Top
Image Alt

باب من اجتزأ بتسليمة واحدة، وباب في الدعاء والذكر بعد الصلاة

  /  باب من اجتزأ بتسليمة واحدة، وباب في الدعاء والذكر بعد الصلاة

باب من اجتزأ بتسليمة واحدة، وباب في الدعاء والذكر بعد الصلاة

أ. باب من اجتزأ بتسليمة واحدة:

عن هشام، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى, عن سعد بن هشام، عن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم إذا أوتر بتسع ركعات لم يَقْعد إلّا في الثامنة, فيحمد الله ويَذْكره ويدعو، ثم ينهض ولا يُسلِّم. ثمّ يُصلي التاسعة، فيجلس فيذكر الله ويدعو، ثم يُسلِّم تسليمة يُسمعنا. ثم يصلِّي ركعتَيْن وهو جالس. فلما كَبِر وضعُف أوتر بسبْع ركعات لا يقعد إلّا في السادسة, ثم ينهض ولا يسلّم، فيصلِّي السابعة ثم يسلِّم تسليمة. ثم يصلِّي ركعتَيْن وهو جالس)). رواه أحمد والنسائي. وفي رواية لأحمد في هذه القصة: ((ثم يُسلِّم تسليمة واحدة: “السلام عليكم”، يرفع بها صوته حتى يُوقظَنا)).

وعن ابن عمر قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يَفْصل بين الشفع والوتر بتسليمة يُسمِعُناها)). رواه أحمد.

ب. من اجتزأ بتسليمة واحدة:

حديث عائشة:

عن هشام، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم إذا أوتر بتسعِ ركعات لم يقعد إلّا في الثامنة، فيحمد الله ويذْكره ويدعو، ثم ينهض ولا يُسلِّم. ثم يصلِّي التاسعة، فيجلس فيذكر الله ويدعو، ثم يُسلِّم تسليمة يُسمعنا. ثم يصلِّي ركعتيْن وهو جالس. فلما كبِر وضعُف أوتَر بسبْع ركعات لا يَقعد إلّا في السادسة، ثم ينهض ولا يسلِّم. فيصلِّي السابعة، ثم يسلِّم تسليمة. ثم يصلي ركعتيْن وهو جالس)). رواه أحمد والنسائي. وفي رواية لأحمد في هذه القصة: ((ثم يُسلِّم تسليمة واحدة: “السلام عليكم”، يرفع بها صوته حتى يوقظنا)).

ثم أورد الإمام مجد الدين ابن تيمية حديثًا عن عمر، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يفْصل بين الشفع والوتر بتسليمة يُسمِعُناها)). رواه أحمد. ‌

قال الإمام الشوكاني: أمّا حديث عائشة، فأخرج نحوه أيضًا الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني بلفظ: ((إنّ النّبي صلى الله عليه  وسلم كان يسلِّم تسليمة واحدة تلقاءَ وجهه)). قال الدارقطني في (العلل): رفعه عن زهير بن محمد، عن هشام، عن أبيه، عنها: عمرو بن أبي سلمة, وعبد الملك الصنعاني. وخالفهما الوليد فوقَفه عليها.

قال الإمام الشوكاني: وأمّا حديث ابن عمر، فأخرجه أيضًا ابن حبان وابن السكن في (صحيحيهما)، والطبراني من حديث إبراهيم الصائغ, عن نافع عن ابن عمر بلفظ: ((كان يَفْصل بين الشفع والوتر)). وقد عَقَد صاحب (مجمع الزوائد) الإمام أبو بكر الهيثمي لذلك بابًا -يعني: في هذا الكتاب (مجمع الزوائد) الذي يجمع فيه زوائد الإمام أحمد، والطبراني في (معاجمه)، والبزار، وأبي يعلى- فقال: “باب الفصل بيْن الشفع والوتر: عن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يُصلّي في الحُجرة وأنا في البيت، فيَفْصل ين الشفع والوتر بتسليمة يُسمِعُنَاها)). رواه الطبراني في (الأوسط) -هذا قول الهيثمي، وفيه إبراهيم بن سعيد، وهو ضعيف”. انتهى كلام الهيثمي في (مجمع الزوائد), ولم يذكر في هذا الباب إلا هذا الحديث.

