Top
Image Alt

باب وجوب استقبال القبلة، وباب حُجة من رأى فرض البعيد إصابة الجهة

  /  باب وجوب استقبال القبلة، وباب حُجة من رأى فرض البعيد إصابة الجهة

باب وجوب استقبال القبلة، وباب حُجة من رأى فرض البعيد إصابة الجهة

أ. باب وجوب استقبال القبلة:

حديث ابن عمر، وحديث أنس:

عن أبي هريرة في حديثٍ قال: قال النّبي صلى الله عليه  وسلم: ((فإذا قُمْت إلى الصّلاة فأسْبِغ الوضوء، ثمّ استقبل القبلة فكبِّرْ)). وهذا الحديث الذي أشار إليه مجد الدين ابن تيمية -رحمه الله-, هو حديثُ الْمُسيء في صَلاته, ويأتي -إنْ شاء الله تعالى.

فهذا اللّفظ الذي ذَكَره المُصنّف هو لَفْظ مسلم, وهو يدلّ على وُجوب استقبال القبلة. وهو إجْماع المُسلمِين، إلّا في حالة الْعَجْز، أو في الخوْف عند الْتِحام القتال، أو في صَلاة التّطوُّع، كَما سيأتي.‌

وَقَدْ دلّ على الوجوب: القرآن، والسّنة المتواترة. وفي الصّحيح من حديث أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((أُمِرْت أنْ أقاتل النّاس حتّى يَقُولوا: لا إله إلّا الله. فإذا قالوها وَصلّوْا صَلاتنا، واستقبلوا قبْلتنا، وذبحوا ذبيحتنا, فَقَد حَرُمت عَليْنا دِمَاؤُهم وأموالُهم، إلّا بحقِّها. وحِسَابهم على الله عز وجل )). والشّاهد هُنا: ((واسْتقْبلوا قِبْلَتنا)).

وَنَنْتقل بعد هذا التّمهيد إلى حديثٍ رواه الإمام مجد الدين ابن تيمية بعد هذا الحديث الذي استقبل به الباب.

قال: عن ابن عمر قال: ((بَيْنما النّاس بِقُباء في صلاة الصّبح, إذْ جاءهم آتٍ فقال: إنّ النّبي صلى الله عليه  وسلم قد أُنْزل عليه اللّيلة قُرآن, وقد أُمِر أنْ يَسْتقبل القبلة فاستقبِلوها. وكانت وُجوههم إلى الشّام، فاستداروا إلى الكعبة)). متّفق عليه. -أي: رواه كما ذكَرنا قبل ذلك الشّيْخان, وأحمد -رحمهم الله تعالى.

روى مجد الدّين -رحمه الله- عن أنس: أنّ رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((كان يُصلّي نَحْو بَيْت المَقْدس، فَنَزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144]. فمرّ رَجُل مِنْ بَنِي سَلمة وهم رُكوعٌ في صَلاة الفجرِ وقد صَلّوْا رَكْعة، فَنَادى: ألاَ إنّ القبلة قد حُوِّلت. فَمَالوا كَما هُم نَحْو القبلة)). رواه أحمد ومسلم وأبو داود.

قال الإمام الشوكاني: وفي الباب عن البراء عند الجماعة إلّا أبا داود، وعن ابن عبّاسٍ عند أحمد والبزار، والطّبرانيّ قال العراقي: “وإسناده صَحيح”.

قوله: ((في َصلاة الصّبح)) هكذا في (صَحيح مسلم) ، من حديث أنس بلفظ: ((وهُم ركوعٌ في صلاة الفجر)). وَكَذا عند الطّبراني من حَدِيث سَهَل بن سَعَد بلفظ: ((فَوَجدَهُم يُصلُّون صَلاة الغداة)) -أي: الصّبح، وفي التّرمذي من حديث البراء بلفظ: ((فَصلّى رَجُل مَعَه العصر))، وَسَاق الحديث.

