بعض المبادئ العامة التي لا بد أن تتوفر في المنهج
نلخص بعض المبادئ العامة التي يكاد يتفق عليها معظم المربين، وهذه المبادئ لا بد أن تتوفر في المنهج، ومن هذه المبادئ: ضرورة أن يتضمن المنهج جميع الخبرات التعليمية التي تشرف عليها المدرسة وتتبناها وتعتقدها، كذلك التعاون وإشراك أفراد عديدين -على نطاق واسع- في نخطيط المنهج يعد أمرا مرغوبا فيه من قبل المدرسين والتلاميذ والآباء والمواطنين، وكذلك ضرورة استمرار عملية تخطيط المنهج؛ حتى لا تصاب العملية التربوية بالجمود والتخلف، وكذلك تخطيط المنهج يجب أن يهدف إلى مساعدة المدرس في تدريسه مساعدة ملموسة. ويمكن تلخيص خطوات المنهج في عدة نقاط:
الخطوة الأولى: التعرف على السياسة التربوية وتوجهاتها العامة، التي هي ترجمة لفلسفة التربية، المنبثقة من فلسفة المجتمع وطموحاته وآماله وحاجاته.
الخطوة الثانية: التعرف على حاجات المجتمع وحاجات التلاميذ وتشخيصها.
الخطوة الثالثة: صياغة الأهداف التربوية التي تترجم السياسة التربوية المرسومة من جهة، وتلبي من جهة أخرى حاجات المجتمع والتلاميذ معا، بحيث تدور هذه الأهداف حول المحاور التالية:
المحور الأول: أهداف تحقيق الذات وهذه الأهداف تصف الشخص المتعلم.
المحور الثاني: أهداف العلاقات الإنسانية، وهذه الأهداف تصف الشخص المتعلم بعلاقاته المتنوعة في أسرته وفي جماعته وفي مجتمعه.
المحور الثالث: أهداف الكفاية الاقتصادية، وهذه الأهداف تصف المتعلم كمنتج ومستهلك في آن واحد.
المحور الرابع: أهداف المسؤولية المدنية، وهذه الأهداف تصف المتعلم كمواطن له حقوق وعليه واجبات يأخذها ويؤديها.
والخطوة الرابعة من خطوات تخطيط المنهج وإعداده هي: اختيار محتوى المنهج وتنظيمه، فهذا الاختيار يعد من أكبر المشكلات التي تواجهنا عند تخطيط المنهج؛ نظرا للزيادة المتسارعة في كمية المعرفة، ونظرا للتغيرات الاجتماعية السريعة التي نضطر معها إلى إعادة النظر في مناهجنا، إضافة إلى زيادة عدم التجانس بين تلاميذ المدرسة، التي تتطلب تكييف المنهج لميول وقدرات وحاجات التلاميذ المختلفة، ويستلزم اختيار محتوى المنهج وتنظيمه توافر محكات أخرى إلى جانب الأهداف.
ومن أمثلة ذلك أن يكون المحتوى صادقا صدقا اجتماعيا وسيكولوجيا، وله مغزى وأهمية ومعنى للمتعلمين، وأن نميز على نحو سليم بين المستويات المختلفة للمحتوى، وأن نحدد مستوى النمو الذي يلائم كل من هذه المحتويات، وهذا الاختيار والتنظيم يستلزم -فضلا عن ذلك- مراعاة مبدأ الاستمرار في التعلم ومبدأ التتابع والتكامل، كما يراعي التنوع في قدرة التلاميذ على التعلم.
الخطوة الخامسة: اختيار خبرات التعلم وتنظيمها.
الخطوة السادسة: اختيار نشاطات التعليم والتعلم والمصادر والوسائل التعليمية، التي سوف يتم من خلالها وبواسطتها عرض وتناول محتوى المادة الدراسية.