وفي الباب عن سهل بن سعد عند ابن ماجه بلفظ: ((أنّ رسول الله صلى الله عليه  وسلم سلّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه)), وهذا وإن كان مطْلقًا يمكن أن يحمل على المقيّد, ولكن في إسناده: عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد, وقد قال البخاري: “إنه منكر الحديث”. وقال النسائي: “متروك”. وفي الباب عن سلمة بن الأكوع قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه  وسلم صلّى فسلّم مرّة واحدة)), وفي إسناده: يحيى بن راشد البصري، قال يحيى: “ليس بشيء”. وقال النسائي: “ضعيف”. وعن أنس عند ابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه  وسلم سلّم تسليمة واحدة, وعن الحسن مرسلًا: ((أنّ النبي صلى الله عليه  وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يسلِّمون تسليمة واحدة)), ذكَره ابن أبي شيبة, وقال: حدّثنا أبو خالد عن حميد قال: “كان أنس يسلِّم تسليمة واحدة”.

وقد احتجّ بهذه الأحاديث المذكورة هاهنا من قال بمشروعية تسليمة واحدة. وقد قدّمنا ذِكْرهم.

جـ. باب: في الدعاء والذكْر بعد الصلاة:

1. حديث ثوبان:

عن ثوبان قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا, وقال: اللهم أنت السّلام، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)). رواه الجماعة إلا البخاري.‌

وقوله: ((إذا انصرف)). قال الإمام النووي: “المراد بالانصراف: السلام” -يعني: يقول ذلك بعد السّلام.

وقوله: ((استغفرَ ثلاثًا)) فيه مشروعية الاستغفار ثلاثًا.

وقوله: ((أنت السّلام، ومنك السّلام)): ((السّلام)) الأول: من أسماء الله تعالى. وقد ورد ذلك في القرآن الكريم في سورة (الحشر): {السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} [الحشر:23]. و((السّلام)) الثاني: ((ومنك السّلام)) أي: السلامة: ومنك السلامة من الآفات والعيوب، ومن المعاصي، وغير ذلك ممّا هو مهلك أو موبق أو مُنقص لعلاقة الإنسان أو لعلاقة المسلم بربّه عز وجل .

وقوله: ((تباركتَ)): “تفاعلْت”: من البركة -يعني: كلمة ((تباركتَ)) على وزن: “تفاعَل”، وهذا يؤدِّي إلى الزيادة؛ ولذلك قالوا: ((تباركتَ)) أي: “تفاعلْت” من البركة وهي: الكثرة والنماء. ومعناه: تعاظمْتَ أي: كثرَتْ صفاتُ جمالك وكمالك.‌

2. حديث عبد الله بن الزبير:

قال الإمام مجد الدين ابن تيمية -رحمه الله-: وعن عبد الله بن الزبير: ((أنه كان يقول في دُبُر كلِّ صلاة حين يُسلِّم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له المُلك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليِّ العظيم. ولا نعبد إلّا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحَسَن. لا إله إلا الله مخلصين له الدِّين ولو كَرِه الكافرون)). قال: ((وكان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يُهلِّل بهنّ دُبر كلِّ صلاة)). رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.‌

قوله: ((كان يقول في دُبُر كلِّ صلاة)): ((دُبُر)) بضمّ الدال على المشهور في اللغة، والمعروف في الروايات؛ قاله النووي. وقال أبو عمر المطرز في كتاب (المواقيت): “دَبر” كلّ شيء -بفتح الدال: آخِر أوقاته، من الصلاة وغيرها. قال: هذا هو المعروف في اللغة, وأمّا الجارحة فبالضّمّ. -يعني: الجارحة مثل “دُبُر” الإنسان، “دُبُر” الحيوان….

