Top
Image Alt

بيان خطأ المدرسة العقلية التي تُخضع النصَّ للعقل

  /  بيان خطأ المدرسة العقلية التي تُخضع النصَّ للعقل

بيان خطأ المدرسة العقلية التي تُخضع النصَّ للعقل

نقف وقفة مع المدرسة العقلية التي تحكِّم العقلَ في النص، يقولون: “هذا الحديث لا يوافق العقل!!”. أي عقل يقصدوه؟ وما هي الضوابط للنظر في السنة بالميزان العقلي؟ هذا أمر مهم جدًّا العقول من حقها أن تنظر، لكن أي عقل ينظر؟

كلام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: أن العقل يمجُّ بعض الأحاديث التي ذكروها منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الضوابط التي في ضوئها يعمل العقل هي الأمور المادية المحسوسة، مثلًا: كيف نزرع الأرض؟ كيف نصنع من الخشب مكتبًا ومنضدةً وسريرًا وكرسيًّا؟ إلى آخره، كيف ننقي الأرض من الحشائش؟ كيف نطير في الفضاء؟ كيف كذا؟ رجل مثلًا يجلس يقذف بالتفاحة أو بالطوبة إلى أعلى، فتنزل إلى أرض، لماذا لم تصعد إلى أعلى؟ فيكتشف قانون الجاذبية، كل ذلك وغيره.

قلنا: نريد للعقل أن يسيح في الكون، والله -جلا جلاله-يُنعم عليه بما شاء من معونات وفيوضات يبتكر بها -أي: العقل- أمورًا يعتمد فيها على خلق الله؛ لتُيسّر للناس أمور معايشهم، فنركب الطائرات، ونركب القطارات، ونركب السيارات، ونستعمل الهواتف، ونضع النظارات على أعيينا، ونلبس الأزياء الطيبة المباركة، إلى آخر ما نشاء من نعم الله -تبارك وتعالى-.

فالكون كله أمام العقل يعمل فيه بهدي الله  -جلا جلاله-وبقانون الله، فيجري الله على يد البشر ابتكاراتٍ تنفعهم في أمور دينهم ودُنياهم، من تحسينهم مواد التربة، ومن البذور التي تُنتج غلة أكثر من المواد التي تخلو من المضار، فيوفقهم الله إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.

أما أن يدخل العقل فيما ليس له فيه، فهذا من باب إقحام العقل فيما ليس له، وقطعًا سيضل العقل وسيشقى ويُشقي صاحبه، ويسير به إلى طريق الضلال والغواية، وهذه من البداهيات التي لا بد أن يصطلح عليها البشر جميعًا، كيف يتكلم العقل مثلًا في أمور ما وراء الطبيعة كما يقول الفلاسفة، أو غيرهم، يعني: كيف يتكلم في العالم الذي لا يراه؟ كيف يتكلم عن الغيبيات؟ كيف يتكلم عن الوحي؟ كيف يتكلم عن القبر وما يحدث فيه وهو لم يره؟ كل ذلك لا مجالَ للعقل فيه، كيف يتكلم عن القيامة ومشاهدها من بعث، وحشر، وجنة، ونار؟ وكل ذلك يعتمد على الأدلة النقلية المسموعة من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة.

فأنتَ لا تستطيع أن تتكلم فيها بعقلك، والعقل هنا لا يصلح أن يكون مقياسًا أبدًا لمعرفة الصواب والخطأ في هذه الأمور، فكيف سيتكلم، هل هناك أحد ذهب إلى القبر وعاد ليخبرنا ماذا فيه؟ هل هناك أحد رأى مشاهد الآخرة التي لم تحدث بعدُ، ورأى الحساب، والميزان، والصراط، والحشرَ، والشفاعة، والجنة، والنار، والحوض، وما إلى ذلك، وجاء لينكر أو ليوافق؟ كل ذلك لا يصلح، أنا أحترم العقل حين أضعه في الدائرة التي يستطيع أن يعمل فيها، وأنا أهينه وأُنْزِل من قدره حين أضعه فيما ليس له من تخصصه، سيتيه ويضرب في بَيْداء من الجهل والظلمات والضلالات، وسيصل إلى نتائج ربما تصل إلى الإلحاد والإنكار، وهذا أمور بدهية.

