Top
Image Alt

باب حُجّة من كفّر تارك الصلاة، وباب أمْر الصَّبي بالصلاة تَمرينًا لا وجوبًا، وباب أن الكافر إذا أسلم لم يقضِ الصلاة

  /  باب حُجّة من كفّر تارك الصلاة، وباب أمْر الصَّبي بالصلاة تَمرينًا لا وجوبًا، وباب أن الكافر إذا أسلم لم يقضِ الصلاة

باب حُجّة من كفّر تارك الصلاة، وباب أمْر الصَّبي بالصلاة تَمرينًا لا وجوبًا، وباب أن الكافر إذا أسلم لم يقضِ الصلاة

باب حُجّة من كفّر تارك الصلاة:

حديث جابر:

قال الإمام مجد الدين ابن تيمية -رحمه الله-: عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((بيْن الرجل وبين الكُفْر: تَرْك الصلاة)) رواه الجَماعة، إلاّ البخاري والنسائي.

والحديث يدلُّ على أنّ ترْك الصلاة من موجِبات الكُفْر. ولا خِلاف بين المسلمين في كُفْر من ترك الصلاة مُنْكِرًا لوجوبها، إلاّ أن يكون قَريب عهدٍ بالإسلام، أو لم يُخالط المسلمين مُدة يبلغه فيها وجوب الصلاة. وإن كان ترْكه لها تكاسلًا مع اعتقاده لوجوبها، -كما هو حال كثير من الناس- فقد اختلف الناس في ذلك. فذهبت العِترة والجَماهير من السلف والخَلف، منهم: مالك والشافعي، إلى أنه لا يكفَّر بل يُفسّق. فإن تاب وإلا قتلناه حدًّا، كالزاني المحصَن، ولكنه يُقتل بالسيف.

وذهب جماعة من السَّلف إلى أنه يُكفََّر؛ وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله  عنه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل. وبه قال عبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه؛ وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي. وذهب أبو حنيفة، وجماعة من أهل الكُوفة، والمُزَني صاحب الشافعي، إلى أنه لا يُكفَّر ولا يُقتل، بل يعزَّر ويُحبس حتى يصلّي.

احتج أهل القول الأول: على عَدم الكُفْر بقول الله عز وجل : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:116]، ومِن هذا الذي يغْفِره: تَرْك الصلاة إذا شاء سبحانه وتعالى، بناء على هذه الآية الكريمة.

واحتجوا على قتله حدًّا بقوله سبحانه وتعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5]، وبقوله صلى الله عليه  وسلم: ((أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا أن لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلاّ بحقّها)). فالذي يُفْهم من الآية: أنّ الذي لا يُقر الصلاة لا يُخلّى سبيله، بل يُقتل، لأن الآية إنما جاءت في القتال وعدم القتال، والذي يفهم أيضًا من الحديث، أن الذي لا يُقيم الصلاة، ولا يُؤتي الزكاة، لا يكون معْصوم الدم فيُقتل، وتأوّل هؤلاء قوله صلى الله عليه  وسلم: ((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)) وسائر أحاديث الباب على أنه مُستحق بتَرك الصلاة عُقوبة الكَافِر وهي القتل، لا أنه كَافِر أو أنه محمول على المُستَحِلّ. فالمُسْتَحلّ لترك الصلاة وإنكارها كفَرض من فروض الدين أنه لا شك بالاتفاق يكْفر، أو على أنه قد يَؤول به ترك الصلاة إلى الكُفْر، أو على أن فعله هذا -وهو عَدم الصلاة- إنما هو فعل الكفار.

واحتج أهل القول الثاني: الذين يقولون بالتكفير بأحاديث الباب ومنها ((بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)) وغيرها من الأحاديث التي سبقت.

واحتج أهل القول الثالث: على عدم الكفر بما احتج به أهل القول الأول؛ لأن أهل القول لا يكفرون تارك الصلاة تكاسلًا مع اعتقاده لوجوبها، وأقاموا الحجة على ذلك فحجتهم هنا على عدم الكفر هي حجة أهل القول الثالث على عدم الكفر، واحتجوا على عدم القَتل بحديث: ((لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث وهي: زانٍ محصن، أو قَتل نفس بغير حق، أو التارك لدينه المُفارق للجماعة)) رواه عثمان رضي الله  عنه، وليس في هذه الثلاثة الصلاة.

