بيان أن السيرة بدأت باعتبارها جزءًا من الحديث النبوي الشريف
يتضح من كل ما سبق وذكرته أن السيرة النبوية جزء لا يتجزأ من الحديث النبوي الشريف، إنها التطبيق العملي النموذجي للإسلام، وإنها أمثل أسلوب لتعليم سياسة الدنيا والدين على النحو الذي نقل إلينا عن رسول الله للبشر صلى الله عليه وسلم.
ثم حدث أن اتسعت الدولة الإسلامية، وانتشرت الفتوحات زمن الخلفاء الراشدين، ووقعت الفتن العظمى، ونبض عرق العصبية القبلية، وشاعت بين المسلمين أخبار الأمم القديمة، والديانات غير الإسلامية على يد أمثال كعب الأحبار الذي توفي سنة (34هـ)، وعبيد بن شريه المتوفى نحو سنة (70هـ)، ووهب بن منبه الذي أشرنا إليه من قبل، والذي توفي نحو سنة (110هـ)، ومعنى ذلك أن هناك دواعِ وأسباب دعت إلى جمع الأخبار المتعلّقة بكل ذلك وتدوينها، إنها الرغبة في فهم الإشارات التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة خاصّة بالأمم السّابقة، ومنها ميل الملوك أمثال: معاوية، وأبي جعفر المنصور الخليفة العباسي إلى الاطلاع على سياسات الملوك السابقين ومكايدهم، كما احتاج الشعراء إلى تدوين الأنساب وأيام العرب لاستخدامها في مقام الفخر والهجاء، بل إن الدولة الإسلامية نفسها احتاجت للأنساب للاستعانة بها في تقدير العطاء للجند، وقد كان ذلك العطاء –يعني: المرتبات- يحدد بناء على القرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم مع السبق إلى الإسلام. أما الباعث الأقوى على تدوين أخبار الفتوح؛ فهو رغبة أولي الأمر في معرفة ما فتح من البلاد صُلحًا، وما فتح عنوة، وما فتح بعهد؛ لأن لكل حالة من ذلك حكمها من حيث الجزية والخراج، كل ذلك يجعلنا نقول: إنه نشأ نوع من العلاقة بين الأخبار وبين السيرة النبوية المباركة، أو أن الرواية التاريخية أصبح لها وجود بجوار السنة النبوية الشريفة.