Top
Image Alt

بدعة “القدرية”

  /  بدعة “القدرية”

بدعة “القدرية”

أما عن القدرية فقد ورد ذكرهم في الصحيح، روى مسلم بسنده عن يحيى بن يعمر أنه قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر! فوَفَّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلًا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا -أي: عندنا- ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم –أي: يتقعرون فيه- وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُف.

قال: فإذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر, لو أن لأحدهم مثل أُحُد ذهبًا فأنفقه؛ ما قبل الله منهم حتى يؤمن بالقدر. ثم ذكر حديث سؤال جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان، وفيه عن الإيمان: ((وتؤمن بالقدر خيره وشره)).

وقد ذكر ابن حجر معبدًا الجهني فقال: قال أبو حاتم: كان أول من تكلم في القدر بالبصرة، وكان رأسًا في القدر، قدم المدينة فأفسد بها أناسًا.

وقال الأوزاعي: أول من نطق في القدر رجلٌ من أهل العراق يقال له: سوسن، كان نصرانيًّا فأسلم ثم تنصَّر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد. وكان الحسن يقول: إياكم ومعبدًا؛ فإنه ضال مضل. وكان مسلم بن يسار يقعد إلى سارية، ويقول لأصحابه: إن معبدًا يقول بقول النصارى.

وقال ابن حبان عن معبد: كان يجالس الحسن، وهو أول من تكلم بالبصرة في القدر، فسلك أهل البصرة بعده مسلكه فيها لما رأوا عمرو بن عبيد ينتحله.

وقال حماد بن زيد: كان معبد الجهني أول من تكلم في القدر بالبصرة، وكان عطاء بن أبي ميمونة، فكأن لسانه سحر وقد رأيته، وكان يرى القدر، وكانا يأتيان الحسن فيقولان: يا أبا سعيد, إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون الأموال ويفعلون، ويقولون: إنما تجري أعمالنا على قدر الله، فيقول: كذبوا.

قال: فيتعلقون بمثل هذا وشبهه عليه، فيقولون: يرى رأي القدر.

وقال ابن عون: أمران فيكم قد أدركت، وليس فينا واحد منهما: هذه المعتزلة، وهذه القدرية.

وظهر عمرو بن عبيد فشوّش وروّج للاعتزال والقدر، قال سفيان بن عيينة: سُئل عن مسألة فأجاب فيها وقال: هذا من رأي الحسن, فقال له رجل: إنهم يروون عن الحسن خلاف هذا! قال: إنما قلت هذا من رأيي الحسن. يريد نفسه، فكان يتلاعب بذلك ويكذب على الحسن البصري.

وقال عباد بن كثير: كنت عند عمرو بن عبيد فأخبرني بشيء واستكتمني، قال: لا جمعة بعد عثمان بن عفان. ونُقل عنه قوله: لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير على شراك نعلي؛ ما قبلت شهادتهم. قال ابن عدي: وكان يغر الناس بنُسُكه وتقشفه، وهو ضعيف الحديث جدًّا, معلق بالبدع.

وفي (تاريخ بغداد): عن معاذ بن معاذ أنه قال: كنت جالسًا عند عمرو بن عبيد، فأتاه رجل يقال له: عثمان، فقال: يا أبا عثمان -أي: عمرو بن عبيد- سمعت والله اليوم الكفر. قال: لا تعجب بالكفر، وما سمعت؟ قال: سمعت هاشمًا الأوقص -وهو منهم- يقول: إن {ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ}المسد: 1] و{ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ}المدثر: 11] و{ﭶ ﭷ}المدثر: 26] إن هذا ليس في أم الكتاب، والله تعالى يقول: {ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ}الزخرف: 4] فما الكفر إلا هذا يا أبا عثمان! فسكت عمرو هنيهة، ثم أقبل علي -أي على معاذ بن معاذ- فقال: والله لو كان القول كما يقول؛ ما كان على أبي لهب من لوم، وعلى الوحيد من لوم، فقال عثمان: هذا والله الدين يا أبا عثمان. قال معاذ بن معاذ: فدخل الرجل عليه بالإسلام، وخرج بالكفر.

error: النص محمي !!