باب: المسألة في القبر وعذاب القبر
الحديث الأول:
قال الإمام أبو داود -رحمه الله تعالى- في هذا الباب: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر، عن سعيد عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دخل نخلًا لبني النجار فسمع صوتًا، ففزع، فقال: مَن أصحاب هذه القبور؟ قالوا: يا رسول الله، ناس ماتوا في الجاهلية، فقال: تعوذوا بالله من عذابِ النار -أو من عذاب القبر- ومن فتنة الدجال، قالوا: ومما ذاك يا رسول الله؟ قال: إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإنّ الله تعالى هداه، قال: كنتُ أعبد اللهَ، فيقال: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسولُه، فما يُسئل عن شيء غيرها، فيُنطلق به إلى بيت كان له في النار، فيقال له: هذا بيتك، كان لك في النار، ولكن الله عصمك ورحمك، فأبدلك به بيتًا في الجنة، فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشّر أهلي، فيقال له: اسكن. وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره، فيقول له: ما كنتَ تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريتَ ولا تليتَ، فيقال له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنتُ أقول ما يقوله الناس، فيضربه بمِطراقٍ من حديدٍ بين أذنيه، فيَصِيح صيحةَ يسمعه الخلق غير الثقلين)).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعوذوا بالله من عذاب النار)) أي: اطلبوا منه أن يدفع عنكم عذابها، وفي بعض النسخ: ((من عذاب القبر)) مكان: ((من عذاب النار)).
((ومن فتنة الدجال))، الفتنة، الامتحان وتستعمل في المكر والبلاء، وفتنة الدجال أكبر الفتن حيث يجر إلى الكفر.
((إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك)) قال القرطبي في (التذكرة): “جاء في هذا الحديث سؤال ملك واحد، وفي غيره سؤال مَلَكين، ولا تعارضَ في ذلك، بل كل ذلك صحيح المعنى بالنسبة إلى الأشخاص، فَرُبَّ شخص يأتيانه ويسألانه جميعًا في حال واحد عند انصراف الناس عنه؛ ليكون السؤال أهولَ، والفتنة في حقه أشد وأعظمَ، وذلك بحسب ما اقترف من الآثام واجترح من سيئ الأعمال، وآخر يأتيانه قبل انصراف الناس عنه، وآخر يأتيه أحدهما على الانفراد، فيكون ذلك أخف في السؤال؛ لِمَا عمله من صالح الأعمال”.
((فإن الله تعالى هداه)) إِنْ هنا شرطية، وهداه في الدنيا أو في تلك الحالة، قال: ((كنتُ أعبد اللهَ)) جزاء الشرط، فيُقال له: ((ما كنت تقول في هذا الرجل)) عبّر بهذا امتحانًا لئلّا يتلقن. يعني: لم يقل له: “النبي أو محمد”؛ لئلّا يتلقن تعظيمه من عبارة إلقائه. قيل: يكشف الميت حتى يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهي بشرى عظيمة للمؤمن -إن صح ذلك- ولا نعلم حديثًا صحيحًا مرويًّا في ذلك، والقائل إنما استند لمجرد أن الإشارة لا تكون إلا لحاضر، لكن يحتمل أن تكون الإشارة لما في الذهن فيكون مجازًا.