انحصار التَّاريخ عند العرب في أخبار الماضين، وأحوال العرب قبل الإسلام ومراحل تطور الكتابة في التاريخ الإسلامي
رُسمت في أواخر القرن الثاني الهجري الأبواب الأساسية للتاريخ عند العرب، وانحصرت في أمور أربعة:
الأول: أخبار الماضين.
الثاني: أحوال العرب قبل الإسلام.
الثالث: السيرة النبوية المباركة.
الرابع: أخبار الدولة الإسلامية.
وفي أوائل القرن الثالث الهجري إلى أوائل القرن الرابع الهجري، لوحظت زيادة جوهرية في المادة التاريخية، مع دقة وتحرر في مصادرها زمن الدولة العباسية؛ ذلك لأن الدواوين التي بدأت في عهد الدولة الأموية استقرت زمن الدولة العباسية، ولا سيما ديوان الإنشاء، وديوان الجند، وديوان الخراج، وديوان البريد، واندفع المشتغلون بصناعة التاريخ، وفي نفس العصر قويت حركة الترجمة، كما كانت سهولة التنقل بين أرجاء الدولة الإسلامية المختلفة عاملًا مهمًّا ساعد المؤرخين على السفر طلبًا للرواية وأخذها عن الشيوخ، وتوفر بذلك مصدر هام للمؤرخين هو المشافهة والمشاهدة؛ ولهذا فقد حدّد مؤرخو القرن الثالث مصادر التاريخ في أربعة أشياء، هي:
الأول: كتب السيرة والأخبار. الثاني: السجلات الرسمية.
الثالث: الكتب المترجمة. الرابع: المشاهدة والمشافهة.
وهكذا أخذ التاريخ مظهره الرائع باعتباره من أجلّ علوم المسلمين، وأخذ المؤرخون مكانتهم بين علماء الدولة الإسلامية، كرجال لهم خطرهم في الحياة العامة سياسية أو غير سياسية.
وفي منتصف القرن الثالث الهجري بدأت الوحدة السياسية للدولة العباسية تتلاشى، وتحوّلت الدولة إلى دويلات يحكمها متغلبون أجناسهم مختلفة، وجرت اللامركزية السياسية إلى لامركزية أدبية، وتوزعت الثقافات على الأمصار بعد أن كانت الثقافة محصورة في مركز الخلافة وحدها، وكثر العلماء في الأمصار المختلفة كثرة عظيمة، وكل ذلك أثّر فيما ظهر ابتداء من منتصف القرن الثالث الهجري، من تواريخ محلية ومن كتب للتراجم والطبقات؛ خاصة مع استمرار سلسة التواريخ العامة مطردة من حيث انتهى الطبري، فوضع كل من المسعودي، وأبي الفداء، وابن مسكويه، وابن الأثير، وابن خلدون وغير هؤلاء، وضع كل هؤلاء مؤلفاتهم التاريخية. وبعد انهيار الخلافة العباسية، نحا المؤرخ الإسلامي منحى فلسفيًّا عميقًا، ويحاول معرفة علل الحوادث، وأسباب قيام الدول وعوامل سقوطها، ومظاهر العمران إلى غير ذلك.
وصل هذا الاتجاه ذروته على يدي ابن خلدون في مقدمة تاريخه الشهيرة، واستحقّ لهذا أن يكون ابن خلدون فيلسوف مؤرخي العرب قاطبةً, ثم أخيرًا أصبح علم التاريخ نفسه محلًّا للبحث والدراسة على يدي أمثال الصفدي والسخاوي، وغيرهم.
تلك لمحة سريعة عن تطور الكتابة التاريخية، وما مرت به من مراحل وأطوار بعد انفصالها عن السيرة النبوية المشرفة وعن علم الحديث، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.