Top
Image Alt

تابع مذاهب العلماء في العمل بالحديث الضعيف وشروط العمل به

  /  تابع مذاهب العلماء في العمل بالحديث الضعيف وشروط العمل به

تابع مذاهب العلماء في العمل بالحديث الضعيف وشروط العمل به

المذهب الثاني:

ذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأبو داود صاحب السنن، وابن منده، وغيرهم إلى العمل بالحديث الضعيف في الأحكام، وتقديمه على القياس.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: لا تكاد ترى أحدًا ينظر في الرأي، إلا وفي قلبه دغل، والحديث الضعيف أحب إليّ من الرأي. قال: فسألته عن الرجل يكون ببلدٍ لا يوجد فيها إلا صاحب حديث، لا يدري صحيحه من سقيمه، وصاحب رأي فمن يسأل؟ قال: يسأل صاحب الحديث، ولا يسأل صاحب الرأي.

قال الحافظ السخاوي: كان أبو داود يتتبع من حديثه أقوى ما وجد كما رأيته بخط الحافظ العراقي، ويروي الحديث الضعيف -أي: من قبل سوء حفظ راويه ونحو ذلك- كالمجهول عينًا أو حالًا لا مطلق الضعيف الذي يشمل ما كان راويه متهمًا بالكذب، حيث لا يوجد في الباب حديثًا غيره؛ فذلك الحديث الضعيف عنده أقوى من آراء جميع الرجال.

وكذلك احتج بالحديث الضعيف وقدمه على الآراء الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، أحد أكابر هذه الصناعة، ممن جاب وجال، ولقي الأعلام والرجال، وشرَّق وغرَّب رحمه الله تعالى، وكذلك يخرج الإمام النسائي في سننه، وهي مصنفة على أبواب الفقه، حديث من لم يُجمع أئمة الحديث على تركه؛ حتى إنه يخرج للمجهولين حالًا وعينًا للاختلاف فيه، فلا يختصر الإمام النسائي في التخريج على المتفق على قبولهم، قال الإمام النسائي: لا يترك الرجل عندي حتى يجمع الجميع على تركه، فأما إذا وثَّقه عبد الرحمن بن مهدي وضعفه القطان -أي يحيى بن سعيد القطان مثلا- فإنه لا يترك؛ لما عرف من تشديد يحيى القطان، ومن هو مثله في النقد.

شروط العمل بالحديث الضعيف في الأحكام، وتقديمه على القياس:

إذا كان فريق من العلماء قد عملوا بالحديث الضعيف، واستنبطوا منه الأحكام، وقدموه على القياس؛ فإن ذلك ليس على إطلاقه، بل بشروط:

الشرط الأول: ألا يكون ضعفه شديدًا؛ فيحتج بما كان في إسناده راوٍ سيئ الحفظ، أو المجهول عينًا أو حالًا، أما إذا كان الحديث في إسناده راوٍ متهم بالكذب فلا يحتج به مطلقًا.

الشرط الثاني: ألا يوجد في بابه غيره، أي: من أدلة القرآن الكريم والسنة المقبولة.

الشرط الثالث: ألا يوجد في بابه شيء يدفعه، أي: يعارضه.

هل مراد الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما ممن ذهب إلى جواز العمل بالضعيف وتقديمه على القياس- الضعيف الذي تحققت فيه الشروط السابقة؟ أم يراد به الحسن؟ كما ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وقد علل ابن تيمية كلامه بأن المراد بالضعيف الذي يعمل به، ويقدم على القياس- هو الحسن؛ وذلك لأن المتقدمين قسَّموا الحديث إلى صحيح وضعيف، وأول من عرف أنه قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف هو الإمام الترمذي في جامعه.

قال الحافظ العراقي: كان أبو داود يرى الحديث الضعيف إذا لم يرد في الباب غيره- أولى من رأي الرجال، وكان أحمد يقدم الحديث الضعيف على القياس.

قال الحافظ العراقي: وحمل بعضهم هذا على أنه أريد بالضعيف هنا الحسن، قال ولكن يرد على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ما يأتي: أما قوله: أن المراد بالضعيف هو الحسن؛ فيلزم على هذا الكلام: ألا يعمل بالحديث الحسن في الأحكام، وإنما يعملون بالحديث الصحيح فقط، وهذا خلاف الواقع؛ فإن جماهير العلماء يعملون بالحديث الحسن في الأحكام؛ لذلك قال أبو سليمان الخطابي في تعريف الحديث الحسن: هو ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، ويقبله أكثر العلماء واستعملوه.

فقد وجد الحكم على الحديث بالحسن قبل الترمذي في كلام مشايخ الترمذي، ومشايخ مشايخه، كما قال ابن الصلاح: كتاب أبي عيسى الترمذي أصلًا في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوَّه باسمه، وأكثر من ذكره في جامعه، ويوجد في متفرقات بعض مشايخه، والطبقة التي قبله؛ كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم.

قلت: الذي عليه العمل في كتب السنة والفقه: جواز العمل بالحديث الضعيف بشرطه في الأحكام الشرعية؛ من الحلال والحرام وغير ذلك، وذلك من الظهور بحيث لا يخفى على الباحثين؛ فالإمام مالك يحتج بالمراسيل والبلاغات، وصنيعه في (الموطأ) يشهد بذلك.

قال الحافظ ابن حجر: أصل وضع التصنيف في الحديث على الأبواب أن يقتصر فيه على ما يصلح للاحتجاج أو للاستشهاد، بخلاف من رتب على المسانيد؛ فإن أصل وضعه مطلق الجمع.

