث أننا يمكننا أن نؤدي المعاني الكثيرة والكلمات المتعددة على الشيء الواحد.
وقد ذكر مقاتل في صدر كتابه حديثًا مرفوعًا: ((لا يكون الرجل فقيهًا كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهًا كثيرةً)) قال السيوطي -رحمه الله-: هذا الحديث أخرجه ابن سعد وغيره عن أبي الدرداء موقوفًا، ولفظه: ((لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الفِقْهِ)) وقد فسَّرَهُ بعضهم: بأن المراد أن يُرى اللفظ الواحد يحتمل معاني متعددة، فيحمله عليها إذا كانت غير متضادة ولا يقتصر بها على معنى واحد.
وأشار آخرون إلى أن المراد به: استعمال الإشارات الباطنة، وعدم الاقتصار على التفسير الظاهر.
ولا شك أن هذا كلام ليس بسديد؛ لأن ما المراد بالإشارات الباطنة؟! والقرآن الكريم جاءنا صريحًا واضحًا بينًا بينه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم وهذا في الحقيقة من كلام المتصوفة.
وأشار آخرون إلى أن المراد به: استعمال الإشارات الباطنة وعدم الاقتصار على التفسير الظاهر -كما ذكرت- وقلت: بأن هذا الكلام في الحقيقة عليه بعض الملاحظات، وقد أخرجه ابن عساكر – أعني: الحديث الذي رفعه مقاتل آنفًا- من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء، قال: ((إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهًا)) قال حماد: فقلت لأيوبَ: أرأيت قوله: ((حتى ترى للقرآن وجوهًا)) وهو أن يرى له وجوهًا فيهاب الإقدام عليه؟ قال: نعم، هو هذا.
وأخرج ابن سعد من طريق عكرمة عن ابن عباس، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أرسله إلى الخوارج، فقال: “اذهب إليهم فخاصمْهُم ولا تحاجهم بالقرآن؛ فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة”، وأخرج من وجهٍ آخرَ: أن ابن عباس رضي الله عنه قال له: “يا أمير المؤمنين، فأنا أعلم بكتاب الله منهم؛ في بيوتنا نزل، قال: صدقتَ، ولكنَّ القرآنَ حمالٌ ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسنن، فإنهم لن يجدوا عنها محيصًا”. فخرج إليهم فخاصمهم بالسنن؛ فلم تبقَ بأيديهم حجة.
ومعنى هذا الكلام الذي ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه أن القرآن يحتمل وجوهًا متعددة والسنة تبين المرادَ من القرآن الكريم؛ لأن الآيات قد تأتي فيه مجملة فتأتي السنة بالتفصيل، وغير ذلك كما هو معلوم.
2. أمثلة للوجوه والنظائر في القرآن الكريم:
وقد وقفت على أمثلة كثيرة لهذا النوع في القرآن الكريم، فمثلًا لفظ أو كلمة “الهُدى” هذه الكلمة تأتي في القرآن الكريم على سبعة عشر وجهًا، تأتي بمعنى الثبات كما في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] كما تأتي بمعنى البيان كما في قوله: {أُوْلَـَئِكَ عَلَىَ هُدًى مّن رّبّهِمْ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] وتأتي بمعنى الدين كما جاء في قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْمِنُوَاْ إِلاّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنّ الْهُدَىَ هُدَى اللّهِ} [آل عمران: 73] وتأتي لفظةُ “الهدى” في القرآن الكريم بمعنى الإيمان كما في قوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللّهُ الّذِينَ اهْتَدَواْ هُدًى} [مريم: 76] يعني: إيمانًا، وتأتي بمعنى الدعاء: {إِنّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] يعني: داع، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73] يعني: يدعون إلى الله -تبارك وتعالى- بأمرنا، وبمعنى الرسل والكتب كما في قوله: {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مّنّي هُدًى} [البقرة:38] يعني: يأتيكم من عند الله عز وجل إما رسول وإما كتاب.
كما يأتي “الهدى” في القرآن الكريم بمعنى المعرفة كما في قوله: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] يعني: يعرفون. ويأتي أيضًا بمعنى النبي صلى الله عليه وسلم كما في قوله: {إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالْهُدَىَ مِن بَعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ} [البقرة: 159] يعني: ما نزل من البينات القرآن الكريم، والهدى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مُرْسَلٌ من قِبَلِ الله -تبارك وتعالى-.
