Top
Image Alt

باب ما يقول في رفعه من الركوع وبعد انتصابه، وباب أن الانتصاب بعد الركوع فرض، وباب الجلسة بين السجدتين

  /  باب ما يقول في رفعه من الركوع وبعد انتصابه، وباب أن الانتصاب بعد الركوع فرض، وباب الجلسة بين السجدتين

باب ما يقول في رفعه من الركوع وبعد انتصابه، وباب أن الانتصاب بعد الركوع فرض، وباب الجلسة بين السجدتين

أ. باب: ما يقول في رفْعه من الرّكوع، وبعد انتصابه:

حديث أبي هريرة:

عن أبي هريرة قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم إذا قام إلى الصلاة يُكبِّر حين يقوم, ثم يكبِّر حين يركع، ثم يقول: “سمع الله لِمن حمده” حين يرفع صُلبه من الركعة. ثم يقول وهو قائم: “ربنا ولك الحمد”. ثم يكبِّر حين يهوي ساجدًا، ثم يكبِّر حين يرفع رأسه, ثم يكبِّر حين يهوي ساجدًا، ثم يكبِّر حين يرفع رأسه. ثم يفعل ذلك في الصلاة كلِّها. ويكبِّر حين يقوم من الثِّنتَيْن بعد الجلوس)). متفق عليه.

وفي رواية لهم -أي: هؤلاء الشيخان وأحمد: ((ربّنا لك الحمد)) أي: ليس هناك واو العطف.

والحديث يتناول التكبير في الرفع والخفض, مع قوله: ((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركعة, وقوله: ((ربنا لك الحمد)) أو ((ربنا ولك الحمد)).‌

قوله في حديث أبي هريرة: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يكبِّر حين يقوم )): فيه أنّ التكبير يكون مقارنًا لحال القيام, وأنه لا يُجزئ من قعود، أي: تكبير الإحرام.

وقوله: ((ثم يقول وهو قائم: “ربنا ولك الحمد”)). يعني: بعد الرفع من الركوع.

 والواو في قوله: ((ربنا ولك الحمد)) ثابتة في أكثر الروايات. وهي عاطفة على مُقدّر بعد قوله: ((ربنا)) وهو: “استجبْ” -أي: “ربنا استجب ولك الحمد”, كما قال ابن دقيق العيد, أو: “حمدناك” -أي: “ربنا حمدناك ولك الحمد”, كما قال النووي, أو الواو زائدة كما قال أبو عمرو بن العلاء, أو للحال كما قال غيره, أي: “ربنا، والحال أن لك الحمد”, “يا ربنا، الحال أن لك الحمد”.

وقوله: ((ثم يُكبّر حين يهوي)) أي: يهوي للسجود.

فيه: أنّ التكبير يبتدئ به من حين يَشْرع في الهويّ بعد الاعتدال, إلى حين يتمّكن ساجدًا.

وقوله: وفي رواية لهم: ((ربنا لك الحمد)), يعني: البخاري ومسلم وأحمد, لأن المتفق عليه في اصطلاحه, -يعني: في اصطلاح مجد الدين ابن تيمية, كما بيّنّا ذلك كثيرًا, كما نصّ عليه في مقدمّة (المنتقى)- وقرأنا أن المتّفق عليه هو: ما أخرجه البخاري ومسلم وأحمد, لا ما أخرجه الشيخان فقط, كما هو اصطلاح غيره.

والحديث يدلّ على مشروعية تكبير النقل -أي: النقل من القيام إلى الركوع، ومن القيام إلى الهويّ للسجود, ومن بين السجدتَيْن إلى الهويّ للسجود والرفع من السجود, وقد قدمنا الكلام عليه مستوفى.‌‌

ب. باب: أنّ الانتصاب بعد الركوع فرض:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((لا ينظر الله إلى صلاة رَجُل لا يُقيم صُلْبه بين ركوعه وسجوده)). رواه أحمد. ثم قال الإمام مجد الدين: وعن علي بن شيبان, أنّ رسول الله صلى الله عليه  وسلم , قال: ((لا صلاة لِمَن لم يُقِم صُلبه من الركوع والسجود)). رواه أحمد, وابن ماجه.

وعن أبي مسعود الأنصاري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم : ((لا تُجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صُلبَه في الركوع والسجود)). رواه الخمسة, وصححه الترمذي.

الأحاديث المذكورة في الباب, -أي: في باب” ما يقول في رفعه من الركوع، وبعد انتصابه” تدلّ على وجوب الطمأنينة في الاعتدال من الركوع, والاعتدال بين السجدتين، وهو يريد بالوجوب هنا: الفرض.