الخطوة السابعة: تحديد ما نقوم بتقويمه وطرق التقويم المناسبة ووسائل التقويم واستراتيجياته، أي وضع خطة متكاملة للتقويم، تعنى هذه الخطة بتقويم التعلم دون التركيز على كمه فقط، بحيث تساعدنا في الوصول إلى غايات التربية، وفيما يرتبط بتحديد حاجات المتعلمين من المنهج فإنه من الأهمية بمكان أن نحدد حاجات التلاميذ، الذين سوف يدرس لهم هذا المنهج، وإلى أي مدى يتوافق هذا المنهج مع حاجات واستعدادات هؤلاء التلاميذ، فمن خطوات المنهج وتصميمه وإعداده اعتبار حاجات التلاميذ والمتعلمين، وهذه الخطوة مهمة حتى يستطيع المنهج تلبية هذه الاحتياجات والعمل على إشباعها، فإذا استطاع المنهج النجاح في تحقيق حاجات المجتمع كان محتواه صادقا اجتماعيا، وإذا استطاع النجاح في تحقيق حاجات المتعلمين كان محتواه صادقا سيكولوجيا، وله معنى وقيمة لديهم وفي حياتهم، فما هي الحاجة وكيف يمكننا تشخيص حاجات المجتمع وحاجات المتعلمين؟.
يمكننا في البداية أن نعرف الحاجة بأنها مفهوم يتضمن الهدف، الذي يشعر الفرد والمجتمع بأن عليه بلوغه، وتتعدد حاجات الفرد والمجتمع وتتعدد أهداف كل منهما، وقد تعبر الحاجة للمتعلم أو للمجتمع عن مشكلة، ولذلك فإن ما يلمس من مشاكل هي في الغالب حاجات لم يتم إشباعها أو لو تتم مقابلتها، وتعرف الحاجة بالنسبة للمجتمع على وجه التحديد بأنها موقف يظهر فيه التناقض، بين الحالة المقبولة التي ينبغي أن يكون عليها المجتمع، وبين حالته الملاحظة أي التي تمت ملاحظتها، وحتى يمكن تشخيص حاجات المجتمع -في أي مجتمع من المجتمعات وتحدياته وحاجاته- فإن هناك أسلوبين يمكن استخدامهما لتحليل وتحديد حاجات المجتمع:
الأسلوب الأول: هو أسلوب تحليل الوثائق الخاصة بمناحي المجتمع، كما يتم عرضها من خلال المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية، والخطط التنموية ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وما يعلن عنه المجتمع بين حين وآخر.
الأسلوب الثاني: وهو أسلوب “ديلفاي”، وهو يعنى بمسح وتقدير حاجات المجتمع، من خلال استطلاع آراء الخبراء وذوي الرأي من أهل الاختصاص، حول هذه الاحتياجات وطبيعتها، وفيما يرتبط بتشخيص حاجات المتعلمين حيث يستجيب المتعلم ككائن نام للبيئة التي يعيش فيها، فالإنسان كائن ينمو باستمرار، ولا بد أنه مع نموه يتأثر بالبيئة التي ينمو من خلالها كمثل النبات تماما، وذلك من خلال تأثره وتأثيره ودوافعه الداخلية من أجل تحقيق حاجاته الأساسية، وتعرف الحاجة بالنسبة للفرد بأنها حالة توتر أو اختلال في التوازن، يشعر بها الفرد بخصوص هدف معين، ويرغب في عمل شيء لبلوغ هذا الهدف لإزالة هذا التوتر واستعادة التوازن.
ولذلك فإنه لا بد أن يكون المنهج قائما على الاحتياجات الفعلية للمتعلمين؛ حتى يكون المتعلم على قناعة تامة بمحتوى التعلم، وحتى يكون على ميول واتجاهات إيجابية بما يتعلمه، وحتى يكون ذات رضا بطبيعة ما يتعلمه أيضًا، وبالتالي فإنه يكون كله إثارة وتشوق لأن يدرس هذا المحتوى، أو يقوم بمذاكرته واستذكاره بطريقة فردية أيضًا، وذلك بخلاف محتويات المناهج التي تفرض على المتعلمين دون الرجوع إليهم، ودون استطلاع آرائهم في المحتوى المفروض عليهم. والمرحلة الثانية في عملية تخطيط المنهج المدرسي هي: تنفيذ المنهج وإدارته والإشراف عليه، ويقصد بتلك المرحلة تطبيق المنهج فعليا في الميدان وإدارة المنهج، والإشراف على تنفيذه أثناء التنفيذ، ويتم تحديد العوائق أو المعوقات وسبل التعامل معها، وكذلك حساب الفترات الزمنية التي يحتاجها كل جزء، حتى يتمكن المعلم من تنفيذ المنهج وإدارة الوقت بفاعلية.
