Top
Image Alt

باب ما جاء في تطهير الدّباغ، وباب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يُؤكل إذا ذُبح

  /  باب ما جاء في تطهير الدّباغ، وباب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يُؤكل إذا ذُبح

باب ما جاء في تطهير الدّباغ، وباب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يُؤكل إذا ذُبح

. باب: أنّ ما لا نفْس له سائلة لم يَنجس بالموت.

قال المصنِّف المجد ابن تيمية: عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال: ((إذا وقع الذباب في شراب أحدِكم، فلْيغمسْه كلّه، ثم ليطرحْه؛ فإنّ في أحد جناحيْه شفاءً، وفي الآخر داءً))، رواه أحمد، والبخاري، وأبو داود، وابن ماجه. ولأحمد وابن ماجه، من حديث أبي سعيد، نحوه.

أحكام هذا الباب:

فقد استُدلّ به على أنّ الماء القليل لا ينجس بموت ما لا نفس له سائلة -أي: لا دم له سائل- إذ لم يُفصِّل بين الموت والحياة. وقد صرّح بذلك في حديث الذباب والخنفساء اللّذين وجدهما صلى الله عليه  وسلم ميتيْن في الطعام، فأمر بإلقائهما، والتسمية عليه والأكل منه. ويدل الحديث أيضًا على جواز قتل الذباب بالغمس لصيرورته بذلك عقورًا، ويدلّ على تحريم أكْل المستخبَث للأمر بطرحه.

ورواية: ((إناء أحدِكم)) تشمل إناء الطعام والشراب وغيرهما؛ فهي أعم من رواية: ((شراب أحدِكم)).  

والفائدة في الأمر بغمْسه جميعًا هي: أن يتّصل ما فيه من الدواء بالطعام أو الشراب كما اتصل به الداء، فيتعادل الضار والنافع فيندفع الضرر.

هذا ولم يرق الحديث -هذا الحديث الصحيح في الذبابة- لبعض الناس في عصرنا الحديث، فعارضوه وأنكروه لما في ذلك من الاستقذار، ولما في ذلك من أنّ الذباب المستقذر يكون فيه شفاءً وفيه داءً، ونسوا أنّ رسول الله صلى الله عليه  وسلم قد أخبر منذ زمن بعيد بأنّ في الذباب داءً، وهذا ما عُرف في العصر الحديث. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم قد أخبر بالداء ووافقه العلْم، فلئن يُخبر بالشفاء أيضًا يوافقه العلْم، كما أجرى بذلك بعضُ المتخصِّصين بحوثًا أيدت قوله صلى الله عليه  وسلم.

ب. باب: ما جاء في تطهير الدِّباغ:

عن ابن عباس قال: “تُصُدِّق على مولاة لميمونة بشاة، فماتت، فمرّ بها رسول الله صلى الله عليه  وسلم فقال: ((هلاّ أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟))، فقالوا: “إنها ميتة”، فقال: ((إنما حَرُم أكْلُها))، رواه الجماعة إلاّ ابن ماجه قال فيه: “عن ميمونة”، جعَله من مُسندها.

قوله: ((أخذتُم إهابها))، الإهاب: على وزن “كتاب”: الجِلْد، أو ما لم يُدبغ، قال النضر بن شُمَيْل: “إنما يُسمَّى: “إهابًا” ما لم يُدبغ، فإذا دُبغ لا يقال له: إهاب، إنما يُسمّى: “شنًا” و”قِربة”. وقوله: “إنّ داجنًا”، الداجن: المقيم بالمكان، ومنه: الشاةّ إذا ألِفت البيت. وقوله: ((فإنّه ذكاتُه))، أراد أنّ الدّباغ في التطهير بمنزلة الذكاة في إحلال الشاة، وهو تشبيه بليغ، -يعني: حُذف منه أداة التشبيه.

وعن عائشة عند النسائي، وابن حبان، والطبراني، والدارقطني، والبيهقي، بلفظ: ((دباغ جلود الميتة طهورُها)).

أحكام هذا الباب:

فهو يدل على طهارة أديم الميتة بالدّباغ، نصّ في الشاة المعيّنة التي هي السبب أو نوعه على الخلاف وظاهر فيما عداه، لأن قوله: ((إنّما حرم من الميتة أكلُها))، بعد قوله: “إنها ميتة” يعمّ كل ميتة. والأحاديث المذكورة في هذا الباب تدلّ على عدم اختصاص هذا الحُكم بنوع من أنواع الميتة. وقد اختلف أرباب العلْم في ذلك على سبعةٍ ذكَرها النووي في (شرح مسلم).

جـ. باب: نجاسة لحم الحيوان الذي لا يُؤكل إذا ذُبح:

قال ابن تيمية: عن سلمة بن الأكوع، قال: لما أمسى اليوم الذي فُتحت عليهم فيه خيبر، أوقدوا نيرانًا كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم : ((ما هذه النار؟ على أيِّ شيء توقدون؟)). قالوا: على لحم. قال: ((على أيِّ لحْم؟)). قالوا: على لحوم الحمر الإنسية. فقال: ((أهرقوها واكسروها!)). فقال رجل: يا رسول الله، أو نهرقها ونغسلها؟ فقال: ((أو ذاك؟)).  وعن أنس قال: “أصبنا من لحم الحمر -يعني: يوم خيبر- فنادَى منادي رسول الله صلى الله عليه  وسلم : ((إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمُر؛ فإنها رِجْس أو نَجَس))، متفق عليهما.

وروى الدارمي من طريق مجاهد، عن ابن عباس، قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه  وسلم يوم خيبر عن لحوم الحُمُر الأهلية)). وفي (البخاري) عن عمرو بن دينار: “قلت لجابر بن زيد: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم نهى عن لحوم الحُمُر الأهلية. قال: قد كان يقول ذلك الحَكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة، ولكن أبى ذلك البحر -يعني: ابن عباس”.

أحكام هذا الباب:

فقد استُدلّ بهما على تحريم الحمُر الأهلية؛ وهو مذهب الجماهير من الصحابة والتابعين ومَن بعْدَهم. وقال ابن عباس: “ليست بحرام”. وعن مالك ثلاث روايات -وسيأتي تفصيل ذلك وبسط الحجج في: “باب النهي عن الحمر الإنسية” من “كتاب الأطعمة”، إن شاء الله تبارك وتعالى.

وقد أوردهما المصنِّف هنا للاستدلال بهما على نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل؛ لأن الأمر بكسر الآنية أولًا، ثم الأمر بالغسل ثانيًا، ثم قوله: ((فإنه رِجْس أو نَجَس)) ثالثًا، يدل على النجاسة؛ ولكنه نصّ في الحُمُر الإنسية، وقياس في غيرها ممّا لا يُؤكل بجامع عدم الأكل. ولا يجب التسبيع إذا أطلق الغسل ولم يقيّده بمثل ما قيّده في ولوغ الكلب.  وقوله: ((الإنسيّة)) -بكسر الهمزة وفتحها، مع سكون النون. والإنسي الإنس من كل شيء‏.

error: النص محمي !!