Top
Image Alt

بيان أن ما يطلق على الله تعالى في باب الإثبات والنفي مقصور على الوحي.

  /  بيان أن ما يطلق على الله تعالى في باب الإثبات والنفي مقصور على الوحي.

بيان أن ما يطلق على الله تعالى في باب الإثبات والنفي مقصور على الوحي.

1-ما يطلق على الله عز وجل في باب الإثبات والنفي:

ويشتمل على النقاط التالية:

أ. وجوب الاقتصار فيما يطلق على الله سبحانه وتعالى على الألفاظ الشرعية:

يجب أن نقتصر فيما نطلقه على الله سبحانه وتعالى على ما ورد في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي الألفاظ الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية إثباتًا أو نفيًا؛ ذلك لأن القرآن الكريم كتاب هداية وتوضيح وبيان، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أكمل بيان، وأتم بيانه كما قال الله له: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [النحل: 44] النبي صلى الله عليه وسلم بلغ الكلام الذي نزل إليه من ربه والله شهد له بذلك وأمره به: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67].

ولهذا يجب الاقتصار على الألفاظ الشرعية في النفي أو الإثبات؛ فما أثبته الله في كتابه أو سنة النبي أثبتناه، وما نفاه الله عز وجل في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم نفيناه.

ولذلك ذكر كثير من أهل العلم عن أهل السنة والجماعة هذه المسألة فشارح (الطحاوية) مثلًا يقول: “والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية هو سبيل أهل السنة والجماعة” فيجعلون ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي يجب اعتقاده واعتماده، وبالتالي لو أثبت مثبت شيئًا لم يرد في القرآن الكريم، أو في السنة، أو جاء بنفي يقول بأن الله عز وجل ليس بكذا ليس داخل العالم، وليس خارج العالم؛ فلا يجوز أن تطلق على الله سبحانه وتعالى شيء لم يقله أو أن تنفي عنه شيء أيضًا لم يأتِ في كتاب الله أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ب. حكم ما تنازع فيه الناس نفيًا وإثباتًا:

يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مذهب السلف القويم في هذا الباب وهو كلام جيد للغاية.

ومفيد يقول -رحمه الله-: “إن ما تنازع فيه المتأخرون نفيًا وإثباتًا فليس على أحد، ولا له أن يوافق على إثبات لفظه أو نفيه، حتى يعرف مراده حتى نعلم مراد القائل؛ فإن أراد حقًّا قبل.

وإن أراد باطلًا رد، وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يقبل مطلقًا، ولم يرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ ويفسر المعنى.

ج. موقف السلف في هذا الباب:

السلف -رحمهم الله تعالى- يراعون لفظ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فيما يثبتونه وينفونه في الله عز وجل وأفعاله وأسمائه وصفاته.

ولا يأتون بلفظ بمبتدع في النفي أو الإثبات، بل كل معنى صحيح؛ فإنه داخل فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فلسنا بحاجة في أن نأتي بألفاظ من عندنا؛ لأن ما ثبت لله من كمال أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم.

2. طرق المبتدعة في هذه المسألة:

وتشتمل على النقاط التالية:

أ. أهل البدع لا يتمسكون بالشرع:

هذا واضح غاية الوضوح لدى هؤلاء المبتدعة في الوقت الذي يتمسك فيه أهل السنة والجماعة بكل ما جاء عن الله عز وجل وكل ما جاء في صفات الله، المبتدعة على عكس ذلك تمامًا لا يتمسكون بالألفاظ الشرعية الواردة في كتاب الله أو سنة النبيصلى الله عليه وسلم فتجد مثلًا: طائفة تسلك طريق القياس العقلي الذي يعول عليه كثير من المتكلمين، أو طائفة الصوفية مثلًا تسلك طريق الكشف، وكلا الطريقتين فيها من الاضطراب والاختلاف ما لا ينضبط، وليست واحدة منهما يحصل بها المقصود الذي أراده الله أو أراده رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فنحمد الله على هذا الموقف لأهل السنة والجماعة، أنهم يتمسكون بالألفاظ الشرعية الواردة عن الله عز وجل.

