Top
Image Alt

بيان المعلق وتعريفه، والأوجه التي ذكرها الإسماعيلي في المعلق المتقاعد عن شرط البخاري وأمثلته

  /  بيان المعلق وتعريفه، والأوجه التي ذكرها الإسماعيلي في المعلق المتقاعد عن شرط البخاري وأمثلته

بيان المعلق وتعريفه، والأوجه التي ذكرها الإسماعيلي في المعلق المتقاعد عن شرط البخاري وأمثلته

 1. بيان المعلق وتعريفه:

“المُعلَّق” هو: ما حُذف مِن مبدأ إسناده واحدٌ فأكثر على التوالي، بصيغة الجزم، ويُعزى الحديث إلى مَن فوق المحذوف من رواته.

 وبيْن “المعلَّق” و”المُعْضَل” عموم وخصوص من وجْه، فيجامعه في حذف اثنيْن فصاعدًا، ويفارقه في حذف واحد، وفي اختصاصه بأوّل السند، وكأنه مأخوذ من تعليق الجدار، لاشتراكهما في قطْع الاتصال. وقد استعمله بعضُهم في حذف كلّ الإسناد كقول البخاري مثلًا: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا”، أو “قال ابن عباس كذا”، أو “قال عطاء أو غيره كذا”.

والمُعلقات نوعان:

أولًا: ما كان منها بصيغة الجزْم، نحو: قال فلان.

ثانيًا: ما كان منها بصيغة التمريض، نحو: “يُذكَر” و”يُحكَى”، و”يُقَال”. والتعليق إذا جاء في كتاب التزمت صحّته كـ”الصحيحيْن”، له حُكم الصحيح، ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم، كـ”يُروَى” و”يُحْكَى وشبهها، بل خصّ بها صيغة الجزم، كـ”قال” و”فعَل”، و”أمَر”، و”نهى، و”ذَكَر”، و”حكا”.

ولم يستعملوه أيضًا فيما سقط وسط إسناده؛ لأن ما سقط من وسط إسناده له اسم يخصّه من الانقطاع، والإرسال، والإعضال. وأمّا ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بصيغة: “قال فلان”، أو “زاد فلان”، ونحو ذلك، فليس حُكمه حُكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومَن فوقهم، بل حُكمه حُكم العنعنة مِن الاتصال، بشرط اللقاء والسلامة من التدليس.

قال الشيخ ابن الصلاح: “ولا التفات إلى الحافظ ابن حزم الظاهري في ردِّه ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر، أو أبي مالك الأشعري، عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم: ((ليكونَنَّ في أمّتي أقوام يَستحِلّون الحَرير والخمْر والمعازف…)) الحديث، حيث قال البخاري: “قال هشام بن عمار”، وساق الإسناد، فزعم ابن حزم أنه منقطع بين البخاري وهشام، وأخطأ في ذلك من وجوه. والحديث صحيح، معروف الاتصال، بشرط الصحيح. والإمام البخاري قد يفعل ذلك، لكون الحديث معروفًا من جهة الثقات عمّن علّقه عنه، أو لكونه ذكَره في موضع آخَر من كتابه مسنَدًا متصلًا، أو لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع”.

قال الحافظ العراقي: “والحديث متّصل من طُرُق، من طريق هشام وغيره، وصَله الحسن بن سفيان في (مسنده)، والإسماعيلي والطبراني وأبو نعيم، من أربعة طُرق، وابن حبّان في (صحيحه).

قال الإسماعيلي: “كثيرًا ما يقول البخاري: “قال فلان”، و”قال فلان عن فلان”، فيحتمل أن يكون إعراضه عن التصريح بالتحديث لأوْجُه”، ثم ذكَر هذه الأوْجُه:

الأول: أن لا يكون قد سمعه عاليًا، وهو معروف من جهة الثقات عن ذلك المرويّ عنه، فيقول: “قال فلان”، مقتصرًا على صحّته وشُهرته من غير جِهته.