وأيضًا تنفيذ العناصر المكملة للمنهج مثل: الأنشطة والتجارب العملية والزيارات الميدانية، وينبغي في الاعتبار أن نأخذ أيضًا أنه عند تخطيط المنهج -وإعداده وتنفيذه وإدارته- لا بد أن يلي ذلك عملية تقويم المنهج، حيث تركز عملية التقويم على تحديد الأخطاء التي تم رصدها أثناء التنفيذ؛ بهدف وضع تعديل للمنهج وتقويمه المستمر خلال مراحل تنفيذ المنهج المختلفة، والتقويم يركز على عدة أسس محددة؛ منها: التأكد من ترابط عناصر المحتوى وتكاملها، ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، والتسلسل المنطقي لمحتوى المنهج، ومراعاة المنهج لخبرات المتعلمين، وشموله لكافة الجوانب المعرفية والمهارات، ومدى رضا المتعلمين وتقبلهم لهذا المنهج، كل هذه الأمور وغيرها من العناصر التي ينبغي الاهتمام بها أثناء تقويم المنهج.
ومن أهم العمليات التي يقوم بها المعلم في عملية التدريس: تخطيط الدرس وإعداده، فكما أن هناك تخطيطا كبيرا وشاملا وعملية كبرى وهي تخطيط المنهج، ينبغي أن يلي ذلك عملية تجزئة وتخطيط جزئي لكل درس من دروس المنهج، وهي تسبق التدريس داخل الفصل، فينبغي على المعلم أن يقوم بتخطيط الدرس وتحضيره وإعداده، قبل أن يقوم بمواجهة الطلاب في ساحة الفصل الدراسي وبيئة التعلم، وذلك أن تخطيط الدرس يساعد المعلم على تحقيق عدة أهداف؛ منها: منع الارتجال والعشوائية وتجنب المواقف الطارئة والحرجة، والتنمية المهنية للمعلم واكتشاف عيوب المنهج الجديد مبكرا، حيث يمكن للمعلم عند قيامه بتحضير محتوى الدرس بعيدا وبمعزل عن المتعلمين، وقبل أن يواجه المتعلمين في بيئة الفصل الدراسي، يمكن له أن يكتشف بعض العيوب ويعمل على إصلاح هذا الخلل، ويلفت نظر القائمين على إعداد المنهج إلى كيفية تلافي هذه العيوب مستقبلًا.
كما أن تحضير وتخطيط الدرس من المعلم مسبقًا يساعد المعلم على الربط بين الأهداف، وبين خبرات المتعلمين، فيمكن للمعلم أثناء تخطيط الدرس أن يربط بين ما تعلمه الدارسون أو المتعلمون سابقا وما تعلموه لاحقًا، وكيف يمكن أن يوجد صورة من صور هذا الربط، تعمل على دمج المعلومات وبقائها في ذاكرة المتعلم، ويستخدم من الأمثلة والتشبيهات والمثيرات والوسائل والمعينات ما يساعد على ذلك، كما تساعد عملية تخطيط الدرس على استزادة المعلم من المصادر والمراجع، وعلى ترتيب المادة والأفكار بطريقة منطقية، وتساعد أيضًا على تحديد الوسائل التعليمية والأنشطة المساعدة في التدريس، كما تساعد على تحديد الوقت وتوزيعه بما يتناسب مع طبيعة المادة، مما يمكنه من إدارة الوقت بكفاءة، كما تساعد على التعديل والتلقيح حسب الحاجة، وتساعد أيضًا في تقييم أداء المعلم ومتابعة أدائه من قبل الموجه أو المشرف على المادة، لأن لكل مادة موجها يأتي من قبل الإدارة أو المنطقة التعليمية.
