باب نهْي المُتخلِّي عن استقبال القبلة واستدبارها، وباب ما جاء في البول قائمًا
. باب نهْي المُتخلِّي عن استقبال القبلة واستدبارها:
1. حديث أبي هريرة: ((إذا جلس أحدُكم لحاجته…)):
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: ((إذا جلس أحدُكم لحاجته، فلا يستقبلِ القِبلة ولا يستدبرْها))، رواه أحمد ومسلم. في رواية الخمسة إلّا الترمذي قال: ((إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلِّمُكم. فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرْها، ولا يستطبْ بيمينه. وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الرّوثة والرّمة))، وليس لأحمد فيه الأمر بالأحجار.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((إذا جلس أحدُكم لحاجته، فلا يستقبلِ القِبلة ولا يستدبرْها))، رواه أيضًا الإمام مالك. وفي الباب عن أبي أيوب في الصحيحين، وعن سلمان في مسلم، وعن عبد الله بن الحارث بن جزء في ابن ماجه وابن حبان، وعن معقل بن أبي معقل في أبي داود، وعن سهل بن حنيف في (مسند الدارمي). وزيادة: ((لا يستطبْ بيمينه)) هي أيضًا في المتفق عليه من حديث أبي قتادة بلفظ: ((فلا يمسّ ذكَره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسّحْ بيمينه)). وزيادة: ((وكان يأمر بثلاثة أحجار)) أخرجها أيضًا ابن خزيمة، وابن حبان والدارمي، وأبو عوانة في صحيحه، والشافعي من حديث أبي هريرة: ((وليستنْج أحدُكم بثلاثة أحجار))، وأخرجها أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني وصححها من حديث عائشة بلفظ: ((فلْيذهبْ معه بثلاثة أحجار يستطب بهن؛ فإنها تُجزئ عنه)).
أحكام الحديث:
فهو يدلّ على المنع من استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط، وقد اختلف الناس في ذلك على أقوال:
المذهب الأول: لا يجوز ذلك لا في الصحاري ولا في البنيان.
المذهب الثاني: الجواز في الصحاري والبنيان.
المذهب الثالث: أنه يحرم في الصحاري لا في العمران، وإليه ذهب مالك والشافعي.
المذهب الرابع: أنه لا يجوز الاستقبال لا في الصحارى ولا في العمران، ويجوز الاستدبار فيهما، وهو أحد الروايتيْن عن أبي حنيفة وأحمد.
المذهب الخامس: أن النهْي للتنزيه، فيكون مكروهًا؛ وإليه ذهب الإمام القاسم بن إبراهيم.
المذهب السادس: جواز الاستدبار في البنيان فقط، وهو قول أبي يوسف، ذكَره في (الفتح).
المذهب السابع: التحريم مطلقًا حتى في القبلة المنسوخة -وهي بيت المقدس، وهو محكي عن إبراهيم وابن سيرين -ذكره أيضًا في (الفتح). وقد ذهب إلى عدم الفَرْق بين القبلتيْن: الهادوية، ولكنهم صرحوا بأنه مكروه فقط.
الراجح من هذه المذاهب:
لا يجوز استقبال القبلة أو استدبارها مطلقًا إلّا لضرورة.
ومما يؤخذ من الحديث:
وفي الحديث دلالة على أنه يجب الاستنجاء بثلاثة أحجار، ولا يجوز الاستنجاء بدونها لِنهْيه صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بدون ثلاثة أحجار، وأمّا بأكثر من ثلاث فلا بأس به، لأنه أدخلُ في الإنقاء. وقد ذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلى وجوب الاستنجاء، وأنه يجب أن يكون بثلاثة أحجار أو ثلاث مسحات، وإذا استنجى للقُبُل والدّبر وجب ستّ مسحات: لكلّ واحد ثلاث مسحات.
وطبعيٌّ أنّ كلَّ هذه الآراء، إذا لم يستنج بالماء، فإذا استنجى بالماء فلا حاجة به إلى كل ذلك، فالماء يزيل النجاسة
وفي الحديث أيضًا: النهي عن الاستطابة باليمين.
2. حديث أبي أيوب الأنصاري: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة…)):
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القِبلة ولا تستدْبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا))، قال أبو أيوب: “فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بُنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى”، متفق عليه؛ أي: رواه البخاري ومسلم وأحمد، رحمهم الله تعالى.
