Top
Image Alt

تابع: تاريخ التنصير في المنطقة العربية، وفي العالم الإسلامي

  /  تابع: تاريخ التنصير في المنطقة العربية، وفي العالم الإسلامي

تابع: تاريخ التنصير في المنطقة العربية، وفي العالم الإسلامي

وبعد دراسة أحوال المنطقة سياسيًّا وجغرافيًّا واجتماعيًّا، قرّر الجنرال (هيج) في رحلته إلى الجزيرة العربية: أنّ كل الجزيرة العربية بدرجات متفاوتة مهيّأة الآن لاستقبال الكتاب المقدس بذراعين مفتوحتيْن، مع أنّ الجنرال هذا رجل عسكري، لكنه في نفس الوقت يحمل في عمله العسكري الطابع التبشيري. وهو قد كتب هذه العبارة في بعض التقارير التي أرسلها إلى الكنائس التي يتْبعها. وقد أنشأت هذه الإرسالية الأمريكية عدّة مراكز متعدّدة في بيروت، وفي البصرة، وفي البحرين، لكن كانت البحرين أهمّ مركز لهذه الإرسالية؛ حيث أنشأت الإرسالية مكتبة كبرى للكتاب المقدس في البحرين سنة 1893م. ومن هذه المكتبة أخذت هذه الإرسالية توزِّع الكتاب المقدس على الإرساليات التي أنشأتها في البصرة، وفي الكويت، وفي بيروت، وفي بعض بلاد الجزيرة المطلّة على الخليج الفارسي. فكأنّ المكتبة التي زُرعت في هذه الإرسالية كان من أهمّ أهدافها: نشْر الكتاب المقدس في هذه المنطقة. وبذلك أصبحت البحرين مركزًا مستقلًّا للنشاط التبشيري في هذه المنطقة، بعد أن كان تابعًا لمركزهم بالبصرة، كانت البحرين والمنطقة كلّها تابعة في نشاطها التبشيري للمركز التبشيري الموجود في البصرة. وهو مركز قديم، لكن جُدِّد نشاطه بعد تأسيس هذه الإرسالية.

 وساعد على تكثيف النشاط التبشيري في هذه المنطقة عوامل كثيرة، أشار إليها المبشِّرون في كتاباتهم، من أهم هذه العوامل:

أنّ وضْع البحرين السياسي كان مؤهلًا للقيام بهذه المهمّة. لماذا؟ لأن البحرين كانت محميّة بريطانية. وكان هذا العامل وحده كافيًا لتوفير قدْر من الحماية، قدْر من الأمان والأمن للمبشِّرين الذين يعملون في هذه المنطقة. ثم ابتدأ نشاط هذه الإرسالية إلى جنوب الجزيرة العربية، فأنشأت لها مركزًا في عمان، وفي مسقط. ومن عمان امتد نشاط الإرسالية إلى شرق إفريقية ووسطها. كأنَّ إرسالية البحرين أصبحت مركز تجمّع ونشر للإرساليات في المنطقة العربية شمالها وجنوبها، كما رأينا في بيروت وفي عمان شرقها وغربها، كما رأينا في إفريقية وفي البصرة في العراق؛ ولذلك علّق المبشرون أهمية كبيرة جدًّا على المنطقة الجغرافية لهذه الإرسالية باعتبارها مركزًا لتوزيع الكتاب المقدس على المنطقة.

في مطلع القرن العشرين، وجدْنا المبشرين يؤسِّسون مركزًا لهم في دولة الكويت؛ حيث بدءوا في زيارتها من سنة 1900م. وبعض المؤرخين يقول أن هذه هي المرة الأولى التي وفد إلى الكويت بعض المبشرين لمباشرة النشاط التبشيري. وكانت الزيارة الثانية في سنة 1903م حين افتتحوا بها مكتبة لبيع الكتاب المقدس. ولكن في هذه المرحلة التاريخية رفض حاكم الكويت -وهو: الشيخ مبارك- أن تقوم هذه المكتبة بأي نشاط تبشيري في الكويت، وأمر بإغلاق هذه المكتبة نهائيًّا. ولكن هل انتهت علاقة التبشير بالكويت؟ لا. فإن أعين المبشرين لم تنصرف أبدًا عن الكويت، بما فيها وما لها من أهمية كبيرة في نظر المبشرين. فلقد كتب أحد المبشرين وهو “أرنولد ويلسن” عن أهمية الكويت بالنسبة للنشاط التبشيري، وبيّن أن المزايا الاستراتيجية والتجارية لموقع الكويت الجغرافي، وقرْبها من مدخل دجلة والفرات، وصلتها الوثيقة بمملكة ابن سعود آنذاك في وسط الجزيرة العربية، وأنّ موقعها الجغرافي يسمح بالعبور بسهولة إلى قلب الجزيرة العربية؛ كل هذه الأمور جعلت الكويت ذات أهمية قصوى في نظر المبشِّرين. وظلت المحاولات قائمة بين مدّ وجزر، بين الإرسالية وبين الشيخ مبارك حاكم الكويت، ولم ييأسوا أبدًا من المحاولات وتكرار المحاولات، إلى أن توصلت الإرسالية إلى الحصول على موافقة من الشيخ مبارك بفتح مستشفى في الكويت سنة 1913م. وأعطاهم الشيخ مبارك قطعة أرض مجاورة للقصر الذي يقيم فيه ليقيموا عليها منزلًا لهم. وتدخّل القنصل البريطاني ليكون وسيطًا لهم عند الشيخ، بضمان الولاء وعدم المعارضة. وظلت الإرسالية تباشر نشاطها من هذا المنزل بالمنطقة إلى وقت قريب جدًّا.

