Top
Image Alt

باب: التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

  /  باب: التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

باب: التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا خالد، ثم حوَّل الإسناد فقال: وحدثنا مسدد قال: حدثنا خالد المعنى، عن بيان بن بشر قال مسدد: عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: قلت للزبير: ((ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه أصحابك، قال: أما والله لقد كان لي منه وجه ومنزلة، ولكني سمعته يقول: من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)).

وقوله: ((قد كان لي منه وجه ومنزلة)) أي: قرب وقرابة، فهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكثر بذلك مجالستي معه، وسماعي منه صلى الله عليه وسلم، فليس سبب ذلك قلة السماع، بل سببه خوف الوقوع في الكذب عليه، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدًا)) في تمسّك الزبير بهذا الحديث، على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث، دليل للأصح في أنّ الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواء كان عمدًا أم خطأ، والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع، لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر؛ لأنه وإن لم يأثم بالخطأ، لكن قد يأثم بالإكثار؛ إذ الإكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدَّث بالخطأ فحُمِل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ، يُعمل به على الدوام؛ للوثوق بنقله، فيكون سببًا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من الإكثار في الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثَمّ توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث، وجدير بالذكر أن الصحابة رضي الله عنهم كان يتمثل الحديث هذا عندهم، بدليل أن كثيرًا منهم قد رواه، فقد رواه أكثر من سبعين صحابيًّا.

وقال الحافظ شمس الدين بن القيم -رحمه الله: وفي الصحيحين عن علي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تعمَّد علي كذبًا فليتبوأ مقعده من النار))، وفيهما أيضًا عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن كذبًا علي ليس ككذب على غيري، فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))، وفيهما أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))، وفي صحيح البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)).

ونلحظ في بعض الأحاديث التقييد بالكذب المتعمد؛ لأننا إذا قلنا: إن الخطأ إنما هو كذب، لكنه غير متعمد، فلا يصل الإثم به إلى هذا الوعيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((فليتبوأ مقعده من النار))، لكن قد يثار سؤال: لماذا أكثر بعضهم ولم يكن عنده هذه الخشية التي كانت عند الزبير رضي الله عنه؟

وقد أجاب عن ذلك ابن القيم -رحمه الله تعالى- قال: “وأما من أكثر منهم -يعني الحديث- فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت، أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم، فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان”، قال ذلك الحافظ في (الفتح)، وقال العيني: من موصولة ((من كذب)) علي تتضمن معنى الشرط، وكذب علي صلتها، وقوله: ((فليتبوأ)) هو جواب الشرط فلذلك دخلته الفاء، قال المنذري: والحديث أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه، وليس في حديث البخاري والنسائي متعمدًا، والمحفوظ من حديث الزبير أنه ليس فيه متعمدًا، وقد روي عن الزبير أنه قال: “والله ما قال متعمدًا وأنتم تقولون متعمدًا” والله تعالى أعلم.

error: النص محمي !!