وبالمناسبة لو أنصف الذين يزعمون أنهم أبناء المدرسة العقلية، أو أنهم يهتمون بالعقل، ووضعوا العقل في إطاره؛ لوجدوا أن العقل لا تصادمَ بينه وبين الدين، وحين نقول: إن العقل لا يدخل في هذه الأمور، لا ينبغي أن يضحكوا علينا، وأن يقولوا لنا: هذه مصادرة على العقل، وهذه حرب على التفكير والإبداع، هذا كلام متهالك، لا ينبغي أن يُخدع به أحدٌ، أبدعوا في الطب، وأبدعوا في الصيدلة، وأبدعوا في الهندسة، وأبدعوا في الزراعة، وأبدعوا في الفضاء، وفي الأسلحة، أغنونا عن أعدائنا في كل هذا، اعملوا، وابتكروا، وأضيفوا إلى رصيد الأمة الإسلامية في هذه الميادين ما يوفقكم الله تعالى إليه. أما أن تدخلوا لتفسدوا على الأمة أمر دينها، وهكذا تحت دعوى أن هذا احترام، أي احترام للعقل أن أُدْخِلَه فيما ليس فيه؟

لو أعملوا ذلك ما تدخلوا في أحاديث أنكروها بالعقل، وهي صحيحة وثابتة، ثم إن عقولنا تقبلها، وعقول الأمة كلها على مدار تاريخها قبلته، أَعُقُولهم أنضج من عقولنا؟ لماذا يفرضون هذا؟ ولماذا يتصورون أن عقولهم أفهم وأوعب لهذه الأمور مِنَّا نحن؟ نحن لا نقل عنهم فهمًا، ولا ندعي لأنفسنا أننا أفقه منهم، لكننا على الأقل لا نقل عنهم فهمًا لأمور ديننا ودنيانا، ونعرف الضوابط.

ثم إن هذه الأمور اصطلح عليها أهل العلم في العالم كله، وقد تكلمنا عن خلل المستشرقين في منهجهم، وأنهم يتكلمون كثيرًا عن المناهج العقلية، والمناهج العلمية، والتجريبية، والاستدلالِ، وينقضون كلَّ ذلك فيما يتعلق بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، وليس عندهم أمانات في النقل، ويعتمدون على مصادر ضعيفة لا يعتد بها عند أهل العلم، ويزعمون أنهم أرباب المذهب العقلي، أو أرباب المذهب التجريبي.

وهذا الخلل سبَّب لهم خللًا شديدًا، هو السبب في إنكارهم لكثير من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي رَأَوا بمنظارهم أنها تُخالف العقل.

ثم أيُّ عقل نسمح له أن ينظر في السنة؟ العقل الذي تربَّى على موائد الغرب، وتخرج في الجامعات الأجنبية، ولم يقرأ شيئًا عن الإسلام، ولا في الإسلام، وكل ما استقاه عن السنة وعن التفسير هو من كتب المستشرقين، أهذا يليق؟ أهذا يصلح؟ أهذا مقياس علمي أو ضابط دقيق يُرجع إليه؟ وندرك من قراءاتنا لكثير من انتقاداتهم أنهم لم يقرءوا حديثًا في (صحيح البخاري) ولم يقرءوا شروحَ العلماء الأجلاء كابن حجر، والعيني، وغيرهم ممن شرحوا البخاري، أو شرحوا (صحيح الإمام مسلم) -رحمهم الله جميعًا- إنما استقوا كلامهم من المصادر المعادية للإسلام.

error: النص محمي !!