المذهب الثالث في العمل بالحديث الضعيف احتياطًا:

ذهب بعض العلماء إلى العمل بالحديث الضعيف احتياطًا؛ فإذا ورد حديث ضعيف في تحريم نوع من البيوع عمل به احتياطًا.

قال الحافظ السخاوي: إذا كان الحديث الضعيف في موضع احتياط، كما إذا ورد حديث ضعيف في كراهة بعض البيوع أو الأنكحة- فإن المستحب كما قال النووي: أن يتنزه عنه، ولكن لا يجب، قال الحافظ السيوطي: ويعمل بالضعيف أيضًا في الأحكام إذا كان فيه احتياط.

المذهب الرابع في عدم العمل بالحديث الضعيف:

ذهب جماعة من العلماء إلى أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقًا، لا في الترغيب، ولا في الترهيب، ولا في الأحكام، ولا غير ذلك.

من هؤلاء: الإمام يحيى بن معين، والبخاري، ومسلم، وأبو بكر بن العربي، وابن حزم الظاهري.

وجهة نظر من رد الأحاديث الضعيفة:

ترجع وجهة نظر العلماء الذين ذهبوا إلى رد الأحاديث الضعيفة مطلقًا، بدون تفرقة بين الأحكام وغيرها من الترغيب والترهيب- إلى الآتي:

  1. قالوا: في القرآن الكريم، والسنة المطهرة المقبولة غُنية عن هذه الأحاديث الضعيفة.
  2. أمور الإسلام سواء ما يتعلق منها بالأحكام أو المواعظ من الترغيب والترهيب- لا يقبل فيها إلا الأحاديث المقبولة؛ لأنها كلها دين يدان لله به، ويتقرب به إليه.

لماذا حدثنا الأئمة عن الضعفاء والمتروكين بل وعن الكذابين مع علمهم بذلك، وأنه لا يحتج بحديثهم؟

ويجاب عنه بأجوبة:

السبب الأول: أنهم رووا هذه الأحاديث ليعرِفُوها وليبينوا ضعفها؛ لئلا تلتبس عليهم أو على غيرهم في وقتٍ ما، أو يتشككوا في صحتها، وقد أجاب يحيى بن معين على الإمام أحمد حين قال لهم: تكتب صحيفة معمر، عن أبان، عن أنس، وتعلم أنها موضوعة، وأنت تتكلم في أبان، فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان، وتكتب حديثه؟! فقال الإمام يحيى بن معين: يا أبا عبد الله، أكتب هذه الصحيفة فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء إنسان؛ فيجعل بدل أبان ثابتًا، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقول له: كذبتَ، إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت.

السبب الثاني: أن الضعيف يكتب حديثه ليُعتَبر به، ويُستشهد به، ولا يحتج به على انفراده.

السبب الثالث: أن روايات الراوي الضعيف يكون فيه الصحيح والضعيف والباطل؛ فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض، وذلك سهلٌ عليهم، معروفٌ عندهم، وبهذا احتج سفيان الثوري  رحمه الله  حين نهى عن الرواية عن الكلبي، فقيل له: أنت تروي عنه فقال: أنا أعلم صدقه من كذبه.

السبب الرابع: أنهم قد يروون عن الضعفاء أحاديث الترغيب والترهيب، وفضائل الأعمال، والقصص، وأحاديث الزهد، ومكارم الأخلاق، ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام، وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه، ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به؛ لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله.

وعلى كل حال، فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئًا يحتجون به على انفراده في الأحكام؛ فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين، ولا محقق من غيرهم من العلماء.

أنواع الحديث الضعيف المترتبة على فقدان الشرط الأول (اتصال الإسناد):

من شروط الحديث المقبول المعمول به: أن يكون إسناده متصلًا، فإن لم يتحقق هذا الشرط صار الحديث ضعيفًا، وسبق أن عرفنا الإسناد والمتن، وبيّنا المراد باتصال الإسناد، ونذكِّر بذلك فنقول:

تعريف الإسناد اصطلاحًا: هو الطريق الموصل إلى متن الحديث، أو هو عبارة عن سلسلة الرواة الذين تحملوا الحديث واحد عن الآخر حتى وصلوا به إلى النبيصلى الله عليه وسلم في الحديث المرفوع، أو إلى الصحابي في الحديث الموقوف، أو إلى التابعي في الحديث المقطوع.

تعريف المتن اصطلاحًا: هو نص الحديث، أو ألفاظ الحديث التي تقوم بها المعاني. المراد باتصال الإسناد: أن يكون كل راوٍ في الإسناد قد تحمل الحديث عن شيخه مباشرة، بطريق من طرق التحمُّل، وهذا يعني: أن الإسناد لم يسقط منه راوٍ أو أكثر؛ فإذا لم يتحقق هذا الشرط في الإسناد صار الحديث ضعيفًا.

أنواع الحديث الضعيف المترتبة على فقدان شرط اتصال الإسناد:

  • النوع الأول: الحديث المعلق.
  • النوع الثاني: الحديث المرسل.
  • النوع الثالث: الحديث المنقطع.
  • النوع الرابع: الحديث المعضل.
  • النوع الخامس: الحديث المدلس.
  • النوع السادس: الحديث المعنعن.
  • النوع السابع: الحديث المأنن.

وقبل الحديث عن كل نوع من هذه الأنواع نستطيع أن نقسم السقط الواقع في الإسناد إلى: سقط ظاهر، وسقط خفي.

أولًا: السقط الظاهر: ويندرج تحته الحديث المعلق، والحديث المرسل، والحديث المنقطع، والحديث المعضل.

ثانيًا: السقط الخفي: ويندرج تحته نوعان:

 النوع الأول: الحديث المدلس. النوع الثاني: المرسل الخفي.

error: النص محمي !!