أما المبتدعة؛ فهناك ألفاظ أخرى وكلمات كثيرة أتوا بها من عند أنفسهم، ولا يتمسكون بالألفاظ الشرعية، وهذا واضح بكثرة عند أرباب الطرق من المتصوفة، أو عند المتكلمين الذين سلكوا طريق الفلاسفة وقاسوا الخالق على المخلوق بالأقيسة العقلية الباطلة، وبالتالي يجب التحذير والتنفير من سلوك المبتدعة، والسير خلفهم في مثل هذه الطرق المغرضة.

ب. معظم عقائد هؤلاء الناس قائمة على السلوب:

يعني على النفي؛ فمعظم عقائد المبتدعة -وهذه طرقهم في أسماء الله وصفاته- قائمة على النفي؛ لأنه لما أعرضوا عما قاله الشارع الحكيم في هذا الباب، ولم يتدبروه، ومنه الإثبات المفصل بالصفات والنفي المجمل، وقعوا في الإفراط في النفي حتى أصبحت عقائدهم في الله عز وجل وأسمائه الحسنى وصفاته العلى قائمة على النفي، ولذلك قال شارح (الطحاوية) -رحمه الله-: “والمقصود أن غالب عقائدهم قائمة على السلوب”. هكذا قال.

والمقصود أن غالب عقائدهم السلوب، يقولون: ليس بكذا ليس بكذا، وأما الإثبات فهو قليل جدًّا عندهم يعني يقولون: بأنه عالم قدير حي، وبعض المعطلة من الجهمية والمعتزلة لا يثبتون لله صفة أصلًا، ينفون عن الله الأسماء والصفات، والمعتزلة تنفي الصفات عن الله.

الأشاعرة مثلًا والماتريدية تثبت سبع صفات لله عز وجل فالإثبات قليل، أما النفي فهو كثير، عقائدهم قائمة على النفي، عندما تقرأ كتب هؤلاء المبتدعة في أسماء الله الحسنى، وصفات الله العلى، تجدها قائمة على النفي والسلوب، وكل الذي ذكروه غير وارد في القرآن الكريم، أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، عندما تفتح كتبهم تجده يقوله لك مثلًا، عن الله عز وجل ليس بداخل العالم ولا خارج العالم، ولا فوق ولا تحت ولا تحويه الأمكنة ولا الأزمنة، ولا يقال عنه مثلًا كذا ولا كذا.

تجد كلها صفات سلبية لم ترد في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية المطهرة .

ج. محاربتهم للسلف بالألفاظ المجملة:

معنى ذلك: أن الألفاظ المجملة قد تدل على معنى صحيح، وقد تدل على معنى باطل، والمبتدعة يعبرون بالعبارات المجملة التي تشعر الناس بفساد مذهب السلف؛ فإنهم مثلًا إذا قالوا: إن الله عز وجل منزه عن الأعراض، حينما يقولون ذلك لم يكن في ظاهر هذه العبارة ما ينكر؛ لأن الناس يفهمون من ذلك أنه سبحانه وتعالى منزه عن الاستحالة والفساد، كالأعراض التي تعرض لبني آدم من الأسقام والأمراض وغير ذلك، ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، ولكن هذا اللفظ المجمل الذي ذكروه، وهو أن الله منزه عن الأعراض ليس مقصودهم منه ما ذكرته الآن، وإنما مقصودهم أن الله لا يتصف بصفة العلم، أو القدرة، أو الحياة، أو غير ذلك من الصفات التي يسمونها أعراضًا لم يقولوا هذه الصفات عرض، فقالوا: الله عز وجل منزه عن هذه الأعراض، وقصدوا بذلك نفي الصفات الواردة على الله سبحانه وتعالى.

