Top
Image Alt

باب تأكيد استحباب الوضوء للجُنب، ولأجل الأكل والشرب

  /  باب تأكيد استحباب الوضوء للجُنب، ولأجل الأكل والشرب

باب تأكيد استحباب الوضوء للجُنب، ولأجل الأكل والشرب

. استحباب الوضوء للجنب:

قال الإمام مجد بن تيمية -رحمه الله-: عن ابن عمر: أن عمر قال: يا رسول الله، أينام أحدُنا وهو جُنب؟ قال: ((نعم، إذا توضّأ)). وعن عائشة “قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم إذا أراد أن ينام وهو جُنب، غَسل فَرجه وتوضأ وضوءه للصلاة))، رواهما الجماعة. ولأحمد، ومسلم عنها، قالت: ((كان النبي صلى الله عليه  وسلم إذا كان جُنبًا فأراد أن يأكل، أو ينام توضّأ)).

قال الشوكاني: قوله: ((قال: نعم، إذا توضأ)) في رواية البخاري ومسلم، ((لِيتوضّأْ ثم لِيَنَمْ))، وفي رواية البخاري: ((لِيتوضّأ ويَرقُدْ)). وفي رواية لهما: ((توضأ واغْسلْ ذَكَرك، ثم نَمْ))، وفي لفظ البخاري: ((نعم، ويتوضأ)).

وأحاديث الباب تدلُّ على أنه يجوز للجُنب أن ينام ويأكل قبل الاغتسال، وكذلك يجوز له مُعاودة الأهل. وهذا كلّه مُجْمع عليه. وذهب الجمهور إلى استحبابه وعدم وجوبه.  وقال الشوكاني: “فيجب الجمع بين الأدلة بحَمل الأمر على الاستحباب -أي: الوضوء قَبل النوم؛ ويؤيد ذلك: أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في (صحيحيهما)، من حديث ابن عمر: أنه سُئل النبي صلى الله عليه  وسلم : أينام أحدُنا وهو جُنب؟ قال: ((نعم. ويتوضأ إنْ شَاء)).

والمُراد بالوضوء هنا: وضوء الصلاة، لِما عرفنا غير مرة أنه هو الحقيقة الشرعية، وأنها مقدَّمة على غيرها. وقد صرَّحت بذلك عائشة في حديث الباب المتّفَق عليه، فهو يردّ ما جنح إليه الطحاوي من أنّ المُراد بالوضوء: التنظيف، واحتج بأن عمر روى هذا الحديث وهو صاحب القِصة كان يتوضّأ وهو جُنب، ولا يغْسل رجليْه، كما رواه مالك في (الموطأ) عن نافع.

قال الحافظ: “والحِكمة في الوضوء: أنه يُخفف الحَدث، ولا سيما على القول بجَواز تفريق الغُسل؛ ويؤيّد هذا: ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات، عن شداد بن أوس الصحابي، قال: ((إذا أجنب أحدكم مِن الليل ثم أراد أن ينام، فلْيتوضأ فإنه نِصف الغُسل)).

ب. باب جَواز ترْك الوضوء للأكل والشّرب والنوم:

عن عائشة، قالت: ((كان النبي صلى الله عليه  وسلم إذا أراد أنْ يأكل أو يشرب وهو جُنب، يغْسل يديْه ثم يأكل ويشرب))، رواه أحمد، والنسائي.

قال الشيخ أبو العباس القرطبي: هو مذهب كثير من أهل الظاهر، وهو روايةٌ عن مالك. وروي عن سعيد بن المُسيَّب أنه قال: إذا أراد الجُنب أن يأكل، غَسل يديه ومضمض فاه. وعن مجاهد قال في الجُنب إذا أراد الأكل: أنه يغْسِل يديْه ويأكل. وعن الزهري مثله، وإليه ذهب أحمد وقال: لأن الأحاديث في الوضوء لمَن أراد النوم -كذا في (شرح الترمذي) لابن سيد الناس. وذهب الجمهور إلى أنه كوضوء الصلاة، واستدلوا بما في (الصحيحين) من حديثها بلفظ: ((كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جُنب، توضأ وضوءه للصلاة))، وبما سبق مِن حَديث عمَّار. ويُجمع بين الروايات: بأنه صلى الله عليه  وسلم كان تارة يتوضأ وضوء الصلاة، وتارة يقتصر على غسل اليديْن، لكنّ هذا في الأكل والشرب خاصة. وأما في النوم والمُعاودة فهو كوضوء الصلاة، لعدم المُعارض للأحاديث المصرّحة فيهما بأنه كوضوء الصلاة.

وأيًّا ما كان الأمر، فالحديث يدل على عدم وجوب الوضوء على الجُنب إذا أراد النوم أو المُعاودة، وقد تقدم في الباب الأول أنه غير صالح للاستدلال به على ذلك، لوجوه ذكرناها هنالك.

error: النص محمي !!