كما أن “الهدى” تأتي في القرآن الكريم بمعنى القرآن، ومنه قول الله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْمَآءٌ سَمّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مّآ أَنَزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [النجم: 23] وتأتي أيضًا بمعنى التوراة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىَ وَأَوْرَثْنَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} [غافر: 53] يعني: التوراة. وأيضًا تأتي بمعنى الاسترجاع كما في قوله تعالى: {أُولَـَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مّن رّبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] وبمعنى الحجة، كما في قوله تعالى: {فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} [البقرة: 258] وبعد قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبّهِ} [البقرة: 258]، ويصبح المعنى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبّهِ}، يعني: لا يهديهم حجة.
ويأتي “الهدى” أيضًا بمعنى التوحيد: {وَقَالُوَاْ إِن نّتّبِعِ الْهُدَىَ مَعَكَ نُتَخَطّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكّن لّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىَ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ} [القصص: 57]يعني: أن نتبع التوحيد. وتأتي هذه الكلمة بمعنى السنة، كما في قوله تعالى: {أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] في قوله: {بَلْ قَالُوَاْ إِنّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىَ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَىَ آثَارِهِم مّهْتَدُونَ} [الزخرف: 22] وتأتي بمعنى الإصلاح: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف: 52] يعني: لا يصلح كيد الخائنين، وبمعنى الإلهام كما في قوله تعالى: {قَالَ رَبّنَا الّذِيَ أَعْطَىَ كُلّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَىَ} [طه:50] يعني: ألهمه هداه أو معاشه.
وتأتي “الهدى” بمعنى التوبة كما في قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـَذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ إِنّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ} [الأعراف: 156] يعني: تبنا إليك، وتأتي بمعنى الإرشاد ومنه قوله تعالى: {وَلَمّا تَوَجّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىَ رَبّيَ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السّبِيلِ} [القصص: 22]، يعني: أن يرشدني.
ومن ذلك أيضًا كلمة “السوء”، هذه الكلمة تَأْتِي على أوجهٍ في القرآنِ الكريمِ، تأتي بمعنى الشدة، كما في قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ} [البقرة: 49] يعني: شدة العذاب، وتأتي بمعنى العقر، كما في قوله تعالى: {وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73] يعني: لا تعقروها وتذبحوها، وتأتي بمعنى الزنا كما في قوله تعالى: {وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]، ومنه قوله تعالى: {يَأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمّكِ بَغِيّاً} [مريم: 28] يعني: زنا، وتأتي بمعنى البرص كما في قوله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىَ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوَءٍ آيَةً أُخْرَىَ} [طه: 22] وتأتي بمعنى العذاب: {ثُمّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقّونَ فِيهِمْ} [النحل: 27] يعني: العذاب، وتأتي بمعنى الشرك كما في قوله: {الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السّلَمَ مَا كُنّا نَعْمَلُ مِن سُوَءٍ} [النحل: 28] يعني: من شرك.
وتأتي بمعنى الشدة: {لاّ يُحِبّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 148]، وأيضًا في قوله: {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوَاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسّوَءِ} [الممتحنة: 2] تفيد هذا المعنى، ويأتي بمعنى الذنب، ومنه قوله تعالى: {إِنّمَا التّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} [النساء: 17] يعني: الذنب، وبمعنى بئس كما في قوله: {أُوْلَـَئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوَءُ الدّارِ} [الرعد: 25] وبمعنى الضُّر، كما في قوله: {أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السّوَءَ} [النمل: 62] يعني: الضر الذي نزل بالعباد، وأيضًا: {وَمَا مَسّنِيَ السّوَءُ} [الأعراف: 188] يعني: الضر، كما يأتي بمعنى القتل والهزيمة: {لاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وّيُحِبّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنّهُمْ بِمَفَازَةٍ مّنَ الْعَذَابِ} [آل عمران: 188]، يعني: لم يقتلوا ولم يهزموا.
ومن الكلمات التي تأتي على أوجهَ متعددة في القرآن الكريم كلمة “الصلاة” فالصلاة تأتي بمعنى الصلوات الخمس، ومنه قوله تعالى: {إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ} [المائدة: 55] وتأتي بمعنى صلاة العصر، كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين في قول الله تعالى: {يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106]، قالوا: المراد بالصلاة هنا العصر خاصة، وأيضًا تأتي هذه الكلمة بمعنى صلاة الجمعة كما في قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ} [الجمعة: 9] وتأتي بمعنى الجنازة: {وَلاَ تُصَلّ عَلَىَ أَحَدٍ مّنْهُم مّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [التوبة: 84]، وبمعنى الدعاء كما في قوله: {وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لّهُمْ} [التوبة: 103].
