انقضاء الإجارة
وانتهاء الإجارة بعدة أمور، بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، ولنبدأ أولًا بتعداد هذه الأمور التي تنتهي بها، وتنقضي بها الإجارة، ونذكر ما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه:
1. تنقضي الإجارة إذا كانت الإجارة محدد بمدة، وانتهت هذه المدة: كأن استأجر شخص سيارة لمدةِ شهر، وانتهى هذا الشهر؛ فتنتهي الإجارة بانتهاء الشهر، فانقضاء المدة في الإجارة المحددة بمدة معينة تنتهي بها هذه الإجارة، وهذا أمر لا خلاف عليه، إلا إذا كان هناك عذرٌ يقتضي مَدَّ هذه المدة لفترة يزول فيها هذا العذر.
كأن يؤجر شخص أرضًا لمدة سنة، وتنتهي هذه السنة في يوم كذا، وعندما جاء هذا اليوم كانت الأرض مشغولة بزرع لم يحصد بعد؛ فينبغي أن يزاد في هذه المدة، ويزاد في الأجرة إلى أن يُحْصَدَ هذا الزرع، وإلا تلف الزرع على صاحبه، وهذا لا تأتي به الشريعة: ((لا ضرر ولا ضرار))، والضرر لا يزال بضرر مثله، فلا ضرر على صاحب الأرض “المؤجر”، ولا ضرر على المستأجر في زرعه، فتزاد مدة معينة في مقابل أجر متفق عليه.
2. تنقضي الإجارة بهلاك العين المؤجرة: وهذا أيضًا لا خلاف فيه؛ لأن هلاك العين المؤجرة يفوت الانتفاع بها -مثلًا: لو أن شخصًا أجر سفينة، فغرقت هذه السفينة، أو أجَّرَ دارًا فتهدمت أو نحو ذلك- ذهاب العين، يعني: تلف العين التي تكون فيها المنفعة يؤدي إلى انقضاء الإجارة، وهذا أيضًا متفق عليه مثل انتهاء المدة تمامًا، وهو أمر منطقي.
3. أيضًا من أسباب انتهاء الإجارة: “الإقالة”، ومعناها: أن يتعاقد الشخص على استئجار شيء ثم يندم على هذا؛ لأنه تبين له أنه لا يحتاج إلى ذلك، فيطلب الإقالة، يعني: يطلب السماح بإنهاء هذا العقد من الطرف الآخر، فهل هذا جائز أو غير جائز؟
معلوم أن الإقالة في البيوع جائزة؛ فإنه إذا اشترى سلعة، وبعد أن اشتراها تبين له أنه في غير حاجة إليها، فمن الممكن أن يطلب الإقالة من الطرف الآخر، فهذا جائز في البيع، وجائز كذلك في الإجارة، وهذا أمر حثَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: ((من أقال بيعة أخيه أقال الله عثرته يوم القيامة))، رواه أبو داوود، وابن ماجه، والحاكم، من حديث أبي هريرة، وقال الحاكم: على شرط الشيخين.
وكذلك أن هذا الموضع موضع اتفاق، مثل انتهاء المدة، ومثل هلاك العين المستأجرة، ومثل الإقالة، إذا وافق الطرف الآخر.
والشرع ممثلًا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم يحث المؤمن على أن يقيل عثرة أخيه، فإن أجرت بيتًا، أو سيارة لشخص، وبعد أن اتفقتما على الأجرة، وتم التعاقد، جاء إليك يستسمحك في إنهاء هذا العقد؛ فلا بأس أن تقيل عثرته؛ لأنك إن فعلت ذلك؛ أقال الله عثرتك يوم القيامة.
4. انفساخ الإجارة بعذر: يعني: أن يكون هناك عذر يعتري أحد المتعاقدين.
والواقع: أن هناك بعض الأعذار قد تدعو إليها الحاجة؛ فلو أن شخصًا أجر شقة لمدة شهر في بلد ما؛ بحكم عمله، وفجأة نقل للعمل في بلد آخر، فلا تلزمه هذه الشقة؛ فينبغي فسخ هذه الإجارة لهذا العذر؛ لأننا لو منعنا انفساخ الإجارة لكل عذر، أو لأي عذر، فلا يجوز؛ فأن الناس يقعون في الحرج الشديد؛ إذ تدعو إليه الحاجة عند الحنفية.
فالحنفية يرون أنه ما دامت هناك حاجة لهذا؛ فلا بأس بفسخ هذا العقد وإنهاء هذه الإجارة، ويوافقهم المالكية في الأصل، لكن الحنفية يمتازون على المالكية، بأنهم توسعوا كثيرًا في هذه الأعذار.
بينما ذهب غير الحنفية وغير المالكية من الفقهاءن إلى عدم جواز فسخ عقد الإجارة لعذر، ما لم يكن هذا العذر شديدًا جدًّا يصل إلى درجة الوقوع في الحرج ودرجة الضرورات، وهذا في أضيق الحدود، وهم الشافعية والحنابلة، فضيقوا؛ لأنهم يرون أن عقد الإجارة مبني على الإلزام، وهو من العقود اللازمة التي لا يطرأ عليها الفسخ لمجرد عذر من الأعذار، فهذا السبب مختلف فيه.
5. من الأسباب أيضًا التي ينتهي بها عقد الإجارة الموت: “الفسخ بالموت”، يعني: هل تنتهي الإجارة بموت المؤجر، أو موت المستأجر؟
ذهب الحنفية إلى: أنه تنتهي الإجارة بموت المؤجر أو المستأجر؛ لأنها عندهم منفعة والمنفعة لا تورث، يعني: لا يحل ورثة المؤجر مكان المؤجر، ولا ورثة المستأجر مكان المستأجر؛ لأن هذه منفعة، والذي يورث إنما هو المال، والمنفعة ليست مالًا؛ لأن المال عندهم: هو ما يمكن حيازته، وادخاره لوقت الحاجة.
وذهب الجمهور من المالكية، والشافعية والحنابلة: إلى أن الإجارة لا تنقضي بموت أحد المتعاقدين لا المؤجر، ولا المستأجر، بل تستمر فمثلًا: إذا أجر شخص شقة لمدة عشر سنوات ومات المؤجر، أو مات المستأجر أثناء هذه المدة لا تنتهي الإجارة، إنما يحل الورثة للمورث مكان المورث “مكان المؤجر” إذا مات، أو يحل ورثة المستأجر مكان المستأجر إذا مات؛ فيحل ورثة كل منهما محل الآخر إلى انتهاء المدة، وذلك لأنهم يعتبرون المنافع أموالًا، والأموال عندهم: ما حيز هو أو أصله، والمنفعة عندهم أموال، ولا داعي للاستطراد، ورأي الجمهور، هو الرأي الصحيح أو الأقرب إلى الصواب.