Top
Image Alt

باب الأذان أول الوقت، وتقديمه عليه في الفجر خاصة، وباب مَن أذّن فهو يقيم

  /  باب الأذان أول الوقت، وتقديمه عليه في الفجر خاصة، وباب مَن أذّن فهو يقيم

باب الأذان أول الوقت، وتقديمه عليه في الفجر خاصة، وباب مَن أذّن فهو يقيم

أ. باب: الأذان أوّل الوقت، وتقديمه عليه في الفجر خاصّة:

حديث سَمُرة بن جُنْدب، وحديث عائشة وابن عمر:

عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((لا يغُرّنّكم مِن سحوركم أذان بلال، ولا بياضُ الأفُق المُستطيل هكذا، حتّى يَسْتطِير هكذا؛ يعني مُعترِِضًا)). رواه مسلم, وأحمد والترمذي، ولفظهما: ((لا يمْنعنّكم مِن سحوركم أذان بلالٍ، ولا الفجر المستطيل, ولكنْ الفجر المُسْتطِير في الأفق)).‌

وعن عبد الله بن عمر أيضًا، رواه مالك: أنّ رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال: ((إنّ بلالًا ينادي بليْل, فكُلوا واشربوا حتّى ينادي ابن أمّ مكتوم)). وهذا حديث متفقٌ على صِحّته.

وأراد بـ((المُستطِير)): المُنْتشِر المُعْترِض في الأفق. قال سبحانه وتعالى: {كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:7]، أي: مُنْتشِرًا وطويلًا.

قال الإمام البغوي:

قُلْت: فيه دَليل على أنّ أذان الصُّبح محسوبٌ قبل طُلوع الفجر، ولا يعيد.

أمّا سائر الصّلوات والجمعة؛ فلا يُحسَب أذانها قبل دُخول أوقاتها.

رُوِي عن جابر بن سَمُرة: ((أنّ بلالًا كان يؤذِّن الظهر إذا دَحَضت الشّمس)) أي: زالت.

قال مالك: لم يزَل الصُّبح يُنادَى لها قبل الفجر، فأمّا غيرها من الصّلوات، فلَمْ نَرَها يُنادى لها إلّا بعد أنْ يحلّ وقتها.

قال الإمام البَغوي: ويُسْتحبّ أنْ يؤذِّن مُؤذِّنان: أحدُهما يؤذِّن قبل الفجر، والآخَر بعده، كما كان للنّبي صلى الله عليه  وسلم ويُذْكَر أنّ قومًا اختلفوا في الأذان وأقْرَع سعد ابن أبي وقّاص بينهم.

قال الإمام البغوي: والفجر فجْران: الكاذب، والصادق. فالكاذب يطلع أوّلًا مستطيلًا يَصْعد إلى السّماء، تُسمِّيه العرَب: “ذَنَب السِّرْحان”؛ فبطلوعه لا يَدْخل وقت الصُّبح، ولا يَحْرم الطّعام والشّراب على الصّائم. ثمّ يَغِيب ذلك فيطلع الصّادق مُسْتطيرًا، يعني: مُنْتشِرا مُعْترِضًا، ينْتشرِ في الأفُق. فبِطُلوعه يَدْخل وقْت صَلاة الصّبح، ويَحْرُم الطّعام والشّراب على الصّائم.

قال الشوكاني: قوله: ((المستطيل هكذا، حتّى يْستطير هكذا))؛ صِفَة هذه الإشارة مُبَيّنَة في (صَحِيح مسلم), في الصّوْم، مِنْ حديث ابن مسعود بلفظ: ((وليس أنْ يقول هكذا، وهكذا. وصَوّب يَدَه، رَفَعها)). يعني: رفَعها إلى أعلى دِلالَةً على الضّوْء الذي يكون في الفجر الكاذب. ((حتّى يقول هكذا! وفرّج بين أصبْعيه)), وفي رواية -يعني: الذي يكون مُنْتشِرًا مُعْترضًأ. وفي رواية: ((ليس الذي يقول هكذا. وجمَع أصابعه ثمّ نكّسَها إلى الأرض، ولكنّ الذي يقول هكذا. وجمَع أصابعه وََوَضع المُسبِّحة على المُسبِّحةِ ومدّ يده)).

والمُعْترض هو: الفجر الصّادق. ويقال له: الثّاني. و((المُسْتطير)) بالرّاء، هذا الذي يكون صِفةً للفجر الثّاني. أمّا ((المُسْتطيل)) باللّام, فهو للفجر الأوّل وهو الفجر الكاذب الذي يكون كذَنبِ السّرحان.

وواضِح من هذا كلِّه أنّ المراد بقوله: ((يقول)) ليس هو الحديث، وإنّما هو الإشارة، يعني: يشير بإصبعيْه إمّا إلى أعلى وأسفل, وإمّا إلى يمِين وشمالٍ, علامة على الفجر الصادق والفجر الكاذب.

