Top
Image Alt

باب وجوب الاستنجاء بالحَجر أو الماء، وباب النّهْي عن الاستجمار بدون الثلاثة الأحجار

  /  باب وجوب الاستنجاء بالحَجر أو الماء، وباب النّهْي عن الاستجمار بدون الثلاثة الأحجار

باب وجوب الاستنجاء بالحَجر أو الماء، وباب النّهْي عن الاستجمار بدون الثلاثة الأحجار

باب: وجوب الاستنجاء بالحَجر أو الماء.

قال الإمام مجد الدِّين ابن تيمية -رحمه الله-: وعن ابن عباس رضي الله  عنها: أن النبي صلى الله عليه  وسلم مرّ بقبريْن فقال: ((إنهما لَيُعذَّبان، وما يُعذَّبَان في كبير، أمّا أحدهما فكان لا يستتر مِن بوله. وأمّا الآخر فكان يمشي بالنّميمة))، رواه الجماعة. وفي البخاري والنسائي: ((وما يُعذَّبان في كبير. ثم قال: بلى! أمّا أحدهما…)) وذكَر الحديث.

قوله صلى الله عليه  وسلم : ((إنهما يُعذَّبان)) أعاد الضمير إلى القبريْن مجازًا، والمراد: مَن في القبريْن.

وقوله: ((لا يستَتِر)) -بمُثنّاتَيْن من فوق: الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة، وهو كذا في أكثر الروايات. قال ابن حجر في (الفتح): “وفي رواية لمسلم وأبي داود: ((يَستنْزِه)) -بنون ساكنة، بعدها زاي، ثم هاء. وفي رواية لابن عساكر: ((يستبرئ)) -بموحّدة ساكنة- مِن “الاستبراء”. فالرواية الأولى، معناها الاستتار: أي لا يجعل لنفسه سترًا دون نظر الناس، فتوافق الرواية الثانية لأنها مِن التّنزّه، وهو: الإبعاد. وقال آخرون: لا، بل المعنى إنه لا يستتر ويتوقى من رشاش البول، وهذا يتفق مع الرواية الثانية (لا يستنزه) أي لا يتوقى من البول. وقد ثبت من حديث أبي هريرة، مرفوعًا: ((أكثر عذاب القبْر مِن البول)) أي: بسبب ترْك التّحرّز منه. وقد صحّحه ابن خزيمة. وسيأتي حديث: ((تنزّهوا من البول؛ فإنّ عامّة عذاب القبر منه)). وقوله: ((من بوله)) هذه الرواية تَرُدّ مذهب مَن حَمل البول على العموم، واستدلّ به على نجاسة جميع أبوال الحيوانات -كما سبق ذلك. وقد سبق الكلام على ذلك في باب: “الرخصة في بول ما يُؤكل لحْمه”.

وقوله: ((يمشي بالنميمة)) قال النووي: “هي نقل كلام الغير بقصد الإضرار؛ وهي من أقبح القبائح”.

أمّا حكم الحديث، فيدل على نجاسة البول من الإنسان، ووجوب اجتنابه؛ وهو إجماع. ويدل أيضًا على عِظَم أمْره وأمْر النميمة، وأنهما من أعظم أسباب عذاب القبر. والحديث أيضًا يدلّ على إثبات عذاب القبر؛ وقد جاءت الأحاديث المتواترة بإثباته، وخلاف بعض المعتزلة في ذلك من الأباطيل التي لا مُستنَد لها إلا مُجرّد الهوى.

فائدة:

لم يُعرف اسم المقبورَيْن ولا أحدهما، والظاهر أنّ ذلك كان على عمْد مِن الرّواة لقصد التّستّر عليهما؛ وهو عمل مستحسن

ب. باب: النّهْي عن الاستجمار بدون الثلاثة الأحجار:

1. حديث عبد الرحمن بن يزيد: “قيل لسلمان: علّمَكم نبيُّكم كلّ شيء…”:

عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: “قيل لسلمان: علّمَكم نبيُّكم كلّ شيء، حتى الخِراءة. فقال سلمان: أجَلْ! ((نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنْجي باليمين، أو أن يَستنجي أحدُنا بأقلّ من ثلاثة أحجار، أو أن يستنجي برجيع أو بعظم)) رواه: مسلم، وأبو داود، والترمذي.

أمّا الاستقبال بالغائط والبول، فقد تقدّم الكلام عليه في: “باب نهي المتخلي عن استقبال القبلة”. وأما الاستنجاء باليمين، فقد تقدّم أيضًا طرفٌ من الكلام عليه في ذلك الباب.