ومن خلال ما يبذله المعلم من مجهود في عملية التخطيط والإعداد للدرس فإنه يتم تقويم المعلم بناء عن دفتر التحضير، أو مخطط الدروس التي يقوم بها على الورق، ويكون هذا مؤشرا على مدى كفاءة المعلم، ومدى اكتسابه الأمور والفنيات التربوية ذات العلاقة بعملية التخطيط، والإعداد للمنهج على الورق قبل تنفيذه في الواقع، وليظن البعض أن عملية تخطيط المعلم على الورق هي فقط المؤشر الأساسي على مدى أدائه وعلى كفاءته، بل لا بد أن يواكب ذلك تماما الأداء الفعلي، والتنفيذ الواقعي للمعلم في بيئة الصف الدراسي، وهناك خصائص للتخطيط الفعال، حيث يجب أن يتبع المعلم خطوات محددة أثناء التخطيط للدرس؛ من هذه الخطوات: التدوين والكتابة، فالتخطيط يتطلب أفكارا متعددة ومتنوعة، ومهما بلغت درجة جودتها فهي في حاجة للتدوين؛ منعا للخلط أو تشويش الأفكار أثناء التدريس.
ولذلك ينبغي على المعلم أن يدون ويكتب كل ما يراه، وكل ما يعن له من أفكار سوف يقوم بتنفيذها داخل قاعة الدرس، ويربط بين تسلسل هذه الأفكار وهذه الموضوعات وكيفية تنفيذها؛ حتى ينفذ هذه الأفكار وهذه المهارات بواقعية داخل بيئة الفصل الدراسي، كما أنها تساعده أيضًا في عملية ضبط أدائه داخل الصف الدراسي، فلا يهمل عنصرا ولا يترك عنصرا آخر على حساب بقية العناصر، ولا يعطي عنصرا أكثر مما يستحقه ويهمل باقي العناصر. أيضًا الاستمرارية، فاستمرارية التخطيط يحقق فعالية التدريس؛ لأنه يحقق مواكبة التطور ويكسب المعلم المهارات المستمرة والمطورة لعملية التخطيط باستمرار.
كذلك التوقيت؛ فلا بد أن يضع المعلم لنفسه خطة محددة للدرس بأكمله، وهي تكون محددة وفق جدول أو وفق زمن الحصة الدراسية. لا بد أن يضع لنفسه أيضًا جدولا داخليا، حيث يضع زمنا لكل عنصر من عناصر الدرس أثناء تحضير وإعداد هذا الدرس والتخطيط له على الورق؛ حتى لا يعطي عنصرا وقتا طويلا ويهمل عناصر أخرى، أو تتميز عناصر مهمة عن عناصر أخرى بفارق عظيم في الوقت، فلا بد أن يكون الزمن متقاربا للعناصر، كما يمكن أيضًا في بعض الظروف أن يزيد زمن عنصر في الدرس على حساب عنصر آخر، وفق الأهمية النسبية لكل عنصر، أما الخطوة الأخيرة التي ينبغي أن يتبعها المعلم أثناء عملية التخطيط فهي المرونة، حيث لا بد أن يتسم تخطيط الدرس بالمرونة، بحيث تمكن المعلم من الزيادة أو الإبدال أو الحذف أو الإضافة أو التعديل حسب الحاجة إليه.
ونحن الآن في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وفي عصر الأقمار الصناعية والسموات المفتوحة وثورة المعرفة والمعلومات، لا يمكن أن نتصور أن أي محتوى في أي مادة دراسية يمكن أن يكون ثابتا، ويمكن أن يكون غير مرن، بل لا بد أن نسمح للمتعلم بأن يضيف ما قرأه جنبا إلى جنب، مع ما وضع له داخل المحتوى المقرر عليه، بما يعمل على إحساس وبما يعمل على تشويق وإثارة الدارس، إذ إنه شارك بالفعل في صناعة المحتوى وصناعة المنهج الجديد، وبذلك فإنه يتقبل المنهج لأنه يسمح له بأن يضيف أو أن يحذف أو أن يبدل، أو أن يكون مشاركا في صنع هذا المنهج الجديد، وذلك في ضوء المبادئ التربوية المعروفة والمألوفة، وأيضًا بالرجوع إلى المتعلم واستشارته، وبذلك فإننا نسمح للتلاميذ بألا يرتبطوا وألا يحبسوا أنفسهم فقط على المحتوى الذي يدرس إليهم، بل يمكن أن يزيدوا على هذا المحتوى، وفق النهم المعرفي ووفق الحاجات المعرفية لكل منهم.