وقبل أنْ نَنْتقِل إلى نُقْطة أخْرى في الحديث: نؤكِّد على أنّ المراد من قوله: ((“يقول” كذا، و”يقول” كذا)). ليس هو القوْل المعروف الذي هو الحديث، وإنّما هو الإشارة. وكَلِمة “قال” و”يقول” قد تُسْتعمَل بمعنى: الإشارة، يعني: أشار كَذَا وأشار كذا. قد تُسْتعمَل بمعنى الفِعْل, وليس بمعنى الحديث كَما هُنا؛ فيَنْبغِي أنْ يُلْتفَت إلى هذا، ونحن نقرأ مثل هذه الأحاديث، أو مثل هذه العبارات، أو مثل هذه الشّروح للحديث، والله سبحانه وتعالى وليّ التوفيق.

ب. باب: مَن أذّن فهو يُقيم:

حديث زياد بن الحارث:

عن زِياد بن الحارث الصُّدائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((يا أخا صُداء، أذِّنْ! قال: فأذّنت، وذلك حِينَ أذان الفجر. قال فلمّا توضّأ رسول الله صلى الله عليه  وسلم قام إلى الصلاة، فأراد بلالٌ أنْ يُقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: يُقيمُ أخُو صُداء؛ فإنّ مَن أذّن فهو يُقيم)). رواه الخمسة إلّا النسائي ولفظه لأحمد.

قال الشوكاني: وفي الباب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((إنّما يقيمُ من أذّن)). أخرجه الطبراني والعقيلي في “الضعفاء”، وأبو الشيخ في “الأذان”، وفي إسناده سعيد بن راشد, وهو ضعيف.

قال الحازمي في كتابه “الناسخ”: واتّفق أهل العِلْم في الرّجل يؤذّن ويُقيم غيره، أنّ ذلك جائز، واختلفوا في الأوْلويّة -يعني: ما الأوْلى؟- هل يؤذِّن الرّجل ويقيم هو؟ أو يؤذِّن ويقيم غيرُه؟ فقال أكثرُهم: “لا فرق، والأمر متّسَعٌ”. وممّن رأى ذلك: مالك، وأكثر أهل الحجاز، وأبو حنيفة، وأكثر أهل الكوفة، وأبو ثور.

وقال بعض العلماء: مَن أذّن فهو يقيم. قال الشافعيّ: وإذا أذّن الرّجل أحببْت أنْ يتولّى الإقامة. وإلى أولَوِية المؤذِّن بالإقامة ذَهب الهادوية، واحتجوا بهذا الحديث.

واحتجّ القائلون بعَدَم الفرْق بالحديث الذي سيأتي, وسيأتي الكلام عليه. والأخذ بحديث الصّدائي أوْلى؛ لأنّ حديث عبد الله بن زيد الآتي: “كانَ أوّل ما شُرِع الأذان في السّنة الأولى”، وحديث الصّدائي بعده بلا شكّ؛ قاله الحافظ اليعمري.

وجدير بالذّكر: أنّ الحديث -حديث عبد الله بن زيد الذي يدلّ على أنّه يُمْكن أنْ يُقيمَ غيرُ المؤِّذن: هو عن عبد الله: أنّه أُرِيَ الأذان قال: فجِئْت إلى النّبي صلى الله عليه  وسلم فأخْبرْته, فقال: ((ألْقِه على بلال. فألقيْته، فأذّن. فأراد أن يقيم، فقلت: يا رسول الله، أنا رأيت؛ أريد أن أقيم. قال: فأقِم أنت. فأقام هو وأذّن بلال)). رواه أحمد وأبو داود.

قال الشوكاني: فإذا أذّن واحدٌ فقط فهو الذي يُقيم. وإذا أذّن جماعة دُفْعة واتّفقوا على مَن يُقيم منهم، فهو الذي يُقيم. وإنِ تشاحنوا، أُقْرع بينهم.

حديث عبد الله بن زيد: أنّه أقام، وأذّن بلال:

حديث زياد بن الحارث الصدائي: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((يا أخا صُداء، أذِّنْ! قال: فأذّنتُ، وذلك حِين أضاء الفجر. قال: فلمّا توضّأ رسول الله صلى الله عليه  وسلم قام إلى الصّلاة، فأراد بلالٌ أنْ يُقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: يقيمُ أخو صُداء؛ فإنّ مَن أذّن فهو يُقيم)). رواه الخمسة إلّا النسائي, ولفظه لأحمد.

وقد قُلنا: إنّ هناك اتّفاقًا بين أهل العِلْم في جواز أن يؤذّن الرّجل ويقيم غيرُه؛ فذلك جائز عندهم جميعًا, والاختلاف إنّما هو في الأوْلَوِية.

فقال أكثرهم: لا فَرْق, والأمر مُتّسع. وممّن رَأى ذلك: مالك وأكثر أهل الحجاز، وأبو حنيفة، وأكثر أهل الكوفة، وأبو ثور.

وقال بعض العلماء: من أذَّن فهو يقيم.

error: النص محمي !!