تأثر اللغة بعضها ببعض
وعن صراع اللغة العربية مع اللغة الفارسية؛ فقد تركت كل لغة من اللغتين آثارًا في اللغة الأخرى، فنجد في العربية كلمات فارسية دخلت العربية، وعُرِّبَتْ مثل كلمة إبريق، وأصلها في الفارسية: آبريز، وآبريز مركبة من كلمتين، ونحن نعرف أن اللغة العربية تكاد تخلو من الكلمات المركبة، أما اللغة الفارسية، فالتركيب موجود فيها بكثرة.
عندنا أيضًا من الآثار التي دخلت، أو من الكلمات التي دخلت اللغة العربية وعُرِّبَتْ كلمة: إستبرق، وأصلها: استبرج، وكلمة دِهليز، وأصلها بالفارسية دَهليز بفتح الدال عُرِّبَتْ عندنا في اللغة العربية إلى دِهليز، لماذا؟ لأن صيغة فعلول نادرة في لغة العرب، فعُرِّبَتْ إلى دهليز على وزن: فعليل، وعندنا أيضًا دُستور كانت في الفارسية “دَستور” بفتح الدال، ووجدنا أن صيغة فعلول نادرة أيضًا في لغة العرب، فعُرِّبَتْ إلى دستور بضمّ الدال.
أيضًا من الكلمات التي دخلت العربية وأصلها فارسي، وعُرِّبَتْ: كلمة ديباج، وأصلها ديبا، فدخلت اللغة العربية وعُرِّبَتْ بزيادة حرف على حروفها فعُرِّبَتْ إلى ديباج. أيضًا كلمة سُرَادق، وأصلها سُرَاد أيضًا عُرِّبَتْ بزيادة حرف. وكلمة فستق من الفارسية، وأصلها في الفارسية بسته بالباء الثقيلة بسته، وهذه الباء لا توجد في اللغة العربية، فعُرِّبَتْ إلى فستق بالفاء وهو قريب منها، وكلمة كنز وأصلها في الفارسية كلج، بالكاف الفارسية. وكلمة نموذج وأصلها نموذه، وكلمة هندسة وأصلها إندازه.
كما نجد في المقابل كلمات عربية دخلت الفارسية وفُرِّسَتْ، وهذا طبعًا أثر من آثار العربية في اللغة الفارسية، مثل كلمة: حصار، حصن، حق، حامي، احتياج، حال، حالًا، خوارج، عقوبة، علامة، علم، غازي، غارة، قتل، مقدمة، قوم، مملكة، هلاك.
هذه الكلمات نلاحظ أن أكثرها لا يوجد فيها حرف الحاء، فلا يوجد حرف الحاء في اللغة الفارسية، وهذه الكلمات أكثرها موجود فيها حرف الحاء: حصن، حق، حامي، احتياج، حال. كيف ينطق به الفرس؛ لأن حرف الحاء لا يوجد في اللغة الفارسية.
الكلمات التي بها حرف الحاء وعربية وفُرِّسَتْ، الإيرانيّون ينطقون حرفَ الحاء هاءً، يقولون: في حصار هصار، وفي حصن هصن، وفي حق هق، وفي حامي هامي، وفي احتياج اهتياج، وفي حال هال، ويقولون في موسم الحج عن حرم: هرم، نعرف أنه إيراني فارسي.
لكن اللغة العربية لم تقوَ على الانتصار على اللغات الإسبانية، على الرغم من فتح العرب للأندلس، وبقائها تحت سلطانهم نحو سبعة قرون، لماذا؟ وذلك لانتماء العربية إلى فصيلة غير فصيلة اللغات الإسبانية، ولعدم امتزاج الشعوب القوطية بالشعب العربي.
ومع ذلك فقد تركت اللغة العربية آثارًا قوية في الإسبانية، هذه الآثار نجدها في الكلمات الإسبانية المقتبسة من اللغة العربية فنجدها في ما يأتي:
البحيرة، البردعة، البركة، البشارة، البقية، البلاغ، البناء، البيض، تابوت، الجب، الجعبة، الحجام، الحركة، الحصان، الحَلْبَة ، الحنطة، الخرج، الخرشوف، الخزانة، مخاطرة، الخنجر، الخياط، دف، دليل، رهن، زيت، زيتونة، الساقية، مسكين، سلام، صوت، شرف، الضبه، الضيعة، طبل، طاحونة، مطرقة، مضمورة، العربية، العارضة، العضو، العقرب، الغار، الفارس، الفقيه، فلان، القصر، القاضي، القفص، القنطرة، القائد، الكروان، الكنية، اللوز، مملوك، الماء، منديل، النيل، الوزير، الوصي، هذه الكلمات موجودة في (غرائب اللغة العربية) لرفائيل نخلة اليسوعي، بتصرف وإيجاز.