وإلى ذلك ذهبت العترة، والشافعي، وأحمد, وإسحاق، وداود، وأكثر العلماء. قالوا: ولا تصحّ صلاة من لم يُقِم صلبه فيهما؛ وهو الظاهر من أحاديث الباب لِما قررناه غير مرّة, من أنّ النفي إذ لم يمكن توجّهه إلى الذات, توجّه إلى الصحة لأنها أقرب إليها. وهو يريد: أنه عندما يقول: ((لا صلاة)), و((لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود)): أنّ النفي إمّا أن يتوجّه إلى الذات, ومعنى ذلك: أنه لا صلاة، ولا وجود لصلاة لِمن لم يُقم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود. فإن لم يتوجّه النفي إلى الذات، توجّه إلى الصحة؛ هذا هو الأقرب إليها، وليس إلى الكمال. أي: لا صحة لصلاة لا يُقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود.

د. باب: الجلسة بين السجدتَيْن:  

حديث أنس:‌

عن أنس قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم إذا قال: “سَمِع الله لِمن حمده”, قام حتّى نقول: قد أَوْهَم. ثمّ يسجد، ويقعد بين السّجدتَيْن، حتى نقول: قد أَوْهَم)). رواه مسلم.

وفي رواية متّفق عليها عند البخاري ومسلم وأحمد: أنّ أنسًا قال: إني لا آلُو أنْ أصلّي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه  وسلم يُصلّي بنا، فكان: ((إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا, حتى يقول الناس: قد نَسِيَ. وإذا رفع رأسه من السّجدة, مَكَث حتى يقول الناس: قد نَسِيَ)). الرواية الأولى التي رواها مسلم, أخرجها أيضًا أبو داود وغيره.‌

وقوله: ((قد أَوْهَم)) فِعْل ماض مبني للفاعل. قال ثعلب: يُقال: “أوهمْت الشيء”، إذا تركت كلّه”. “أوهم”, و”وهَمْت”, أو و”وهِمْت” في الحساب وغيره، إذا غلطت. و”وهَمْتَ” إلى الشّيء، إذا ذَهَب وهْمُك إليه وأنت تريد غيره. وقال في (النهاية): أوْهَم في صلاته.‌

وقوله: ((إني لا آلو)) أي: لا أقَصّر.

وقوله: ((قد نسي)) أي: نسي وجوب الهُوِيّ إلى السجود.

وقد ذهب بعض الشافعية إلى بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال، وتطويل الجلوس بين السجدتَيْن, مُحتجًاّ أنّ طولهما ينفي الموالاة, يعني: الموالاة بين أفعال الصلاة وبين الأركان.

قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يدلّ على أن الاعتدال ركن طويل، وحديث أنس أصرح في الدلالة على ذلك؛ بل هو نصٌّ فيه, فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو: قولهم لم يُسنّ فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود.

وأمّا القول بأن طولهما ينفي الموالاة, فباطل لأنّ معنى الموالاة: ألّا يتخلّل فصل طويلٌ بين الأركان ممّا ليس فيها. أما التطويل بما فيها فلا بأس، ولا ينافي الموالاة. وما وَرَد به الشرع لا يصحّ نفي كونه منها, يعني: ما ورد به الشرع من: الاعتدال ومن التسبيح ومن التحميد، لا يصح نفي كون هذا منها, وبالتالي يُبطل الموالاة كما يقولون.

قال الشوكاني: وقد تَرَك الناس هذه السُّنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة, مُحدِّثهم وفقيههم ومجتهدهم ومقلِّدهم. قال: “فليت شِعْري ما الذي عوّلوا عليه في ذلك؟!! والله المستعان.

وقال الشوكاني: وهو يدلّ على مشروعية طلب المغفرة في الاعتدال بين السجدتَيْن, وعن استحباب تطويل صلاة النافلة والقراءة فيها بالسورة الطويلة، وتطويل أركانها جميعًا.  وفيه: رَدٌّ على من ذَهَب إلى كراهة تطويل الاعتدال من الركوع والجلسة بين السّجدتَيْن.

ونريد أن نقول:

إنه يفهم من هذا الحديث ومن غيره: أن هناك توازنًا بين القيام للقراءة, وبين الركوع، وبين السجود، وبين الاعتدال من الركوع, وبين الاعتدال بين السّجدتَيْن, بصرف النّظر عن مسألة التطويل في القراءة, وعَدَم التطويل. فالموازنة دائمة بينها على الغالب من صلاته صلى الله عليه  وسلم.

error: النص محمي !!