وتأتي بمعنى الدين كما في قوله: {قَالُواْ يَشُعَيْبُ أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ} [هود: 87] أي: دينك، وبمعنى القراءة: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء: 110]، يعني: ولا تجهر بقراءتك، وتأتي بمعنى الرحمة والاستغفار، وهذا كما في قوله تعالى: {إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] كما تأتي أيضًا بمعنى مواضع الصلاة، وذلك في قول الله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللّهِ كَثِيراً} [الحج: 40] أو: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ} [النساء:43].
كما أن كلمة “الرحمة” تأتي على أوجه متعددة، فكلمة “الرحمة” تأتي ويراد بها الإسلام كما في قوله تعالى: {يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران: 74]، يعني: بالإسلام، وتأتي أيضًا بمعنى الإيمان، كما في قوله تعالى: {قَالَ يَقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيّنَةٍ مّن رّبّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مّنْ عِندِهِ} [هود: 28]، أي: إيمانًا، وتأتي الرحمة بمعنى الجنة، كما في قوله تعالى: {وَأَمّا الّذِينَ ابْيَضّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] يعني: في جنة الله، وتأتي بمعنى المطر كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] وتأتي بمعنى النعمة كما في قوله: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنّ اللّهَ تَوّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10] يعني: ولولا فضل الله عليكم ونعمته.
كما تأتي الرحمة بمعنى النبوة، وهذا في قوله تعالى: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ} [ص: 9] ومنه قوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ} [الزخرف: 32] وجاءت هذه الآية الأخيرة ردًّا على من طعن في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من البشر، ويفعل ما يفعله البشر، وكان هذا من باب الحقد والحسد على النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أن كلمة الرحمة تأتي بمعنى الرزق، ومنه قوله تعالى: {قُل لّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبّي} [الإسراء: 100] وبمعنى النصر والفتح، كما في قوله: {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوَءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: 17] لأنها كانت في موقف القتال، فمعنى أراد بكم رحمة، يعني: نصرًا وفتحًا، وتأتي أيضًا بمعنى العافية: {إِنْ أَرَادَنِيَ اللّهُ بِضُرّ هَلْ هُنّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [الزمر:38] يعني: بعافية، وتأتي الرحمة بمعنى المودة كما في قوله تعالى {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رّحْمَتِهِ} [الحديد: 27] وأيضًا في قوله تعالى: {أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وصفًا للصحابة وهذه الكلمة تفيد المودة.
كذلك أيضًا تأتي بمعنى السِّعَة كما جاء في قوله تعالى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مّن رّبّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] وبمعنى المغفرة كما في قوله تعالى: {قُل لّمَن مّا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُل للّهِ كَتَبَ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ} [الأنعام: 12] وتأتي بمعنى العصمة، كما في قوله تعالى: {قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَن رّحِمَ} [هود: 43].
وأيضًا كلمة الفتنة أتت في القرآن الكريم على وجوه متعددة، فجاءت الفتنة بمعنى الشرك في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] يعني: الشرك، ومنه قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]، يعني: لا يكون الشرك، وتأتي الفتنة بمعنى الإضلال كما في قوله: فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] وتأتي أيضًا بمعنى القتل، كما في قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الّذِينَ كَفَرُوَاْ} [النساء: 101] يعني: أن يقتلونكم، وتأتي بمعنى الصدِّ، كما في قوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ} [المائدة: 49] يعني: يصدوك. وتأتي الفتنة بمعنى الضلالة كما في قوله تعالى: {وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً} [المائدة: 41]، وتأتي بمعنى المعذرة: {ثُمّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَن قَالُواْ} [الأنعام: 23] وبمعنى القضاء كما في قوله: {إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ} [الأعراف:155] وبمعنى الإثم كما في قوله تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49] يعني: في الإثم سقطوا.
وتأتي بمعنى المرض، كما في قوله تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عَامٍ مّرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ} [التوبة: 126] وتأتي كلمة الفتنة بمعنى العبرة، كما في قوله تعالى: {رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} [يونس: 85] يعني: عبرة، كما تأتي بمعنى العقوبة، وهذا كما في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] يعني: عقوبة، وتأتي بمعنى الاختبار، كما جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [العنكبوت: 3] يعني: اختبرناهم. وتأتي بمعنى العذاب كما في قوله تعالى: فَإِذَآ أُوذِيَ فِي اللّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ} [العنكبوت: 10] وبمعنى الإحراق كما في قوله: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] يعني: يحرقون، وتأتي بمعنى الجنون كما في قوله: {بِأَيّكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6].