هذه الإرسالية مسئولة عن نشر الإرساليات الفرعية في معظم بلاد الخليج؛ فكان من المراكز التي أنشئت تحت رعاية هذه المؤسّسة التبشيرية: أن أنشئ مركز لهم في منطقة قطر أو في إمارة قطر آنذاك؛ حيث قدّم إليها القسيس “جريت بنتجز” والدكتورة “توما” و”دين” و”أريسون” والآنسة “كورنيلا” لتفقُّد معالم هذه المنطقة ودراسة أحوالها. وحدثت لقاءات مع المسئولين في إمارة قطر آنذاك. وفي سنة 1945م بالتحديد، حضر إلى قطر القس “فان برسن” لافتتاح مستشفى وبعض المراكز الطبية في قطر. ووجدوا في هذا فرصة جيدة لمزاولة نشاطهم التبشيري. وطلب منهم الشيخ أن يضعوا تصميمًا لمستشفى سيعهد بإدارتها فيما بعد إليهم. وفي خريف سنة 1947م، أصبح المستشفى جاهزًا للعمل، ولكن هذه الخدمات الطبية لم تستمر طويلًا في قطر؛ ففي سنة 1952م اضطرت الإرسالية التبشيرية أن تتوقّف عن نشاطها تمامًا؛ حيث عادت المستشفى إلى حكومة قطر، وأصبحت الإرسالية غير آمنة على نفسها؛ فتوقفت عن العمل تمامًا في هذا البلد، ورحلت بكل أفرادها من قطر رحيلًا كاملًا. وهذه فكرة موجزة عن نشاط المبشِّرين في المنطقة العربية خاصة في دول الخليج.

ومن المعلوم: أنه في عصر الاستعمار الحديث، وبالذات تحت الحماية البريطانية لهذه المنطقة، نشطت عملية التبشير في الأقطار الإسلامية التي احتلّتها دول الغرب، خاصة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا؛ حيث فرضت هذه الدول سيطرتها السياسية والثقافية على أهل هذه البلاد، وجلب الاستعمار معه كثيرًا من المبشرين وسدَنة الكنائس. ففي عام 1870م -على سبيل التمثيل- وَسَّعتْ البعثة التبشيرية التابعة إلى الكنيسة الإصلاحية في أمريكا مجال نشاطها في العراق؛ حيث كانت تباشر أعمالها في العراق، وامتدادًا منه إلى منطقة الخليج عن طريق تقديم الخدمات الطبية والتعليمية. كما أن الكنيسة الإنجليكانية ارتبط وجودها بالجيش البريطاني في منطقة الخليج، وامتد ذراعها لتعانق النشاط التبشيري تحت الحماية البريطانية في مصر، بينما وصلت الكنيسة الكاثوليكية عن طريق الهند وإفريقيا الشرقية. وقد أسّس عدد كبير من موظفي شركات النفط كنائس على المستوى المحلي، وأخرى على المستوى الإقليمي. وآخِر الكنائس التي أسِّست في الخليج العربي، كانت تلك التي أسّسها العمال المهاجرون من الهند وباكستان في منطقة الخليج.

هذه فكرة موجزة عن تاريخ التبشير في المنطقة العربية، وفي العالم الإسلامي شرْقه وغربه. وباستقراء النشاط التبشيري في هذه المناطق، يمكن أن نقول بشيء من الإيجاز: إن النشاط التبشيري قد غطّى العالم الإسلامي جغرافيًّا. فوجدنا المناطق الإسلامية في إفريقيا، وفي آسيا، والبلاد الإسلامية في شرق أوربا، كلها واقعة تحت نفوذ وسيطرة المبشرين الذين انتشروا في هذه الأرجاء تحت حماية الاستعمار، وعلى مرأى ومسمع من العالم الغربي الذي يدعونا إلى أن نتحلّل من ديننا، بدعوى أنّ ديننا يدعو إلى التعصب ويدعو إلى التطرف.

error: النص محمي !!