Top
Image Alt

تابع: منهج الإمام البخاري في (التاريخ الكبير)

  /  تابع: منهج الإمام البخاري في (التاريخ الكبير)

تابع: منهج الإمام البخاري في (التاريخ الكبير)

(التاريخ الكبير) هو أول مصنف جامع لأسماء الرواة من الثقات والضعفاء.

يقول أبو العباس بن سعيد: “لو أن رجلًا كتب ثلاثين ألف حديث لَمَا استغنى عن كتاب تاريخ محمد بن إسماعيل”.

منهجه في الكتاب:

أولًا: رتبه على حروف المعجم.

ثانيًا: بدأ بالمحمدين تقديرًا لشرف اسم النبي صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: يبدأ بالصحابة في كل حرف من الحروف، فيترجم للصحابة تحت الاسم الذي يذكره، ثم يرتب الأسماء بعد ذلك، أي: إبراهيم حرف الهمزة، يرتب الأسماء المشتركة التي فيها اشتراك في أكثر من اسم على الحرف الأول، بالنسبة للأب أيضًا، فيقدم مثلًا أحمد بن إبراهيم على أحمد بن إسحاق؛ لأن الباء تسبق السين.

رابعًا: عناصر الترجمة تحتوي على: اسم الراوي واسم أبيه وجده وكنيته ونسبته إلى القبيلة أو البلدة أو كليهما معًا، ولا يطيل بذكر الأنساب، ثم ينتقل إلى ذكر التلاميذ والشيوخ والتلاميذ، ويذكر روايات من روايات هذا الراوي؛ ليؤكد اتصال السند وسماعه من الشيوخ الذين يذكرهم، أو التلاميذ الذين تلقوا عنه.

وأحيانًا لا يذكر الرواية كاملة، فيشير إليها إشارة فقط، إما اعتمادًا على حفظ المتلقي، أو على بحثه وتنقيبه.

خامسًا: يشير إلى مكانة صاحب الترجمة في العلم.

ومن ضمن عناصر الترجمة أيضًا عند البخاري: تقديمه معلومات مختصرة عن الراوي. وطول التراجم وقصرها سواء عند البخاري أو عند غيره خاضعة لاعتبارات كثيرة، منها: مكانة المترجم له، ومنزلته في العلم، ودوره في خدمة السنة، ورواية الحديث.

إذًا أحيانًا البخاري لا يقدم معلومات كافية عن أحوال الراوي.

وقد يذكر بعض الصفات الجسمية والخلقية والعقلية، كما يشير إلى عقائدهم وآراءهم ودورهم في الغزوات وفي الفتوحات، وما إلى ذلك.

والبخاري -رحمه الله- يسعى إلى تحديد مكان وزمان الرواية للتحقق من إمكان اللقاء بينه وبين الشيوخ الذين روى عنهم؛ لأن البخاري -رحمه الله- من شرطه أن يتأكد من اللقاء بين الراوي وشيخه.

ويتعرض أيضًا لذكر رحلات الشيوخ؛ لأن هذه لها فوائد عظيمة؛ من بينها أنها تؤكد اتصال الرواية.

البخاري -رحمه الله- أيضًا يذكر بقدر ما يمكنه سنوات الوفيات، ويذكر سنوات المولد، وهذه أيضًا من المعلومات المهمة في معرفة الراوي؛ لأنها تعين على التأكد من لقائه بالشيوخ، وهل هو مع أقرانه في طبقة واحدة، وهل شيوخه يسبقونه بطبقة واحدة؟ إلى آخر ما نستطيع أن نلاحظه في ذلك.

كما أن للبخاري منهجًا في استعمال ألفاظ الجرح والتعديل، فهو يتورع جدًّا فلا يميل أبدًا إلى استعمال الألفاظ الشديدة، واشتهر عنه أن يقول: “سكتوا عنه”، “في حديثه نظر”، “يخالف في بعض حديثه”، وإذا قال: “منكر الحديث” فهذه عبارة شديدة جدًّا منه.

ولذلك كان منهج البخاري المتميز الذي سجله العلماء له أنه ينقد، لكن لا يجرِّح ولا يزيد عن الحد ولا يأتي بأشخاص آخرين في جرحه… إلى آخره.