هذه الكلمات إسلامية مقتبسة من اللغة العربية، وهذه من آثار اللغة العربية في اللغة الإسبانية، كما أثرت الإسبانية في اللغة العربية، فاقتبست العربية بعض الكلمات الإسبانية مثل: كلمات: بطاطا، تبغ، تنباك، ريال، هذه الكلمات في المرجع السابق في “غرائب اللغة العربية”.
الصراع اللغوي بين اللغة العربية واللغة التركية، ورغم عدم تغلب إحدى اللغتين على الأخرى، إلا أن كلًّا منهما قد تأثر بالأخرى.
أما الصراع اللغوي نتيجة هجرات؛ طلبًا للرزق، وبحثًا عن سبل العيش، فمثاله هجرة الساميين إلى العراق إلى بابل في القرن السادس والثلاثين قبل الميلاد؛ حيث قضت اللغة السامية على لغة السوماريين أو الشوماريين الذين كانوا يسكنون في هذه البلاد بعد صراع معها؛ إلا أنها تأثرت بالسومارية أو الشومارية في المفردات، وأيضًا التوسع في أزمنة الفعل، وإهمال بعض الحروف الأبجدية السامية، وتحريف الألفاظ؛ نتيجةً لنطق السُّكّان الأصليين بهذه الألفاظ.
مثال: الصراع اللغوي نتيجة الجوار بين اللغات، وتأثير بعضها في بعض اللغة الروسية واللغات المجاورة لها في البقاع الأسيوية؛ حيث قضت اللغة الروسية على غيرها من اللغات المجاورة؛ وذلك نتيجة لتأثير النفوذ الروسي على حياة هذه الشعوب.
ومثال صراع اللغتين المتجاورتين أيضًا: اللغة العربية واللغة النوبية، بعد تهجير النوبيين إلى أراضيهم بشمال أسوان، ومع مرور الزمن، فإن الصراع اللغوي بين العربية في صعيد مصر وبين اللغة النوبية سيؤدّي إلى ظهور لهجات؛ نتيجة هذا الصراع.
ومثال الصراع اللغوي نتيجة السياحة: ما حدث بين اللغة العربية ولغات السائحين في لبنان، ونشأة اللهجة اللبنانية متأثرة بلغات السائحين، وإن تدفق السياح في جمهوريتنا مصر العربية للتنزّه، أو للاستطلاع، والبحث لَتوطئة صراعٍ لغوي سيؤدّي مع مرور الزمن إلى ظهور لهجات جديدة، واقتباس مفردات من لغات السُّيَّاح الوافدين إلينا من الأصقاع الأوربية وغيرها.
أيضًا في مصر هناك صراعٌ لُغوي لغة السياح واللغة العربية، سيؤدي مع مرور الزمن إلى ظهور لهجات جديدة، واقتباس مفردات من لغات السياح الوافدين إلينا من الأصقاع الأوربية وغيرها.
ومثال الصراع اللغوي نتيجة للزيارة، أو الحج، أو العمل ما نلحظه في لهجة المدينة المنورة؛ حيث التقت في المدينة الأمم، وتعارفت في صعيدها الشعوب، وتواصلت في جوانبها الألسنة، ترك ذلك آثارًا ما زالت ملامحها في لهجة المدينة المنورة حتى الآن، فمّما اقتبسته لهجة المدينة المنورة من ألفاظ فارسية؛ نتيجة لالتقاء الحجاج، أو العمل. مثلًا كلمة: أسطوانة، والأسطوانة هي “الأنبوبة” بلهجة القاهرة، يقولون: أسطوانة غاز، أسطوانة هذه كلمة فارسية، وأيضًا كلمة بستان كلمة فارسية وعُرِّبَتْ، وهذه الكلمة مركّبة من “بـُ” أي: ائحة “ستان” أي: محل، أيضًا كلمة “باذنجان”، يقولون: باذنجان، وفي بعض الأحيان يكتفون بالأسود، فإذا قلت لهم: الأسود، فالمقصود هو الباذنجان، وأصله في الفارسية باذنكان، أيضًا كلمة بنجرة، أصلها في الفارسية بنجرة يعني: نافذة، أو كل شباك مشبك.