قوله: ((إذا أتيتم الغائط))، هو: الموضع المطمئنّ من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة؛ فكنوا به عن نفْس الحدث، كراهية منهم لذكْره بخاصّ اسمه.
وقوله: ((ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا)) محمول على محلّ يكون التشريق والتغريب فيه مخالفًا لاستقبال القبلة واستدبارها، كالمدينة وما في معناها من البلاد. ولا يدخل فيه ما كانت القبلة فيه إلى المشرق والمغرب.
وقوله: ((إذا أتيتم الغائط))، قلنا: إنه الموضع المطمئنّ من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنوا بذلك عن نفس الحدث كراهيّة منهم لذِكْره بخاصّ اسمه.
وقوله: ((ولكن شرّقوا أو غرّبوا)) محمول على محلّ يكون التشريق والتغريب فيه مخالفًا لاستقبال القبلة واستدبارها، كالمدينة وما في معناها من البلاد، ولا يدخل فيه ما كانت القبلة فيه إلى المشرق أو المغرب.
وقوله: “مَراحيض” -بفتح الميم، وبالحاء المهملة، وبالضاد المعجمة-: جمع مِرحاض، وهو المغتسَل، وهو أيضًا كناية عن موضع التخلّي.
وقوله: “ونستغفر الله”، قيل: يراد به: الاستغفار لِباني الكُنُف على هذه الصّفة الممنوعة عنده. وإنما وجب المصير إلى هذا التأويل، لأنّ المنحرف -وأبو أيوب قد ذكر أنه ينحرف عن القبلة حين ذلك فقال: “فننحرف عنها”، إنما وجب المصير إلى هذا التأويل، لأن المنحرف- لا يحتاج إلى استغفار.
والحديث استُدل به على المنع من استقبال القبلة. واستدل بقول أبي داود: “من لم يفرّق بين الصحاري والبنيان”، وقد تقدم الكلام على فقه الحديث في الذي قبله.
2. حديث جابر بن عبد الله: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول…)):
وننتقل إلى حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبلها))، رواه الخمسة؛ يعني: أصحاب السنن الأربع، وأحمد، إلا النسائي فإنه لم يروه، وأخرجه أيضًا: البزار، وابن الجارود، وابن خزيمة، وابن حبّان، والحاكم، والدارقطني. وحسّنه الترمذي.
هذا الحديث يردّ على من قال بجواز الاستدبار فقط، سواء قيّده بالبنيان -كما ذهب إليه البعض- أو لم يُقيِّده -كما ذهب إليه آخَرون، وقد سبق ذكْرهم في الباب الأول. ويردّ الحديث أيضًا على مَن قيّد جواز الاستقبال والاستدبار بالبنيان. وقد يُجاب بأنها حكاية فعل -يعني فعْل الرسول صلى الله عليه وسلم ، لا عموم لها؛ فيُحتمل أن يكون لعذر، وأن يكون في بنيان -هكذا أجاب الحافظ بن حجر- ذكَر ذلك في (التلخيص الحبير). ولا يخفى أنّ احتمال أن يكون ذلك الفعل لعذر يقال مثله في حديث ابن عمر، فلا يتم للشافعية ومن معهم الاحتجاج به على تخصيص الجواز بالبنيان. وقد تقدم الكلام على الحديث في الذي قبله، وفي الباب الأول.
جـ. باب ما جاء في البول قائمًا:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: “مَن حدّثكم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائمًا، فلا تُصدِّقوه؛ ما كان يبول إلّا جالسًا”، رواه الخمسة إلا أبا داود، وقال الترمذي: هو أحسن شيء في هذا الباب وأصح. قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وبريدة، وحديث عمر إنما رُوي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، قال: “رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائمًا فقال: ((يا عمر، لا تَبُل قائمًا)). قال: فما بُلْت قائمًا بعْدُ.
قال الترمذي: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعّفه أيوب السًّختياني، وتكلم فيه. وروى عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: “ما بُلت قائمًا منذ أسلمت” وهذا أصحّ من حديث عبد الكريم. وحديث بريدة في هذا غير محفوظ، وهو بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ في سجوده))، ورواه البزار.
أحكام الحديث:
فهو يدلّ على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يبول حال القيام، بل كان هديه في البول القعود؛ فيكون البول حال القيام مكروهًا.