وهذا كله في الحقيقة يبين معاني بعض آيات القرآن الكريم، وأن كلمات القرآن الكريم تأتي على وجوهٍ مختلفةٍ متعددةٍ، وهذا مما نشيد به في كتاب ربنا، وقد قال ابن فارس -رحمه الله- في كتاب (الأفراد): كل ما في كتاب الله من ذكر الأسف فمعناه الحزن. وهذا في الحقيقة كلام دقيق جميل، يبين معاني عظيمة في كتاب الله -تبارك وتعالى- كقوله تعالى في قصة يعقوب عليه السلام: {وَتَوَلّىَ عَنْهُمْ وَقَالَ يَأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] إلا قوله تعالى: {فَلَمّآ آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف: 55] فإن معناه: أغضبونا، وأما قوله في قصة موسى عليه السلام: {آسَفُونَا} فقال ابن عباس رضي الله عنه “مغتاظًا”.
وكل ما في القرآن الكريم من ذكر البروج؛ فإنها الكواكب كقوله تعالى: {وَالسّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] إلَّا التي في صورة النساء في قوله: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مّشَيّدَةٍ} [النساء: 78] فإنها القصور الطوال المرتفعة في السماء الحصينة.
ثم قال ابن فارس -رحمه الله-: “وما في القرآن الكريم من ذكر البر والبحر؛ فإنه يراد بالبحر الماء، والبر التراب اليابس، غير واحدٍ في سورة الروم، وهو ما جاء في قول الله -تبارك وتعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ} [الروم: 41] فإنه بمعنى: البرية والعمران.
وقال بعض علمائنا في البر: قتل ابن آدم أخاه، وفي البحر: أخذ الملك كل سفينة غصبًا.
والبخس في القرآن الكريم: هو النقص، مثل قوله تعالى: {فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} [الجن: 13] يعني: فلا يخاف نقصًا، إلا حرفًا واحدًا في سورة يوسف، يعني: إلَّا مكانًا واحدًا، وهو قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20]. فإن أهل التفسير قالوا: بخس يعني: حرامًا.
وما في القرآن من ذكر البعل فهو الزوج، كقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنّ أَحَقّ بِرَدّهِنّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوَاْ إِصْلاَحاً} [البقرة: 228] إلا حرفًا واحدًا في الصافات، وهو قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات: 125] يعني: أراد صنمًا.
وما في القرآن الكريم من ذكر البكم فهو الخرس عن الكلام بالإيمان كقوله تعالى: {صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18] إنما أراد: {صُمّ} عن النطق والتوحيد مع صحةِ ألسنتِهِم، يعني: أنهم صموا وأخرسوا عن النطق بكلمة الإيمان إلَّا حرفين -يعني: موطنين- أحدهما: في سورة بني إسرائيل: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء: 97]. والموضع الثاني في سورة النحل في قوله عز وجل: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ} [النحل: 76] فإنهما في هذين الموضعين اللذين لا يقدران على الكلام.
وكل حرف أيضًا في القرآن “حسبان” فهو من العدد، إلا ما جاء في كلمة واحدة في سورة الكهف: {فعسَىَ رَبّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مّن جَنّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مّنَ السّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} [الكهف: 40]، فإنه بمعنى العذاب، وكل ما في القرآن الكريم حسرة فهو الندامة، كقوله عز وجل: {يَحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مّن رّسُولٍ إِلاّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس: 30] إلا التي في سورة آل عمران، وهي في قوله تعالى: {لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 156] معناها: حزنًا في قلوبهم، وليست بمعنى الندامة.
وكل شيء في القرآن جاء بكلمة الدحض والداحض فمعناه الباطل، وذلك كقوله تعالى: {وَالّذِينَ يُحَآجّونَ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا اسَتُجِيبَ لَهُ حُجّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} [الشورى: 16] يعني: باطلة إلا التي في سورة الصافات: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141].
وكل حرف في القرآن الكريم من رجز فهو العذاب، كقوله تعالى في قصة بني إسرائيل: {وَلَمّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرّجْزُ قَالُواْ يَمُوسَىَ ادْعُ لَنَا رَبّكَ} [الأعراف: 134] يعني: العذاب، إلا ما جاء في سورة المدثر: {وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] فإنه يعني الصنمَ، فاجتنبوا عبادته. وكل شيء في القرآن الكريم من ريب فهو بمعنى الشك، إلا ما جاء في كلمة واحدة، وهي قول الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نّتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور: 30] فإنه يراد بها حوادث الدهر، وليس الشك.