قال النووي: “قد أجمع العلماء على أنه منهيّ عنه، ثم الجماهير على أنه نهْي تنزيه وأدب، لا نهْي تحريم. قال: وأشار إلى تحريمه جماعة مِن أصحابنا، ولا تعويل على إشارتهم. ثم قال النووي: قال أصحابنا -أي الشافعية-: ويُستحبّ ألّا يستعين باليد اليمنى في شيء مِن أحوال الاستنجاء، إلّا لعذر. فإذا استنجى بماء، صبّه باليمنى ومسح باليسرى. وإذا استنجى بحجر، فإن كان في الدّبر مسح بيساره، وإن كان في القُبُل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميْه بحيث يتأتّى مسحه، أمسك الذّكَر بيساره ومسحَه على الحجر. وإن لم يُمكِنْه واضطرّ إلى حمل الحجر، حمله بيمينه وأمسك بيساره ومسح بها، ولا يحرِّك اليمنى؛ هذا هو الصواب. وقال بعض أصحابنا: يأخذ الحجر بيساره، والذّكَر بيمينه، ويمسح ويحرِّك اليسرى؛ وهذا ليس بصحيح لأنه يمسّ الذّكَر من غير ضرورة، وقد نُهي عنه. ثم إن في النهي عن الاستنجاء باليمين تنبيهًا على إكرامها وصيانتها عن الأقذار، ونحوها. والحاصل: أنه قد ورَدَ النهي عن مسّ الذّكَر باليمين في الحديث المتّفق عليه، وورد النهي عن الاستنجاء باليمين في هذا الحديث وغيره، فلا يجوز استعمال اليمين في أحَد الأمريْن. وإذا دعتِ الضرورة إلى الانتفاع بها في أحدهما استعملها قاضي الحاجة في أخفِّ الأمريْن في نظَره. وأمّا النهي عن الاستنجاء بأقلّ من ثلاثة أحجار، فقد ذكرنا في “باب نهي المتخلِّي عن استقبال القبلة” الروايات الواردة في هذا المعنى، وذكرنا هنالك طرفًا مِن فقْه هذه الجملة. وقد قال بعض أهل الظاهر: إنّ الاستجمار بالحجر متعيِّن، لنصّه صلى الله عليه  وسلم عليها؛ فلا يُجزئ غيره. وذهب الجمهور إلى أنّ الحجَر ليس متعيَِّنًا، بل تقوم الخرقة والخشب وغير ذلك مقامه. قال النووي: “فلا يكون له مفهوم، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ} [الأنعام: 151]، يعني: مع أن النهي عن قتل الأولاد مُطلقًا، سواء كان من إملاق -من فقْر- أو من غير فقر، وكذلك هنا. ويدل على عدم تعيّن الحجَر: نهْيُه صلى الله عليه  وسلم عن العظْم والبعْر والرّجيع، ولو كان متعيّنًا لنهى عمّا سواه مطلقًا. وعلى الجملة: كلّ جامد طاهر مزيل للعيْن، ليس له حرمة، يُجزئ الاستجمار به”.

وأما النهي عن الاستنجاء برجيع أو بعظم، فقد ثبت مِن طُرق متعدِّدة. والرجيع: الروث. وفيه تنبيه على النهي عن جنس النّجِس؛ فلا يُجزئ الاستنجاء بنجِس أو مُتنجِّس. وقد ذهبت العترة، والشافعي وأصحابه، إلى عدم إجزاء العظم والروث. وقال أبو حنيفة: يُكره ويُجزئ، إذ القصد: تخفيف النجاسة وهو يحصل بهما. ويدل للأول: ما أخرجه الدارقطني وصحّحه مِن حديث أبي هريرة، وفيه: ((أنهما لا يُطهِّران)). والنهي عن العظم لكونه طعام الجنّ -كما سيأتي، وفيه تنبيه على جميع المطعومات، ويلتحق بها المحترَمات، كأجزاء الحيوانات، وأوراق كتب العلم، وغير ذلك…

وقوله: “الخِراءة”، هي: العذِرة.

وقوله: “الخراءة” -الممدودة لفظًا. المذكورة في الحديث، بقوله: “علّمكم … إلخ”، المراد بها: الفعل نفسه، لا الخارج؛ فينظر في تفسيرها به.

جـ. باب الاستنجاء بالماء:

عن أنس بن مالك رضي الله  عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماءٍ وعَنَزَة. فيستنجي بالماء)) متفق عليه.

قوله: “إداوة” هي -بكسر الهمزة-: إناء صغير من جلد.

وقوله: “عَنَزة” هي: عصًا أقصر من الرمح لها سنان. وقيل: هي الحربة القصيرة.

فقوله: “فيستنجي”، قال الأصيلي متعقِّبًا على البخاري استدلاله بهذه الزيادة على الاستنجاء: إنها من قول أبي الوليد -أحد الرواة عن شعبة، لا من قول أنس.

والحديث يدلّ على ثبوت الاستنجاء بالماء؛ وقد أنكره مالك، وأنكر أن يكون النبي صلى الله عليه  وسلم استنجى بالماء. وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة، عن حذيفة بن اليمان: أنه سئل عن الاستنجاء بالماء، فقال: “إذًا لا يزال في يدي نَتَن”. وعن نافع: “أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء”. وعن ابن الزبير قال: “ما كنّا نفعله”. والسُّنّة دلت على الاستنجاء بالماء في هذا الحديث وغيره؛ فهي أولى بالاتّباع.

error: النص محمي !!