قال الشوكاني: والحق أنه كافر يُقتل، -يعني اختار الإمام الشوكاني الرأي الثاني- وقال: وأما كُفره فلأن الأحاديث قد صحّت أن الشارع سمّى تارك الصلاة بذلك الاسم، وجَعل الحائِل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتضٍ لجواز الإطلاق. قال: ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون؛ لأنّا نقول لا يمْنع أن يكون بعض أنواع الكُفْر غَير مانع من المَغفرة، واستحقاق الشفاعة ككُفْر أهل القِبلة ببعض الذنوب التي سمّاها الشارع كُفرًا كقوله -مثلًا: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) فلا مُلجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها، وأما أنه يُقتل فلأن حديث: ((أمرتُ أن أقاتل الناس)) يقْضي بوجوب القَتل لاستلزام المُقاتلة له، وكذلك سائر الأدلة المَذكورة في الباب الأول، ولا أوضح مِن دلالتها على المَطلوب، وقد شرط الله في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [التوبة:5]، فلا يُخلّى من لمْ يُقم الصلاة، وفي “صحيح مسلم”: ((سيكون عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكَر فقد بَرئ عُنقه، ومن كره فقد سلِمَ، ولكن من رضي وتابع)) فقالوا: ألا نقاتلهم: قال: ((لا؛ ما صلوا)) فجَعل الصلاة هي المانعة من مُقاتلة أمراء الجَوْر.

لا زال الإمام الشوكاني يحتج لما ذهب إليه مِن أن تارِك الصلاة كَسلًا مع الاعتراف بوجوبها يكْفر ويُقتل، فمن حجته غير ما سبق، قول رسول الله صلى الله عليه  وسلم لخالد في الحديث السابق عندما سأله أن يقْتل هذا فقال: ((لعله يصلي)) فجعل المانع من القتل نفس الصلاة، وحديث: ((لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث)) وليس منها الصلاة، لا يعارِضُ مفهومه المَنطوقات الصريحة، والمراد بقوله في حديث الباب ((بين الرجل وبين الكُفر ترك الصلاة)) كما قال النووي: “إنَّ الذي يمنع من كُفره كونه لم يترك الصلاة، فإن تركها لم يبقَ بينه وبين الكُفر حائل”.

ومن الأحاديث الدالة على الكفر حديث الربيع بن أنس عن أنس، عن النبي صلى الله عليه  وسلم : ((مَن ترك الصلاة متعَمِدًا فقد كَفر جِهارًا)) ذكره الربيع موصولًا وخَالفه علي بن الجَعد فرواه عن أبي جعفر عن الربيع مُرسلًا، وهو أشبه بالصواب، وأخرجه البزار من حديث أبي الدرداء بدون قوله: ((جِهارًا))، وأخرج ابن حبان في “الضعفاء” من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((تارك الصلاة كافر)) واستنكره، ورواه أبو نعيم من حديث أبي سعيد، وفيه عطية وإسماعيل بن يحيى، وهما ضعيفان. قال العراقي: “لم يصح من أحاديث الباب إلا حديث جابر المذكور، وحديث بُريدة -الذي سيأتي”، وأخرج ابن ماجه من حديث أبي الدرداء قال: ((أوصاني خليلي صلى الله عليه  وسلم ألا تشرك بالله وإن قُطِّعت وحُرِّقت، وأن لا تترك صلاة مكتوبة متعمدًا، فمن تركها متعمدًا فقد برئت مِنه الذِّمة، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر)) قال الحافظ ابن حجر: “وفي إسناده ضعيف، ورواه الحاكم في “المستدرك” ورواه أحمد والبيهقي من طريق أخرى، فيه انقطاع، ورواه الطبراني من حديث عُبادة بن الصامت، ومن حديث معاذ بن جبل، وإسنادهما ضعيفان، وقال ابن الصلاح، والنووي: إنه حديث منكر”.

هكذا احتجّ الشوكاني لاختياره بأن تارك الصلاة تكاسُلًا مع اعتقاده بوجوبها هو كافر ويُقتل، ولكنّ حُجَجه تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: هي حُجج يمكن أن يُجاب عليها، وبأن الكُفر هنا لا يراد به الكُفر حقيقة.

والقسم الثاني: هي أخبار ضعيفة.

والذي أميل إليه: أن تارك الصلاة تكاسُلًا مع الاعتقاد بوجوبها لا يكْفُر بذلك، وإنما يفسّق ويُستتاب ويُعزّر بكل أنواع التَّعزير التي تجْعله يدخل في حَظيرة المصلين، أو يصلي مع المصلين.