فبالنسبة للألفاظ: أشد ما يقول البخاري عن فلان: “إنه منكر الحديث”، ويسكت عن الراوي، وهو ساكت عن كثير، بل لعل الأغلب من تراجمه أنه سكت عنهم؛ ولذلك العلماء في تتبعهم لمنهج البخاري في (التاريخ الكبير) ومحاولة فهمهم لجهده يعتبرون أن عباراته في منتهى الاعتدال، وأنه لو استعمل مثلًا: “منكر الحديث” كان وصفه هذا عبارة شديدة منه تدل على أن منزلة الراوي متدنية، وأيضًا كما قلنا في التوثيق لا يبالغ جدًّا يقول: ثقة، يقول: حسن الحديث… إلى آخره.

وقد تملم العلماء عن سكوت البخاري: هل سكوته من قبيل التوثيق؟

فهناك من اعتبرها من قبيل التوثيق، وذلك في الحقيقة لا يُسَلّم على الإطلاق، وابن حجر -وهو أعظم من استقرأ البخاري وتعايش معه وفهم منهجه جيدًا- يعتبر أن سكوته غير دال على توثيق، وليس تجريحًا.

فمثلًا: يتكلم ابن حجر عن يزيد بن عبد الله المُغفَّل، يقول: قد ذكره البخاري في “تاريخه” فسماه: يزيد، ولم يذكر فيه هو ولا ابن أبي حاتم جرحًا، فهو مستور.

إذًا لو كان سكوت البخاري توثيقًا في نظر ابن حجر- وهو الذي عايش البخاري كثيرًا- ما حمله هنا على أنه رضي به، إنما فهم أن السكوت معناه لأي سبب آخر.

وينبغي أن نفهم قاموس البخاري في الألفاظ التي يستعملها، وكذلك مناهج العلماء وألفاظهم التي يستعملونها في تجريحهم وفي توثيقهم، فهو أمر مهم جدًّا لطالب العلم.

فبعض الشيوخ تعددت مناهجهم، وبعضهم أيضًا يقول بعبارات شديدة أو بعبارات معتدلة، إلى آخره، فكل عالم له منهج؛ ولذلك كان الوقوف على مناهج العلماء من أهم ما يتميز به طالب العلم المتخصص، أو الذي يريد أن يكون عميقًا في تخصصه.

البخاري من منهجه أيضًا أنه يستعين بأقوال أئمة الجرح والتعديل في الرجال؛ ولذلك يوجد في كتابه عبارات أشد من عباراته هو؛ لأنه اعتمد فيها على النقل عن العلماء فهي ليست من أقواله.

كذلك المعلومات التاريخية في (التاريخ الكبير) ليست كثيرة، وإنما توسع في هذا الجانب في الأحداث التي تتصل بالسيرة أو بالفتوحات أو بأحداث متأخرة في العصر الأموي، أو ما شاكل ذلك، ولعله أراد أن يُذكِّر أو يوضح أن التركيز أو التوسعة في التراجم إنما يكون بقدر المصلحة، بما يخدم أمور الشرع وعلومه.

وأيضًا من معالم المنهج عند البخاري رحمه الله: أنه متضلع بالرجال وبنقدهم وبيان ما لهم وما عليهم.

لكن حقيقةً حدث بعض الأخطاء في كتابه، أشار إليها العلماء، ولعل هذا من خطأ النسَّاخ، وما شاكل ذلك.

يهتم البخاري أيضًا بذكر الوفيات إذا توفرت لديه المعلومات عن ذلك، فيذكر مشاركتهم في الغزوات أو الفتوحات وموقفهم من أحداث عصرهم، كالفتنة في زمان عثمان، ووقعة الحرة… إلى آخره.

يذكر النساء أيضًا، فيترجم لهن في نهاية الأمر، ويذكر كُناهن.

فهذه كانت بعض معالمه، رحمه الله تعالى، وجعل ذلك في ميزان حسناته، ويبقى أن كتابه -كما ذكرنا- من أهم دواوين السنة التي حفظت أسماء كثيرين من الذين رووا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

error: النص محمي !!