ومن فقه مذهب السلف -رحمهم الله تعالى-: أنهم كانوا لا يطلقون الألفاظ الموهمة المحتملة في حق الله عز وجل ومنها الألفاظ المجملة؛ ولكن المبتدعة أرادوا أن يشوهوا مذهب السلف بهذه الألفاظ المجملة.

3. اضطراب علماء الكلام في هذا الباب:

ويشتمل على نقاط متعددة:

أ. تناقض علماء الكلام وحيرتهم:

وتناقض علماء الكلام وحيرتهم من أكبر الأدلة على أن ما هم عليه باطل؛ وأنه لا ينظر فيه؛ لأنهم اضطربوا وتناقضوا ورجعوا في أخريات حياتهم كما وقع من بعضهم إلى الندم إلى ما وقعوا فيه فاضطراب، وتناقض علماء الكلام وحيرتهم دليل قوي جدًّا على بطلان ما هم عليه.

لعل ضرب النماذج أو ذكر الأمثلة التي تؤكد هذا المعنى من أوضح الأمور التي تبينه تمامًا، فهذا الرازي -رحمه الله- وهو أحد هؤلاء الذين بلغوا في علم الكلام مبلغًا كبيرًا، وكتب الرازي المشحونة بآراء الفلاسفة والمتكلمين واضحة وكثيرة، ومتداولة لدى علماء الكلام.

وله كتب كبيرة في هذا الشأن، وبعضه رد عليه فيها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

الشاهد: أن الرازي بلغ مبلغًا كبيرًا جدًّا في علم الكلام، ولكنه أعلن في نهاية المطاف بعد أن أضناه المسير.

وعالج في مسيره الكثير من العنت أنه لم يصل إلى شيء، لقد ابتعد الرازي -رحمه الله- عن المنهج القرآني النبوي.

وجرى وراء نتائج العقول الإنسانية؛ فلم تقده هذه الأفكار، ولا هذه النظريات، والمقالات إلى اليقين الذي يجده ينهل من وحي السماء.

لقد أدرك في نهاية المسار أن روحه لم ترتو من المنهل الذي ورده، وأن الغاية التي سعى إليها لم تتحقق.

وأن ما اعتمد عليه وجمعه في أقوال تتصارع وتتضارب من كلام الناس هي في الحقيقة لا قيمة لها، ولا وزن ولذلك يقول وهو ينوح على نفسه:

كل العلوم سوى القرآن مشغلة

*إلا الحديث وإلا الفقه في الدين

نهاية إقدام العقول عقال

*وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا

*وغاية دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

*سوى أن جمعنا فيه قيل وقال

ويقول الرازي أيضًا كما ذكر في كتابه (أقسام اللذات): “لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية.

فما رأيتها تشفي عليلًا، ولا تروي غليلًا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن الكريم. اقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]

{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}[فاطر: 10] واقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} [الشورى: 11] {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]، وختم الرازي حديثه قائلًا: “ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي”.

وقد ذكر هذا الكلام أيضًا عنه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في المجلد الخامس أيضًا من (مجموع الفتاوى)، وهو موجود في (الفتوى الحموية الكبرى) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

ب. الأدلة على رجحان مذهب السلف على الخلف:

الدليل الأول: أن هذا المذهب هو ما عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، ومن سار على نهجهم من أئمة الدين وعلماء المسلمين.

الدليل الثاني: أن علم السلف في هذا الباب كسائر غيره من العلوم -بصورة عامة- الشرعية راجع إلى الكتاب والسنة، وعلم الخلف مرجعه ما تستحسنه عقولهم وأقيستهم.

الدليل الثالث: أن الخلف حرفوا الكلم عن مواضعه، فالخلف لم يسلموا لظواهر النصوص وإنما غيروا فيه وتلاعبوا فيها، وحرفوا فيها.

الدليل الرابع: الاختلاف الحاصل بين الخلف، واعتراف كثير من محققيهم بالحيرة والضياع، ورجوعهم إلى مذهب السلف من أكبر الأدلة على فساد مذهبهم، وصحة مذهب السلف.

error: النص محمي !!