فنقول: إن تارك الصلاة كتارك سائر الفرائض من الزَّكاة وصيام رمضان والحج، والأخبار التي جاءت في الإكفار بترك الصلاة، نظير الأخبار التي جاءت في الإكفار بسائر الذنوب نحو قوله: ((سِبابُ المسلم فُسوق وقتاله كفر)) و ((لا ترجعوا بعدي كُفارً يضرب بعضكم رقاب بعض))، وقوله صلى الله عليه  وسلم: ((لا ترغبوا عن آبائِكم فمن رغب عن أبيه فقد كَفر))، وقوله صلى الله عليه  وسلم: ((مَن حلَف بغير الله فقد أشرك)) ((والطِّيرة شرك))، ((وما قال مسلم لمسلم يا كافر إلا باء بها أحدهما))، وما أشبه هذه الأخبار. قال بعض العلماء: “وقد وافقنا جماعة أصحاب الحديث على أن من ارتكب بعض هذه الذنوب لا يكون كافرًا مرتدًا يجب استتابته وقتله على الكُفر إن لم يتب، وتأولوا لهذه الأخبار تأويلات اختلفوا في تأويلاتها، وكذلك الأخبار التي جاءت في إكفار تارك الصلاة، تحتمل من التأويل ما احتمل سائر الأخبار التي ذكرناها، واحتج مع هذا لترك إكفار من ترك الصلاة تكاسُلًا، بالأخبار التي جاءت على أن تارك الصلاة حتى يذهب وقتها لا يكْفر إذا لم يتركها إباءً ولا جُحودًا، ولا استكبارًا، وإنما يقْضي هذه الصلاة، فهذه الأخبار تدلُّ على أن تارك الصلاة حتى تجاوز وقتها غير كافر، وقالوا من ذهب إلى ذلك، وفي اتفاق عامة أهل العِلم على أن التارك الصلاة حتى خرج وقتها متعمدًا يعيدها قضاءً، وفي هذا ما يدلُّ على أنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك مِن الصلاة في قول عامة العلماء، وكان ممن ذهب هذا المذهب من علماء أصحاب الحديث الشافعي رضي الله  عنه، وأصحابه أبو ثور، وأبو عُبيد في موافقيهم، وعن ابن شهاب أنه سئل عن الرجل يترك الصلاة؟

قال: إن كان إنما تركها أنه ابتدع دينًا غير دين الإسلام قُتل، وإن كان إنما هو فاسق ضُرب ضربًا مبرِّحًا، وسُجن. وحديث عبادة رضي الله  عنه، عن النبي صلى الله عليه  وسلم أنه قال: ((خمس صلوات اقترضهن الله على عِباده من أتى بهن لم يضيع من حقهن شيئًا كان له عند الله عَهد، ولم يأت جاء وليس عنده وعند الله عَهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة)).

قالوا فقد أطمعه في دخول الجنة إذا هو لم يأتِ بهن ولو كان كافرًا لم يُطْمعه في دخول الجنة.

القائلون بوجوب القتل:

قال الشوكاني: “اختلف القائلون بوجوب قتل تارك الصلاة فالجمهور منهم أنه يُضرب عُنقه بالسيف، وقيل يُضرب بالخَشب حتى يموت، واختلفوا أيضًا في وجوب الاستتابة، فالهادوية توجبها، وغيرهم لا يوجبها، فإنه يُقتل حدًّا، ولا تُسقِط التوبة الحدودَ كالزاني والسارق.  وقيل: إنه يُقتل لكفره.

وقد أطال الكلام المحقِّق ابن القيم في ذلك في كتابه “الصلاة”، والفَرق بينه وبين الزاني واضح، فإن هذا يُقتل لتركه الصلاة في الماضي، ولإصراره على تَركها في المُستقبل، والترك في الماضي يُتدارك بقضاء ما تركه، بخِلاف الزاني فإنه يُقتل بجناية تقدمت لا سبيل إلى تركها.