وهو مُصرّح بذلك في رواية البخاري من حديث البراء، وليس عند مسلم تعيين الصّلاة من حديث البراء. وفي حديث عمارة بن أوس: أنّ التي صلّاها النّبي صلى الله عليه  وسلم إلى الكعبة إِحْدى صلاتي العشيّ -أي: الظّهر أو العصر. وهكذا في حديث عمارة بن رُوَيبة وحديث تُوَيلة، وفي حَديث أبي سعيد بن الْمُعلّى: أنّها الظّهر..‌

وقوله: ((إذْ جاءهم آتٍ))، قيل: هو عبّاد بن بِشْر، وقيل: هو عبّاد بن نُهيْك، وقِيل: غيرهما…

وقوله: ((فاسْتقْبلوها)) أي فَتحوّلوا إلى جِهَة الكعبة، وفاعل “اسْتقبلوها”: المخاطَبون بذلك, وهم أهل قُباء.

وقوله: ((وَكانت وُجوههم إلى الشّام)) هو تفسير من الرّاوي للتحوّل المذكور، والضّمير في وُجوههم فيه الاحتمالان، وقد وَقَع بيان كَيْفية التّحوّل في خَبَرِ تُوَيلة قالت: ((فَتَحوّل النّساء مكان الرِّجال، والرِّجال مَكان النِّساء)).

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: وتصْوِيرُه: أنّ الإمام تحوّل من مكانه في مُقدّم المسجد إلى مُؤخّر المسجد, لأنّ من استقبل الكعبة اسْتدْبر بَيْت المقدس, وهو لَوْ دَار في مَكانه لم يَكُن خَلْفَه مَكان يَسَع الصّفُوف، وَلمّا تَحوّل الإمام تَحَوّلت النساء حَتّى صِرْن خَلْف الرِّجال.

وللحديث الأوّل، وهو عن ابن عمر: ((بينما النّاس بِقُباء)) إلى آخره هذا الحديث له فوائد، منها: أنّ حكم النّاسخ لا يَثْبت في حَقّ المُكلّف حتّى يَبْلُغه، لأنّ أهل قُباء لم يُؤمَروا بالإعادة, وهم قد أُعْلِمُوا بذلك بعد أنْ حُوِّلت القبلة. ومعناه أنّهم صَلّوْا جُزءًا من الصّلاة إلى غير القبلة النّاسخة.

ومنها: جَواز الاجتهاد في زَمَن النّبي صلى الله عليه  وسلم في أمر القبلة، لأنّ الأنصار تَحوّلوا إلى جِهَة الكعبة بالاجتهاد، ولم يَنْقضوا الصّلاة ولم يَسْتأنِفوا، إلى غير ذلك…

ب. باب: حجّة من رَأى فرْض البعيد: إصابة الجهة:

‌‌يعني: الذي هو بَعِيد عن الكعبة، لا يَسْتطيع أنْ يراها, أنّ الواجب والفرض عليه: إصابة الجهة أيضًا بالاجتهاد لا إصابة العين. فهو يَتَوجّه إلى جِهَة الكعبة وَيَتوكّل على الله عز وجل . وعن أبي هريرة أنّ النّبي صلى الله عليه  وسلم قال: ((ما بَيْن المشرق والمغرب قِبْلة)). رواه ابن ماجه والتّرمذي وصحّحه.‌

والحديث يدُلُّ على أنّ الفرض على من بَعُد عن الكعبة: الْجِهَة لا الْعَيْن. وإليه ذَهَب: مالك وأبو حنيفة وأحمد. وهو ظاهر ما نَقَله المُزني عن الشافعي. وقد قال الشافعي أيضًا: إنّ شَطْر البيت -يعني في قوله تعالى: {فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]- وتِلْقاءه وَجِهَته واحدٌ في كلام العَرَب.  

error: النص محمي !!