أيضًا جزر، الجزر معروف: الرومة التي تؤكل مأخوذة من كزر، أو من كزر بكسرتين، فحرفت في لهجة المدينة إلى جزر، أيضًا حراج هو البيع بالمزاد، يقولون: حرج على كذا، هذه أيضًا كلمة فارسية. أيضًا خِرْبِز يطلقه أهل المدينة على البِطيخ، فهذه أيضًا لهجة فارسية، وأصلها في الفارسية خربوز، أيضًا كلمة “دغري” أي: اذهب إلى الإمام، وأيضًا كلمة “زلابية” أي: بقلاوة باللهجة القاهرية، وهي كلمة فارسية لنوع من الفطائر، هذه الكلمة معربة عن زلابيا، وهو عجين يُقلى بالسمن ثم يعقد بالدبس، أيضًا كلمة زنبيل، أي: كيس من البلاستيك، مأخوذة من الفارسية، أو مخلاج الدرويش فارسي، أيضًا شال: ثوب يوضع على الكتفين، أيضًا من الفارسية، شرشف: ملاة أصله بالفارسي جارشل، بمعنى ملاءة، صقر أيضًا من الفارسية، صندل: مشاية تلبس في رجل الإنسان فارسية أيضًا، كاسه أي: قدح، أو الكباية باللهجة القاهرية، وهي بالفارسية كاسه. هذه كلمات دخلت إلى اللغة العربية إلى لهجة المدينة المنورة.
هناك أيضًا كلمات آرامية دخلت لهجة المدينة المنورة العربية في لهجة المدينة كلمة سكين، وهي كلمة آرامية، كلمة قارورة أيضًا كلمة آرامية، كلمة فيلم، وأصله فِلِم، من الإنجليزية دخل إلى لهجة المدينة من الإنجليزية، أيضًا من الإسبانية كلمة: بطاطا المعروفة، كلمة ريال اسم نقد قديم من الإسبانية، وعُدّ بعد ذلك من التركية؛ ولذا نراه من توافق اللغات؛ لأن فيه اتفاقًا بين الإسبانية وبين التركية في كلمة ريال، يعني: دخل الأول من الأسبانية، وعُدّ بعد ذلك من التركية، إما أن نقول: إن أصله من الإسبانية، أو نقول: إن فيه توافق بين الإسبانية، وبين التركية.
ومن الإيطالية كلمة زلطة أي: سلطة، وهي من المشهيّات المعروفة، أيضًا كلمة طاولة، وكلمة فاتورة، وأيضًا من الألفاظ التركية التي دخلت إلى لهجة المدينة أيضًا كلمة بوري، وبوري يعني: مكبر الصوت هو البوق عند الجند من التركية، ومأخوذة من التركية، أيضًا كلمة تنورة أي: جونلة من الملابس، وهو ما يحيط بالجسم من الخصر إلى القدمين، أيضًا كلمة ريال قلنا بأنها قد تكون مأخوذة من التركية، وقد تكون مأخوذة من الإسبانية، أو من توافق اللغتين.
أيضًا كلمة شراب: لما يُلبس في القدم، هو الجورب، كلمة تركية، أيضًا كندرة أي: الحذاء، كندرة كلمة تركية مأخوذة عن اليونانية بمعنى: حذاء، أيضًا كلمة مريول أيضًا في لهجة المدينة المنورة أي: مريلة بلهجة القاهرة، ومن اليونانية سيرة، دخلت كلمة سيرة من اليونانية إلى لهجة المدينة المنورة، أو إلى عربية المدينة المنورة، كلمة سيره يعني: بمعنى صف أو طابور، وكلمة سيره يونانية، كلمة صف عربية، كلمة طابور تركية، إذن هنا ترادف: سيره وصف وطابور؛ ولذلك عندما نبحث في نشأت الترادف في اللغة العربية، نقول: من أسباب نشأة الترادف هو دخول كلمات غير عربية إلى اللغة العربية.
الترادف في اللغة العربية عندما نقول مثلًا: ذراع وساعد، أنف ومرصن، سكين ومدية، إلى آخره، انتظمت في العربية في سلك الترادف، أيضًا كلمة فندق من اليونانية التي دخلت إلى لهجة المدينة، أيضًا من الصينية دخلت إلى لهجة المدينة -عربية المدينة- شاهي بمعنى: شاي، هو نبات من الصينية بواسطة التركية.