باب: الثواب على الهدية والهبة
والمقصود بالثواب على الهدية والهبة أي المكافأة والمجازاة، فإن من أهدي إليه شيء يستحب أن يكافئ من أهدى له، وفي الحقيقة أن هذا كان خُلُقَ رسول اللهصلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها”، ومعنى يثيب عليها: أي يكافئ عليها صلى الله عليه وسلم وكان يكافئ على الأقل بمثلها إن لم يكن بخير منها، بل كان يزيد صلى الله عليه وسلم لأن العلماء يرون أن الذي يهدي هدية غالبًا ما يرجو أكثر منها.
وهذا الحديث الذي ترويه السيدة عائشة: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها” استدل به بعض المالكية على وجوب المكافأة في الهدية إذا أطلق الواهب وكان ممن يطلب مثلُهُ الثوابَ كالفقير للغني، فإذا ما أهدى الفقير إلى الغني فإن هذا الفقير –غالبًا- يقصد من هديته طلب الزيادة من الغني، بخلاف ما يهبه أو يهديه الأعلى للأدنى.
ووجه الدلالة منه: مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك، ففهم بعض المالكية أن كون النبيصلى الله عليه وسلم كان يواظب على المكافأة في الهدية أن هذا أمر واجب، ومن حيث المعنى أن الذي أهدى قصد أن يُعطى أكثر مما أهدى، فلا أقل أن يعوض بنظير هديته، وبه قال الشافعي في القديم، وقال في الجديد كالحنفية: الهبة للثواب باطلة، لا تنعقد لأنها بيع مجهول؛ ولأن موضع الهبة التبرع، فلو أبطلناه لكان في معنى المعاوضة، وقد فرق الشرع والعرف بين البيع والهبة، فما استحق العوض أطلق عليه لفظ البيع بخلاف الهبة، والمتتبع لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم كان يكافئ على الهدية.