بدأ أعمال حجة صلى الله عليه وسلم: يوم عرفه وعمله صلى الله عليه وسلم فيه، وعمل ليلة النحر بمزدلفة، وعـمـل يوم النحر بمزدلفة ومنى وحكمه
أ. بدء أعمال حجه عليه السلام :
سارالنبي حتى دخل المسجد ضحى، ثم عمد إلى البيت، وطاف بعد أن استلم الحجر الأسود، ثم بعد الطواف أتى خلف المقام -مقام إبراهيم- فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ثم صلى صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم بعد ذلك طاف ثم سعى بين الصفا والمروة، وأدى هذا العمل، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك نزل بظاهر مكة، فأقام بها ما بقي من أيامٍ حتى جاء يوم الخميس الثامن من ذي الحجة، الذي خرج منه ضحىً متوجهًا بمن معه إلى منًى، فأحرم بالحج من كان أحل منهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن قد ساق الهدي معه بأن يتحلل بعمل عمرة، فأحرم بالحج كل من تحلل بعمرة يوم أن دخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأهلوا من رحالهم كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بذلك وصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء في منى حتى أصبح فصلى الصبح، وكانت تلك ليلة الجمعة يوم عرفة.
ب. يوم عرفه وعمله صلى الله عليه وسلم فيه، وعمل ليلة النحر بمزدلفة، وعمل يوم النحر بمزدلفة ومنى وحكمه:
فلما طلعت الشمس سار صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفة، وكان من بين أصحابه الملبي والمكبر والمهلل وهو يسمع ذلك صلى الله عليه وسلم ولا ينكر على أحد منهم، ثم نزل صلى الله عليه وسلم بعرفات في قبة ضربت له بنمرة وكانت قرية شرقي عرفات، حتى إذا زالت الشمس رحلت ناقته القَصواء.
ثم سار حتى أتى بطن الوادي من أرض عُرنة، فخطب الناس وهو على راحلته خطبة عظيمة، قرر فيها قواعد الإسلام، وهدم قواعد الشرك والجاهلية، وقرر تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها، وجاء الإسلام ليؤكد ذلك: وهي تحريم الدماء والأموال والأعراض، ووضع صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة أمور الجاهلية تحت قدميه، ووضع فيها كذلك رِبا الجاهلية، وأوصى بالنساء خيرًا، كما أوصى بالاعتصام بكتاب الله عز وجل، وبيَّن للناس أنهم لن يضلوا أبدًا ما تمسكوا به وبسنته، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنهم مسئولون عنهما أمام الله، واستنطقهم بماذا يقولون؟ وبماذا يشهدون؟ فقالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت فرفع أُصبعه إلى السماء واستشهد الله عليهم ثلاثًا قائلًا:((ألا هل بلغت اللهم فاشهد)) ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منه الغائب.
وهنا أرسلت أم الفضل زوج العباس – رضي الله عنها وعنه- بقدح لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشربه أمام الناس، وهو على ناقته، يخطب حتى يتأكد للناس أنه كان مفطرًا في هذا اليوم، ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما أتم هذه الخطبة أمر بلالًا فأذن أذانًا واحدًا وأقام الظهر فصلاه ركعتين صلى الله عليه وسلم ثم أقام للعصر إلى أذان فصلاه ركعتين، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ركب ناقته حتى أتى الموقف في ذيل الجبل عند الصخرات واستقبل القبلة وكان على بعيره، فأخذ في الدعاء والابتهال والتضرع إلى الله عز وجل حتى كان الغروب.
فلما غربت الشمس واستحكم غروبها أفاض صلى الله عليه وسلم إلى مزدلفة مردِفًا خلفه أسامة بن زيد، وأمر الناس صلى الله عليه وسلم بالسكينة، وضرب المثل من نفسه حين ما ضم إليه ذمام ناقته حتى إن رأسها ليصيب طرف رَحله، وكان يأمر الناس بالسكينة فيقول: عليكم بالسكينة، يقرر ذلك حتى لا يتدافع الناس.