وكل شيء في القرآن الكريم بلفظ: “يرجمنكم، أو يرجموكم” فهو القتل، إلَّا التي في سورة مريم -عليها السلام-: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَإِبْرَاهِيمُ لَئِن لّمْ تَنتَهِ لأرْجُمَنّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} [مريم: 46] يعني: لأشتمنك، وقوله: {رَجْماً بِالْغَيْبِ} [الكهف: 22] أي: ظنًّا، والرجم أيضًا الطرد واللعن، ومنه قيل للشيطان: رجيم. وكل شيء في القرآن من كلمة زور فهو الكذب. ويراد به الشرك غير التي في سورة المجادلة: {وَإِنّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ} [المجادلة: 2] فإنه كَذب غير شرك، وكل شيء في القرآن من كلمة زكاة فهو المال، إلا التي في سورة مريم: {وَحَنَاناً مّن لّدُنّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً} [مريم: 13] يعني: تَعَطُّفًا، وكل شيء في القرآن الكريم من “زاغوا، ولا تزغ”، فإنه من: مالوا، غير واحد في سورة الأحزاب: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10] بمعنى: شخصت الأبصار.
وكل شيء في القرآن الكريم من: “يسخرون” و”سخرنا” فإنه يراد به الاستهزاء، إلا التي في سورة الزخرف: {لّيَتّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32] فإنه أراد: أعوانًا وخدمًا، وكل سكينة في القرآن الكريم طمأنينة في القلب، إلَّا ما جاء في سورة البقرة في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيّهُمْ إِنّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ} [البقرة: 248]، فإنه يعني: شيئًا كرأس الهِرة، لها جناحان كانت في التابوت.
وكل شيء في القرآن الكريم من ذكر السعير، فهو النار والوقود، إلا ما جاء في قول الله عز وجل: {إِنّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} [القمر: 47] فهنا جاء بمعنى العناد، وكل شيء في القرآن من ذكر شيطان فإنه إبليس وجنوده وذريته، إلَّا ما جاء في قول الله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذَا لَقُواْ الّذِينَ آمَنُواْ قَالُوَا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىَ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوَاْ إِنّا مَعَكْمْ} [البقرة: 14] فإنه يريد كهنتهم، وذلك مثل: كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، وأبي ياسر -أخيه.
وكل شهيد في القرآن الكريم غير القتلى في الغزو، فهم الذين يشهدون على أمور الناس، إلا التي في سورة البقرة، وهي ما جاء في قوله تعالى: {وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23] فإنه يريد: شركاءكم. وكل ما في القرآن الكريم من أصحاب النار فهم أهل النار، إلَّا ما جاء في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النّارِ إِلاّ مَلاَئِكَةً} [المدثر: 31] فإنه يريد خزنتها.
والقانتون في القرآن الكريم بمعنى المطيعون، إلا ما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة: {كُلّ لّهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116] فإن معناه: مُقِرُّونَ. وكذلك ما جاء في سورة الروم: {وَلَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلّ لّهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26]، يعني مُقِرُّونَ بالعبودية، وكل كَنز في القرآن الكريم فهو المال، إلا الذي جاء في سورة الكهف: {وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مّن رّبّكَ} [الكهف: 82] فإنه أراد به صحفًا وعلمًا.
وكل مِصباح في القرآن الكريم فهو الكوكبُ، إلَّا الذي في سورة النور: {الزّجَاجَةُ كَأَنّهَا كَوْكَبٌ دُرّيّ} [النور: 35] فإنه أراد به السراج، والنكاح في القرآن الكريم هو التزوج، إلَّا ما جاء في قوله سبحانه: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَىَ حَتّىَ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ} [النساء: 6] فإنه يعني به: الحلمَ. والنبأ والأنباء في القرآن بمعنى الأخبار، إلا ما جاء في قوله تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ} [القصص: 66] يعني: الحُجَج، والورود في القرآن الكريم بمعنى الدخول، إلَّا ما جاء في سورة القصص: {وَلَمّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمّةً مّنَ النّاسِ يَسْقُونَ} [القصص: 23] فهو بمعنى: هَجَمَ عليه ولم يدخله، وكل شيء في القرآن من: {لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] يعني: عن العمل، إلَّا قوله تعالى: {لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق: 7] فهي بمعنى النفقة. وقد استمر ابن فارس -رحمه الله تبارك وتعالى- فذكر من ذلك الشيء الكثير.