Top
Image Alt

بقية شروط الشاهد على النكاح، وزواج السر

  /  بقية شروط الشاهد على النكاح، وزواج السر

بقية شروط الشاهد على النكاح، وزواج السر

الشرط الخامس من شروط الشاهد على عقد النكاح: البصر، والسمع، والنطق:

أولًا: البصر: اتفق جمهور الفقهاء على أن البصر ليس شرطًا في شاهدي عقد الزواج؛ فيصح انعقاد بشهادة مبصر، وأعمى، وبشهادة رجلين أعميين؛ وذلك لأن العمى لا يقدح في التحمل؛ لأن ما يدرك بالعين يمكن إدراكه بالسمع، والأعمى يسمع كلام كل من العاقدين، ويمكنه التمييز بينهما حال العقد أيهما الزوج، أو وليه، وأيهما ولي الزوجة؛ وإنما يقدحُ العمى في الأداء؛ لتعثر التمييز بين المشهود له، والمشهود عليه، كما أن العمى لا يقدح في ولاية النكاح؛ إذ الأعمى يصح أن يزوج نفسه، ويكون قابلًا في العقد بنفسه، وكذا يصحُّ أن يكون وليًّا مجبرًا.

وإذا صح للأعمى أن يكون وليًّا، صح كذلك أن يكون شاهدًا، وينعقد النكاح بحضوره؛ ولأن الأعمى يعيشُ، ويستعين على قضاء حاجاته بالسمع في كل شيء.

ثانيًا: السمع، والنطق، يشترط في الشاهدين أن يكونا سامعين ناطقين؛ فلا ينعقد عقد النكاح بشهادة أصمين، أو سامع مع أصم، ولا بشهادة أبكمين، أو ناطق مع أبكم؛ وذلك لعدم إمكان الأداء من الأصم، والأبكم؛ لأن الأصم وإن كان يرى بعينه، لكنه لا يستطيع التمييز بين الزوج ووليه، وبين ولي الزوجة؛ لأنه لا يسمع شيئًا يُحكم بمقتضاه على ما يرى، والأبكم كذلك لا يستطيع أن يؤدي الشهادة مُستقبلًا؛ فإذن كان لا بد من كونهما سامعين ناطقين.

الشرط السادس: شهادة الابن:

يرى جمهور الفقهاء صحة شهادة الابن في عقد الزواج، متى كان أهلًا للشهادة، سواءٌ كان الشاهد ابنًا للزوج، أو ابنًا للزوجة؛ فيصح العقد بشهادة واحد من أبناء الزوج، وواحد من أبناء الزوجة، أو اثنين من أبناء أحدهما، وإذا مُنعت شهادة الابن لأبيه في شيء آخر؛ فإنما يكون لتهمة ميله لأبيه؛ فربما يحابيه، أما بالنسبة لعقد الزواج؛ فإنه لا محاباة بينهما في شيء، وهذا قدر متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، والظاهرية.

وبعد أن عرفنا الشهادة، وبينا حكمها في عقد النكاح، وشروط شاهدي عقد النكاح؛ نتعرض للحديث عن زواج السر، والمقصود بزواج السر، هو: أن ينعقد النكاح بشهادة اثنين توافرت فيهما شروط الشهادة، وأوصي بالكتمان، نقول -وبالله التوفيق- تحت عنوان:

استحباب إعلان النكاح، وإشهاره:

يُستحبُّ إعلان الزواج وإفشاؤه بين الناس؛ لأنه أبلغ في معرفة الناس به واطلاعهم عليه، وليس هذا بواجب؛ وإنما هو على سبيل الندب والاستحباب؛ وإنما الشرط، هو الإشهار -كما ذكرنا من قبل- واستحباب إعلان النكاح قدر متفق عليه بين جمهور الفقهاء، لم يُخالف في استحبابه أحد، ولم يقل بوجوبه أحد، وبناءً على هذا، إذا حضر الشهود العقد ولم يحصل إعلان؛ فإنه عقد صحيح عند الجميع لا غبار عليه؛ لأن الشهود قد حضروه وعاينوه، ويكون شأنه شأن العقد الذي حضره الشهود، وتم إعلانه وإشهاره، لا فرق بين هذا وذاك، بشرط حضور الولي، وإلا كان باطلًا، ويجب فسخه.