قال الداودي عن ابن الأعرابي: “دُبُر” الشيء -بالضم والفتح: آخِرُ أوقاته. والصحيح: الضّم كما قال النووي. ولم يَذْكر الجوهري في (صحاحه) وآخَرون غيرَ هذا. وفي (القاموس): “الدُّبر” بضمّتَيْن: نقيض القُبُل, ومن كل شيء: عَقِبه, وبفتْحتَيْن “دَبَر” الصلاة في آخِر وقتها.

ونَخْلص من هذا، كأنّ هذا وذاك يجوز.

وقوله: ((حين يُسلِّم)): فيه أنه ينبغي أن يكون هذا الذِّكر يلي السلام مقدّمًا على غيره, لتقييد القول به بوقت التسليم. ‌

والحديث يدلّ على مشروعية هذا الذِّكر بعد الصلاة مرّة واحدة، لعدم ما يدلّ على التكرار. ولكن التكرار لا شكّ في أنه زيادة في الذّكر، فلا بأس به -إن شاء الله تعالى. ‌

هناك حديث آخَر في الباب نفسه, وهو: باب في الدعاء والذِّكْر بعد الصلاة:

قال الإمام مجد الدين ابن تيمية -رحمه الله-: وعن المغيرة بن شعبة: ((أن النبي صلى الله عليه  وسلم كان يقول في دُبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانعَ لِما أعطيتَ، ولا مُعطيَ لِما منعتَ، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ)). ‌

قوله: ((في دُبر)): تقدّم ضبطُه وتفسيره قريبًا في الحديث السابق -يعني: بعد كلّ صلاة.

وقوله: ((له المُلْك وله الحمْد)): قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة: ((يُحيِي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت. بيده الخير)). يعني يكون الذِّكْر: (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد، يُحيِي ويُميت، وهو حيّ لا يموت. بيده الخير، وهو على كل شيء قدير)). ورواته موثّقون. وثبت مثْله عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح, لكن في القول: ((إذا أصبح وإذا أمسى)). انتهى.

يعني: ليس فيه نصٌّ على أنّ ذلك في دُبر كلِّ صلاة مكتوبة, ولا بأس. وقد صَحّ هذا وذاك أنّ رسول الله صلى الله عليه  وسلم كان يقول ذلك في دُبُر كل صلاة مكتوبة, ويقوله إذا أصبح وإذا أمسى.

وقوله: ((لا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ)) تقدّم ضبط ذلك وتفسيره في باب: ما يقول في رفعه من الركوع. وقد قُلنا هناك: إن ((الجَدّ)) هنا بمعنى الحظّ. فالحظّ من الله عز وجل ولا ينفع إنسانًا حظُّه إلا ما يُمِدّه الله عز وجل من ذلك. فالأمور والخير بيده سبحانه وتعالى.‌

أمّا من حيث أحكام هذا الحديث:

فهو يدلّ على مشروعية هذا الذِّكر بعد الصلاة, وظاهره: أنه يقول ذلك مرّة. ووقع عند أحمد والنسائي وابن خزيمة: أنه كان يقول هذا الذِّكر المذكور ثلاث مرّات.

قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) -في: (فتح الباري): وقد اشتُهر على الألسنة في الذِّكر المذكور زيادة: ((ولاَ رادّ لِما قضَيْتَ)) أي: ((اللّهم لا مانع لما أعطيتَ، ولا مُعطيَ لِما منعْتَ، ولا رادّ لِما قضيْتَ, ولا ينفع ذا الجدّ منك الجَدُّ)). وهو في (مسند عبد بن حُميد) من رواية مَعْمر، عن عبد الملك بهذا الإسناد, لكن حَذَف قولَه: ((ولا مُعطيَ لِما مَنعتَ)). ووقع عند الطبراني تامًّا من وجْه آخَر.

error: النص محمي !!