Top
Image Alt

انقطاع أهل الصفة للعبادة، ومشاركتهم في أحداث المجتمع والجهاد، وصفة ملابس أهل الصفة وطعامهم، ومواساة النبي صلى الله عليه وسلم لهم

  /  انقطاع أهل الصفة للعبادة، ومشاركتهم في أحداث المجتمع والجهاد، وصفة ملابس أهل الصفة وطعامهم، ومواساة النبي صلى الله عليه وسلم لهم

انقطاع أهل الصفة للعبادة، ومشاركتهم في أحداث المجتمع والجهاد، وصفة ملابس أهل الصفة وطعامهم، ومواساة النبي صلى الله عليه وسلم لهم

أ. انقطاع أهل الصُّفَّة للعبادة، ومشاركتهم في أحداث المجتمع والجهاد:

كان أهل الصُّفَّة المستقرين في صُّفَّتهم بمسجد الرسول صلى الله عليه  وسلم ينقطعون للعلم، ويعتكفون في المسجد للعبادة، ويألفون حياة الفقر والزهد؛ فكانوا في خلوتهم يًُصَلُّوْن، ويقرءون القرآن، ويتدارسون آياته، ويذكرون الله  سبحانه وتعالى، ويتعلم بعضهم الكتابة، حتى أهدى أحدهم قوسه لعبادة بن الصامت رضي الله  عنه؛ لأنه كان يعلمهم القراءة والكتابة.

واشتهر بعضهم بالعلم وحفظ الحديث عن النبي صلى الله عليه  وسلم مثل أبي هريرة  رضي الله  عنه الذي عُرف بكثرة تحديثه، ومثل حذيفة بن اليمان الذي اهتم بأحاديث الفتن.

لكن انقطاع أهل الصُّفَّة للعلم والعبادة لم يعزلهم عن المشاركة في أحداث المجتمع والإسهام في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وكان منهم الشهداء ببدر، مثل: صفوان بن بيضاء، وخريم بن فاتك الأسدي، وخبيب بن يساف، وسالم بن عمير، وحارثة بن النعمان الأنصاري، ومنهم من استشهد بأُحد مثل: حنظلة الغسيل، ومنهم من شهد الحديبية مثل: جرحد بن خويلد، وأبي صريحة الغفاري، ومنهم من استشهد بخيبر مثل: سقف بن عمرو، ومنهم من استشهد بتبوك مثل: عبد الله ذي البجادين، ومنهم من استشهد باليمامة مثل: سالم مولى أبي حذيفة، وزيد بن الخطاب. هكذا كانوا رهبانًا في الليل، لكنهم كانوا -أيضًا. فرسانًا في النهار.

ب. صفة ملابس أهل الصُّفَّةِ وطعامهم، ومواساة النبي صلى الله عليه  وسلم لهم:

ولم يكن لأهل الصُّفَّةِ من الملابس ما يقيهم من البرد أو يسترهم سترًا كاملًا، فليست عندهم أردية، وما لأحد منهم ثوب تام، فكانوا يربطون في أعناقهم الأكسية أو البرد، أو يأتزرون بالأزر أو الكساء، فمنهم من تغطي ما يبلغ نصف الساقين، ومنهم من يغطي لباسه، وقد لا يصل حتى يبلغ الركبتين، وتذكر المصادر أنهم كانوا يلبسون ما يسمى بالحويتيكية، وهي عمة يتعمم بها، والحنف، وهي برد شبه يمنية، تعمل من نوع غليظ من أردأ الكتان، كانوا يستخدمونها، وكثيرًا ما كانوا يخجلون من الظهور بملابسهم؛ لأنها لا تسترهم سترًا كاملًا، وسرعان ما كانت تتسخ ملابسهم، فجوانب الصُّفَّة مكشوفة للهواء والتراب، حتى اتخذ العرق من جلودهم طوقًا من الغبار، كما ورد في (الحلية) لأبي نعيم.

أما طعامهم فكان معظمه من التمر، فكان النبي صلى الله عليه  وسلم يجري لكل رجلين منهم مدًّا من تمر في كل يوم، وقد اشتكوا من أكل التمر، وقالوا له: أَحْرَقَ بطونَهُم.

لكن النبي صلى الله عليه  وسلم لم يستطع أن يوفر لهم طعامًا غيره، فصبَّرهم وواساهم، وكان صلى الله عليه  وسلم كثيرًا ما يدعوهم إلى تناول الطعام في بيته، لكنه لم يتمكن من تقديم الطعام الجيد لهم، فلم يكن يوسع على نفسه وأهله بالنفقة، ففي بعض المرات سقاهم لبنًا، ومرة أطعمهم جشيشةً، وهي طعام يصنع من طحين ولحم أو تمر مطبوخ، ومرة أخرى حيسة، وهي طعام من التمر والدقيق والسمن، ومرة ثالثة شعير محمص، لكنهم نالوا في إحدى المرات الثريد، كما ورد في صحيح البخاري، وابن سعد، وغيرهم.

كان صلى الله عليه  وسلم يقدم إليهم ما يستطيع، لكنه كان يعتذر إليهم إذا لم يكن الطعام جيدًا، فقد قدم إليهم مرة صحفة فيها صنيع من شعير، وقال: “والذي نفس محمد بيده، ما أمسى في آل محمد طعام ليس شيئًا ترونه”، ذُكِر ذلك في طبقات ابن سعد.

لا شك أنهم كانوا ينالون طعامًا أجود عندما يستضيفهم أحد أغنياء الصحابة في داره، وكثيرًا ما كان الصحابة يفعلون، ولكنهم في كثير من الأحيان ما كانوا ليحصلون على ما يمسك رمقهم؛ فأثر ذلك فيهم، فكانوا يخرون في الصلاة، لما بهم من جوع، حتى قال الأعراب: إن هؤلاء مجانين، وكان أبو هريرة رضي الله  عنه يصرع بين المنبر وحجرة عائشة  رضي الله  عنها لما به من الجوع. لكن قلة طعامهم ما كانت لتؤدي بهم إلى الشره والمغالبة على الطعام، بل كانت حقوق الأخوة، وكانت آدابها تحكم علاقاتهم ببعضهم، وقد حكى أبو هريرة رضي الله  عنه أنهم كانوا إذا اجتمعوا على أكل التمر وأكل أحدهم تمرتين معًا قال لأصحابه: إني قد قرنت فأقرنوا؛ لئلا ينال من التمر أكثر مما معهم، وهذا أيضًا موجود في (الحلية).

error: النص محمي !!