أما إذا أُعلن الزواج وتم إظهاره وإشهاره أمام الناس من غير أن يشهد أحد على العقد؛ فالزواج صحيح عند المالكية، والظاهرية بشرط حضور الولي، وغير صحيح عند الجمهور بالرغم من حضور الولي؛ لخلوه من الشاهدين.

توصية الشهود بالكتمان:

إذا حضر العقد شاهدان وأوصيا بالكتمان -أي: بألا يخبر أحدًا بهذا الزواج- فما الحكم؟

انقسم جمهور الفقهاء، إلى قسمين: الأئمة الثلاثة -أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد في جانب، والإمام مالك في جانب آخر، فيرى الأئمة الثلاثة: -أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد- أن الزواج صحيح؛ لكن يكره توصية، أو أمر الشهود بالكتمان؛ فقد كرهه عمر، وابن المنذر، وعروة، والشعبي، ونافع مولى ابن عمر، وحجتهم في ذلك: أن الأحاديث كلها دلت على ضرورة حضور الشاهدين، ولم تتعرض الأحاديث إلى مسألة توصية الشهود بالكتمان؛ فتحمل على إطلاقها، ويكون العقد صحيحًا بشرط حضور الولي.

بينما يرى الإمام مالك -رحمه الله- أن العقد الذي حضره شاهدان ووصيا بالكتمان يكون نكاح سرٍّ وهو لا يجوز ويُفسخ؛ وذلك لأن الإعلان شرط عند الإمام مالك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أعلنوا النكاح))، ويقول المالكية: إن الشاهدين الموصيين بالكتمان يُعاقبان على ما كتما من أمر النكاح، وحُجّة المالكية في هذا: أن أبا بكر رضي الله عنه قال: “لا يجوز نكاح السرِّ حتى يُعلن به ويشهد عليه”، كما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة؛ فقال: “هذا نكاح السر ولا أجيزه، ولو تقدمت فيه لرجمت”.

فإذا كان عمر بن الخطاب اعتبر النكاح الذي شهد عليه رجل وامرأة واحدة نكاح سرٍّ من غير توصية بالكتمان؛ فمن باب أولى النكاح الذي أمر الشهود بكتمانه؛ لأنه كأن لم يكن عليه شهود أصلًا، ثم قال المالكية: إنه في حالة حضور الشاهدين وتوصيتهما بالكتمان؛ فإنه يفرق بينهما، ثم إن كان قد مَسّها -أي: دخل بها- فإنها تعتد حتى تنقضي عدتها، وللمرأة مهرها؛ ثم إن بدا له أن يتزوجها، تزوجها من جديد بعد انقضاء عدتها، ويكون نكاح علانية.

الرأي الراجح: والذي أرى ترجيحه في هذه المسألة: رأي المالكية؛ لقوة ما عللوا به لرأيهم، وأخذًا بالأحوط؛ محافظة على النساء خاصة في هذا الزمان الذي فسدت فيه النوايا، وخربت فيه الذّمم؛ فربما كان الزوج يضمر في نفسه أنه زواج لأجل المتعة فقط؛ ولهذا فقد وصى الشهود بالكتمان، فربما حملت المرأة، وتنكّر الزوج لها، وأمكنه السيطرة على الشهود؛ فإن المرأة تُرمى حينئذ بالزنا، ويضيعُ النّسب، وقضاء الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة في هذا؛ فيجب المصير إليه، والأخذ به.

هذا هو توصية الشهود بالكتمان ليس له محل إلا أنه يقصد به المتعة لا غير كما ذكرنا، ونكاح المتعة باطل باتفاق جماهير أهل العلم، هذا وإذا كان الأئمة الثلاثة غير مالك أجازوه مع الكراهة؛ فإنما كان ذلك حسب زمانهم وفي أيامهم، وقت أن كان المسلمون يتقون الله ويخافونه، ولا يتنكر الزوج لزوجته، وأولاده بعد موت الشهود، أما وقد ضل المسلمون الطريق في هذه الأيام؛ فلا بد إذًا من توثيق العقد؛ لضمان حقوق الزوجة، وعدم ضياع النسب، وإلا كان الزواج باطلًا ويجب فسخه كما أثبتناه فيما يسمى بالزواج العرفي، والله تعالى أعلم.

error: النص محمي !!