قال الشوكاني: وقد عرّفناك أن سبب الوقوع في مضيق التأويل تَوهم الملازمة بين الكُفر وعَدم المغفرة، وليست بكلية كما عرفت، وانتفاء كليتها يريحك، من تأويل ما ورد في كثير من الأحاديث منها ما ذكره المصنف، ومنها ما ثبت في “الصحيح” بلفظ: ((لا ترجعوا بعدي كُفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض))، وحديث: ((أيما عبد أبق من مواليه فقد كَفر حتى يرجع إليهم))، وحديث ((أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب)). وحديث: ((من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما))، وكل هذه الأحاديث في “الصحيح”، وقد ورد من هذا الجنس أشياء كثيرة، ونقول من سمّاه رسول الله صلى الله عليه  وسلم كافرًا سميناه كافرًا، ولا نزيد على هذا المقدار، ولا نتأوّل بشيء منها لعدم الملجئ إلى ذلك.

أقول: قد خالف الشوكاني في ذلك جماهير العلماء من أهل السنة الذين قالوا إن مثل هذه الأحاديث تُؤوّل حتى لا تَتعارض مع قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:116] وحتى لا تَتعارض مع الأحاديث التي قالت: ((إن من قال: لا إله إلا الله حرمه الله على النار، أو دخل الجنة))، وقد اعترف الإمام الشوكاني نفسه بأن هذه الأحاديث لا بد مِن تفسيرها تفسيرًا خاصًا حتى يُفهم أن الموحِّدين يُمْكن أن يدخلوا النار بذنوبهم التي لم يتوبوا منها، ثم يدخلون الجنة بعد ذلك.

ونخلُص من هذا إلى: أننا نرجِّح أن تارك الصلاة تكاسُلًا مع اعتقاده بوجوبها ليس كافرًا ونحن في ذلك مع الأدلة نوافق جماهير السلف والخلف، كما نصّ الإمام الشوكاني على ذلك؛ ولأننا الآن في عالم يموج بالفِتن الكثيرة، ولسنا بحاجة إلى أن يُكفِّر الناس بعْضُهم بعْضًا، فهذا ليس بالأمر السهل الهيِّن في المجتمع الإسلامي وفي تماسكه، وفي رجائه الخير، كما قلنا أكثر من مرة لا نهوِّن بذلك من شأن تارك الصلاة، وإنما نأخذ على يديه حتى يصلي، كما قال بعض العلماء: يُحبس ويُعزّر حتى يصلي، وأيضًا ننبه إلى أن أمثال هؤلاء الذين يتركون الصلوات، ويرتكبون الكبائر ولا يتوبون عنها، تتراكم على قلوبهم ظلمة وسوادًا وتُبعد قُلوبهم عن هداية الله عز وجل ، وعن الصلة بالله عز وجل ، حتى يُخشى عليهم الموت على الكفر -والعياذ بالله تعالى.

جـ. باب أمر الصبي بالصلاة تمرينًا لا وجوبًا:

1. حديث عمرو بن شعيب:

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((مروا صِبيانكم بالصلاة لسبعِ سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرّقوا بينهم في المضاجع)) رواه أحمد وأبو داود.

والحديث أخرجه الحاكم من حديثه، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه أيضًا الترمذي، والدارقطني، من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده بنحوه، ولم يذكر التفرقة -أي: ((فرقوا بينهم في المضاجع)).

وعن معاذ بن عبد الله بن خبيب الجُهني أنه قال لامرأته، وفي رواية: لامرأة متى يصلي الصبي؟ فقالت: كان رجل منا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم أنه قال: ((إذا عرف يَمينه من شِماله فمروه بالصلاة)) أخرجه أبو داود.

وقال ابن القطان: لا نعرف هذه المرأة، ولا الرجل الذي روت عنه، وقد رواه الطبراني من هذا الوجه، فقال: عن أبي معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه به. قال ابن صاعد: إسناده حسن غريب.

 وفي الباب عن أبي هريرة رواه العقيلي وأنس عند الطبراني بلفظ: ((مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لثلاث عشرة)) وفي إسناده داود بن المُحبَّر وهو متروك وقد تفرّد به.  والحديث يدل على وجوب أمر الصِبيان بالصلاة إذا بلغوا سبعَ سنين، وضربهم عليها إذا بلغوا عشرًا، والتفريق بينهم لعشر سنين .

2. حديث عائشة: ((رفع القلم عن ثلاثة …)):

عن عائشة رضي الله  عنها عن النبي صلى الله عليه  وسلم قال: ((رُفِع القَلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحْتلم، وعن المَجنون حتى يعْقل)) رواه أحمد، ومثله مِن رواية عليٍّ له، ولأبي داود، والترمذي وقال: حديث حسن.