الثاني: أن يكون قد ذكَره في موضع آخَر بالتحديث، فاكتفي عن إعادته ثانيًا.

الثالث: أن يكون سمِعه حالَ المذاكرة مثلًا ممّن هو ليس على شرط كتابه، فنبّه على الخبر المقصود بذِكْر مَن رواه، لا على وجه التحديث به عنه، فقصد بذلك الفَرْق بين ما يأخذه عن مشايخه في حالة التحديث أو المذاكرة احتياطًا.

2. الأوجه التي ذكرها الإسماعيلي في المعلق المتقاعد عن شرط البخاري وأمثلته:

أمّا عن “المعلّق” المتقاعد عن شرط البخاري، فقد قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: “مّن تأمّل “تعاليق” البخاري حيث لم تتّصل، لم يجدْها تكاد تخرج عن هذه الأوجه التي ذكَرها الإسماعيلي، ولكن بقي أن يُذكر السبب الحامل له على إيراد ما ليس على شرْطه في أثناء ما هو على شرْطه، وحاصله: أنه أوْجُه:

الوجه الأول: أن يكون كرّره، وهذا قد تداخل مع الأوجه التي ذكَرها الإسماعيلي.

الوجه الثاني: أن يكون أوردها في معرض المتابعة والاستشهاد، لا على سبيل الاحتجاج؛ ولا شك أنّ المتابعات يُتسامح فيها بالنّسبة إلى الأصول، وإنما يعلّقها وإن كانت عنده مسموعة، لئلّا يسوقها مساق الأصول.

الوجه الثالث: أن يكون إيراده لذلك مُنبِّهًا على موضع يُوهم تعليل الرواية التي على شرْطه؛ كأن يروي حديثًا من طريق سفيان الثوري عن حُميد، عن أنس, ويقول بعده: “قال يحيى بن أيوب عن حُميد: سمعت أنسًا “، فمراده بهذا التعليق: أنّ هذا ممّا سمِعه حُميد، لئلّا يُتوهّم أنّ الحديث معلول بتدليس حُميد. فإن قيل: فَلِمَ لمْ يسقْه يحيى بن أيوب -السّالم من هذه العلّة- ويقتصر عليه؟ قلنا: لأنّ يحيى بن أيوب ليس على شرْطه، ولو كان، فالثوري أجلّ وأحفظ. فنزل كل منهما منزلته التي يستحقّها.

وهذا كلّه في “المعلّق” الذي أورده أصلًا ومقصودًا، لا في ما أورده في معرض الاستشهاد؛ فإنّ الشواهد يُحتمل فيها ما ليس من شرْط الصحيح، معلّقًا كان أو موصولًا. وكما أن لفظ “التعليق” مستعمل فيما حُذف من مبدأ إسناده واحد فأكثر، فقد استعمله البعض في حذف كلّ الإسناد، ومثال ذلك: “قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم كذا وكذا”، “قال ابن عباس  كذا وكذا”، “روى أبو هريرة  كذا وكذا”، “قال سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة  كذا وكذا”، “قال الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا”، وهكذا إلى شيوخ شيوخه…

وأمّا ما أورده كذلك عن شيوخه، فقد تقدّم أنه محمول على السّماع، وجعَله بعض المتأخِّرين من أهل المغرب قسمًا ثانيًا من التّعليق، وأضاف إليه قول البخاري في مواضع من “صحيحه”: “وقال لي فلان”، “وزادنا فلان”، فوسم كلّ ذلك بـالتّعليق المتّصل من حيث الظاهر، المنفصل من حيث المعنى. وقال: متى رأيت البخاري يقول :”قال لي، أو لنا”، فاعلمْ أنه إسناد لم يذْكره للاحتجاج، بل ذكَره للاستشهاد. وكثيرًا ما يُعبِّر المحدِّثون بهذا اللفظ عمّا يجري بينهم في المناظرات وأحاديث المذاكرة، قلّما يحتجّون بها.

error: النص محمي !!