بيان مرتبة الحديث، ومكانة التخريج بين سائر العلوم
وهناك سؤال آخر: هل يشترط في التخريج بيان مرتبة الحديث، يعني: هل لا بد من أن يحكم المخرج للحديث عليه فيقول: صحيحًا أو حسنًا أو ضعيفًا؛ هل هذا عمل أساسي في التخريج؟:
أقول: هذا عمل مكمل وهي ثمرة التخريج، لكن الهدف الأساسي للتخريج أن يذكر أين يوجد الحديث؟ في أي كتاب؟ وفي أي باب؟ وفي أي جزء؟ وفي أي صفحة؟ فإذا ذكر المخرج الحكم على الحديث يكون قد أتى بفائدة عظيمة؛ لكن الحكم على الحديث غير التخريج، بمعنى: أن الحكم على الحديث يحتاج إلى دراسة السلسلة؛ فهو بهذا يخضع لعلم مصطلح الحديث وعلم الرجال وعلم الجرح والتعديل، أما التخريجُ فمهمته الإشارةُ إلى موطن الحديث في كتب الحديث، فإن ذكر الحكم على الحديث كان ذلك شيئًا طيبًا وجميلًا، لكنه زائد على التخريج.
قلت في ذلك: إن الحكم على الحديث وبيان درجته من الصحة وغيرها من الحسن أو الضعف ليس عملًا أساسيًّا في التخريج؛ وإنما هو عمل مكمل للفائدة يؤتَى به عند الحاجة؛ فمهمة التخريج عزو الحديث إلى موطنه الأصلي ونسبته إلى الكتاب الذي أخرجه، أما بيان الرتبة فهذا عمل آخر يعتمد أساسًا على دراسة الأسانيد والقيام بالترجمة لكل راوٍ من رواة الحديث، ثم يكون الحكم على الحديث بناء على تلك الدراسة للأسانيد.
مكانة التخريج بين سائر العلوم:
إن كل مشتغل بالعلوم الشرعية؛ لا سيما علم الحديث، عليه أن يعرف فن التخريج؛ بل وعليه أن يتقن ذلك الفن؛ إذ لا يقبل محدث ألا يعرف كيف يهتدي إلى مصدر الحديث الأصلي، كما أنه لا يسوغ لمن يشتغل بالعلوم الشرعية وما يتعلق بها أن يستشهد بأي حديث أو يرويَه إلا بعد معرفة من رواه من العلماء والمصنفين في كتابه مسندًا.