هذا الحديث يدلُّ على عدم تكليف الصبي، والمجنون، والنائم، ما داموا متصفين بتلك الأوصاف.

قال ابن حجر في “التلخيص” حاكيًا عن ابن حبان: “إن الرَّفع مَجاز عن عدم التكليف؛ لأنه يُكتب له فعل الخير” انتهى.

وهذا في الصبي ظاهر، وأما في المَجنون فلا تتصف أفعاله بخَير ولا شر، إذ لا قَصْدَ له، والموجود منه مِن صور الأفعال لا حكم له شرعًا، وأما في النائم ففيه بُعْد؛ لأن قصْده منتفٍ أيضًا، فلا حكم لما صدر منه من الأفعال حين نومه، وللناس كلام في تكليف الصبي بجميع الأحكام أو ببعضها ليس هذا محل بسطه، وكذلك النائم.

د. باب أن الكافر إذا أسلم لم يقضِ الصلاة:

حديث عمرو بن العاص:

عن عمرو بن العاص رضي الله  عنه أن النبي صلى الله عليه  وسلم قال: ((الإسلام يجُبُّ ما قَبله)) رواه أحمد. والحديث كما قال الإمام الشوكاني: أخرجه أيضًا الطبراني، والبيهقي من حديثه، وابن سعد من حديث جُبير بن مُطعم، وأخرج مسلم في “صحيحه” معناه من حديث عمر، وأيضًا بلفظ: ((أما عَلِمت أن الإسلام يهْدم ما كان قَبله، وأن الهِجرة تهْدم ما كان قَبلها، وأن الحجَّ يهْدم ما كان قَبله))، وفي مسلم أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود، قال: قلنا يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: ((من أحسن في الإسلام لم يُؤاخذ بما عمِل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أُؤخذ بالأول والآخر)) فهذا مقيّد، والحديث الأول مُطلق، وحَمل المُطلق على المقيّد واجب، فهْدم الإسلام ما كان قَبله مشروط بالإحسان بعد الإسلام، أما إذا كان مستمرًا على ما كان يقترفه قبل الإسلام فهو يؤاخذ بهذا وذاك.

وقوله: ((يجُبُّ ما قبله)) أي: يقْطعه، والمراد أنه يُذهب أثر المعاصي التي قارفها حال كُفره، وأما الطاعات التي أسلفها قَبل إسلامه فلا يجُبُها لحديث حكيم بن حزام عند مسلم وغيره، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه  وسلم: أرأيت أمورًا كنتُ أتحنّثُ بها في الجاهلية هل لي فيها مِن شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم : ((أسلمت على ما أسلَفت من خير)) وقد قال المازري: إنه لا يصح تقرب الكافر، فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه حال شركه؛ لأن من شَرط المتقرّب أن يكون عارفًا بما تقرّب إليه، والكافر ليس كذلك، وتابعه القاضي عِياض على تقرير هذا الإشكال قال في “الفتح”: “واستضعف ذلك النووي فقال: الصواب الذي عليه المحققون بل بعضهم نقل الإجماع فيه أن الكافر إذا فعل أفعالًا جَميلة كالصدقة، وصلة الرحم، ثم أسلم ومات على الإسلام، أن ثواب ذلك يكتب له، ولكي نفهم هذا الحديث فَهمًا صحيحًا، بحيث لا يكون هناك إشكال في كون الإسلام يجبُّ ما قَبله في الأعمال التي هي من المعاصي، لكي نفهم ذلك ينبغي أن نقرأ الحديث في مناسبته، وكانت مناسبته حين أسلم عمرو بن العاص، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال عمرو: لقد رأيتني وما أحد أشد بغضًا لرسول الله صلى الله عليه  وسلم مني ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنتُ منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنتُ من أهل النار.

ما يؤخذ من الحديث: إن الإسلام يجُبُّ الأعمال السيئة، ويستأنف المسلم بإسلامه حياة جديدة لا أعباء ولا أوزار عليه فيها من أوزار الجاهلية، ولكنّ الإسلام لا يجُبُّ الأعمال الصالحة التي كان يفعلها المرء قبل إسلامه، واستمرّ في أعماله هذه بعد الإسلام، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم في حديث آخر: ((خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام))؛ لأنهم استمروا على العمل الخيِّر الذي جعلهم يتفوقون على غيرهم قبل الإسلام وبعد الإسلام.

error: النص محمي !!